ثمة مفارقات عجيبة تحدث في الاردن على وجه الخصوص في زمن الربيع العربي، تجافي المنطق، وتحاول مسح الذاكرة القريبة لعموم الناس، من مختلف طبقاتهم وشرائحهم، عبر تحولات صادمة يقوم بها البعض في تبديل السلوك والنهج، كان بالامس القريب جزءا مؤثرا وقويا، في مراكز القرار والسلطة.
المستغرب في تحليل هذه الحالة من الانفصام السياسي، ان دعاتها وروادها الجدد، هم صناع واشرس المدافعين، عن مرحلة كاملة بمختلف تحولاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي نعيش تداعياتها في هذه المرحلة خصوصا بجوانبها السلبية، التي لم يكن احد يحق له بنظرهم في وقت كانوا في مواقع صنع القرار والتأثير ابداء أي ملاحظة على سياساتهم التي بشروا وقتها ان فيها الخلاص والنعيم القادم على الوطن واهله .
يطالعنا منذ فترة رجل ربما لم يجف بعد حبر قراراته، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي طاولت مختلف شؤون البلاد والعباد، بجلد محكم للوطن من خارج الحدود، ويتعامل مع الوطن بعقلية المستشرق القابع في بلاد العم سام، ومراكزها البحثية ، التي يطاولها الف سؤال وعلامة استفهام، ليخرج علينا وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء ووزير الاعلام والناطق الرسمي باسم الوفد المفاوض في مدريد قبل عقدين من الزمان الدكتور مروان المعشر بمحاضرات ومقالات وتصريحات متتابعة تستهجن المجريات في الاردن وتتساءل باشد عبارات الاستغراب عما حدث خلال السنوات الماضية والتي ادت الى مآلات المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدث الان.
يصف الدكتور المعشر الحالة الراهنة، بحالة من الازمة والانسداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالامور وصلت جراء اخطاء السياسات خلال العقدين الاخيرين التي كان جزءا اساسيا في صنع القرار فيها ، وصلت الى وضع كارثي على حد وصفه، ويكيل الاتهامات، بشكل عامودي وافقي، وينسى او يتناسى عن قصد، وفق ثقافة الربيع الاردني التي يحاول الترويج لها، انه خلال توليه منصب وزير الخارجية في حكومتي علي ابو الراغب وفيصل الفايز خلال الاعوام ما بين 2004 و 2005 قد وقع بوصفه وزيرا متضامنا متكافلا مع الحكومة صاحبة الولاية دستوريا على « 73» قانونا مؤقتا طالت مختلف شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية واوجدت واقعا هو الى اليوم معاشا بتداعياته المختلفة في تلك الاوجه وفي جلها سلبي الى ابعد الحدود.
كما وقع ابان توليه موقع نائب رئيس الوزراء وناطق رسمي للحكومة في حكومتي فيصل الفايز وعدنان بدران خلال الاعوام ما بين 2004 و 2005 على خمسة قوانين مؤقتة ليست اقل اثرا من القوانين السابقة .
الدكتور مروان المعشر الذي كان يوصف بالرجل المخضرم في السياسة الاردنية، كان في حقيقة الامر اكثر من منظر لسياسات عقدين من الزمان في الحكومات المتعاقبة بل مدافعا محترفا ومؤثرا وقويا عن تلك السياسات سواء في موقع وزير الخارجية الذي دافع خلالها بكل قوة عن استراتيجية السلام ومالات الملف العراقي والقضايا الاقليمية الاخرى، بل وكان الجميع يعرف انه كان من الوزراء القلائل الذين تعاقبوا على هذا المنصب السيادي الذين ساهموا الى حد بعيد في صنع السياسات قبل تنفيذها بحلوها ومرها.
وكان الدكتور المعشر ايضا رقما صعبا في وجه اطياف المعارضة الاردنية، لا تعوزه الحجة والبرهان، وصلابة الموقف في التصدي لهم، واحباط معنوياتهم، مكررا عليهم دوما، مصطلحات المصلحة الوطنية العليا، وضرورة الحفاظ على الوطن ومنجزاته وتقدير ظروفه، في وجه العاصفة التي تضرب المنطقة والتي يقع الاردن في عين عاصفتها.
وهذا الدور كان بذات الاهمية والتاثير ابان توليه موقع سفير الاردن في تل ابيب وواشنطن على وجه الخصوص انتهاء بموقع وزير الخارجية الذي شغله لسنوات كافية تجعله ابعد ما يكون عن صاحب حق في الانقلاب ومحاكمة تلك المرحلة بمختلف ظروفها.
من اشد انواع جلد الذات في مثل هذه الحالة نقل «البندقية من كتف الى كتف» والتحول الى حالة نضالية لا اسس ووجاهة لها في مجتمع صغير كالمجتمع الاردني الكل يعرف فيه الاخر بدقة، ولا اسرار فيه، بل تتحول هذه الحالة ان استمرت الى حالة من التندر والرفض لمثل هذا السلوك والنهج، الذي لا مجال لتموضع مثل هذه الشخصيات فيه باي حال.
الحالة التي يتقمصها الدكتور مروان المعشر كواحد من ابرز، المسؤولين في الاردن، حتى فترة قريبة مضت، لا تقبل القسمة على الوضع في البلاد الذي كان جزءا حيويا من صنع سياساته عبر مواقع المسؤولية الكثيرة والهامة التي تولاها، بل هي حالة اقل ما توصف به انها حالة من المناقصة والمزايدة التي يكون دوما حاصل جمعها صفرا فهل يستحق الاردن ونظامه واهله من مثل هذه الشخصيات كل هذا الجلد والظلم والاستقواء ؟!