اخبار البلد -
تثار دائما التساؤلات حول دستورية القرارات و الاجراءات التي تتخذها الحكومات على المستوى السياسي و الاجتماعي.
بيد ان من النادر جدا اتساع دائرة هذه التساؤلات لتشمل ما تتخذه الحكومة من قرارات مالية و اقتصادية، و اذا ما كانت هذه القرارات متوافقة مع ما جاء في نص و روح المواد الدستورية الناظمة لهذا الجزء المهم من صلاحيات السلطة التنفيذية.
لا يعني تغاضي الحكومات المتعاقبة في قراراتها المالية و الاقتصادية لما ورد في الدستور التقليل من اهمية تلك التجاوزات بأي شكل من الاشكال.
ذلك ان امتثال القرار المالي و الاقتصادي للدستور احد اهم أعمدة الاصلاح المالي المنشود محليا منذ عقود. فمن غير الممكن جني ثمار الاصلاح المالي و الاقتصادي في الوقت نفسه الذي تتنكر فيه الحكومة للضوابط الدستورية الناظمة للقسم المالي من صلاحياتها.
من هذا المنطلق تتأتى اهمية مراجعة القرارات الحكومية الاخيرة و تسليط الضوء على درجة التزامها و امتثالها لنصوص الدستور المتعلقة بمالية الدولة و خزينتها.
بعد تفحص وتمعن، يتبين للمتابع ارتكاب الحكومات السابقة لمخالفات دستورية صريحة في اجزاء من قراراتها و اجراءاتها المالية، من بينها لا يزال قائما حتى اللحظة.
احد هذا المخالفات يتعلق بالسياسة التي تبناها وزير المالية السابق علنا و ذلك بتمويل التفاقم الذي طرأ على الانفاق الجاري للدولة من خلال تخفيض مقابل وبالقيمة نفسها للنفقات الرأسمالية المقرة في موازنة عام 2012، و بما يتناقض صراحة مع المادة (112) من الدستور و الناصة على عدم جواز المناقلات بين ابواب الانفاق المختلفة الا بقانون.
مخالفة اخرى لا تقل اهمية عن سابقتها، تتعلق بإنفاق الحكومة الحالية و السابقة لمزيد من اموال الخزينة في اوجه لم تكن محددة في الموازنة المقرة هذا العام رغم عدم توفر الغطاء القانوني الذي تشترطه المادة الدستورية (115) لهذه الغاية، و ذلك بان لا ينفق اي من اموال الخزينة في اي وجه كان الا بقانون.
فعلى هذا الصعيد، لا تخفى على احد تلك النفقات الاضافية الضخمة التي تكبدتها الخزينة لتغطية التفاقم الذي طرأ على فاتورة الهيكلة و المقدرة بحوالي 200 مليون دينار من دون اصدار اي قانون ملحق موازنة حتى اللحظة.
كما لا يخفى على احد ايضا، ما طرأ على بند انفاق دعم المحروقات من تفاقم تجاوز حتى اللحظة ما كان مرصودا له لكامل السنة المالية 2012، من دون توفر اي غطاء قانوني للجديد من هذا الانفاق.
بل ان ما يزيد الحال غرابة ان تستمر الحكومة بهذا الانفاق غير الدستوري لما يزيد على اربعة اشهر هادفة بذلك الى تجنيب نفسها عناء نقاش ملحق الموازنة مع المجلس الحالي ليتم بعد ذلك اقراره عبر قانون مؤقت .
لا تتوقف الحكومة عند تجاوز الدستور في ادارتها لموازنة الدولة. بل ان الاستخفاف يمتد لتجاوز القوانين في بعض الاحيان و التأخر في انجاز القوانين المالية المهمة في احيان اخرى. اليس هذا ما حصل عندما تم تجاوز قانون الدين العام السنة الماضية ؟ أوليس ذلك نفسه ما حدث ايضا عندما تأخرت الحكومة في انجاز قانون الصكوك و اقرار القانون المعدل لضريبة الدخل؟
الامتثال الدستوري والقانوني نقطة الانطلاق لإصلاح مالي واقتصادي طال انتظاره.