أخبار البلد -
اخبار البلد
عندما وقفت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل امام البرلمان الألماني لإقناعه بخطة ماريو دراغي لإنقاذ منطقة اليورو لخصت الازمة برمتها ليس على صعيد المنطقة بل العالم حين قالت «فساد البنوك» هو السبب، هذه المقولة تبرز العالم اكبر ازمة مالية عالمية ضربت الاقتصاد العالمي منذ ازمة الكساد العالمي في 1929 - 1933، حين اعلن بنك الاستثمار الاميركي ليمان براذرز ليل 14-15/9/2008 افلاسه لينفرط عقد الاقتصاد بما فيه اسواق المال والعملات الاجنبية والذهب والنفط وتوالى افلاس عشرات المصارف في شتى بقاع الدنيا، ودخل العالم في ازمة كان سببها الرئيسي جشع المصارف لتطول تداعياتها ونيرانها كل مناحي الاقتصاد.
في الايام الاولى للأزمة كان الانهيار المالي مروعا في اميركا واعلنت شركات السيارات العملاقة افلاسها، واكبر شركة تأمين في العالم، وتنافست وكالات الانباء في نشر قائمة المصارف الصغيرة في الولايات الاميركية التي اعلنت افلاسها، الخسائر كانت فادحة تجاوزت التريليونات اي ألف مليار خصوصا من القيم السوقية لأسواق المال العالمية.
وبدلا من ان يبادر المسؤولون في المنطقة العربية بالتحوط او الاستعداد اجمعوا دون ان يسألهم احد «ان الامور مستقرة» وان رياح الازمة المالية العالمية لن تهب على اقتصادات المنطقة، ورغم حذر المتعاملين وتحفظهم على مثل تلك التصريحات الوردية، الا ان الامور سارت في الايام الاولى وكأننا بقعة منفصلة عن العالم، وفجأة وبمقدمات تم انكارها هبت رياح الازمة وانكشفت شركات ومصارف، فتم انقاذ الاخيرة وتركت الاولى لحال سبيلها تكافح وتجاهد لعل وعسى، فنجح بعضها في تجاوز جانب من تداعيات الازمة، وفشل البعض الآخر، لينتهي المشهد باستثمار متراجع فقد قيمته، وشركات كانت لها سمعتها الكبيرة، ضخت في جيوب مساهميها قبل ايلول من العام 2008 اموالا طائلة أرباحا عن اسهمهم في تلك الشركات.
قوانين واجراءات اتخذت في دول المنطقة لتخفيف تداعيات الازمة، ففي الكويت تم اصدار قانون الاستقرار المالي، وقامت قطر بشراء اصول بعض الشركات والمصارف، واجبرت اخرى متشابهة في المهام على الاندماج، وبرزت أزمة ديون دبي التي تجاوزت 10 مليارات دولار، وفي السعودية ومع مرور الوقت انكشف ملياردير فوربس معن الصانع وتبين انه حصل على مليارات الدولارات قروضاً من 100 مصرف حول العالم، بعضها كانت قروض وفق وثائق ومستندات وضمانات، وبعضها - وربما هو الجانب الأعظم- تم عبر عملية تزوير واسعة النطاق طالت الأوراق التي تقدم بها للحصول على قروضا، وقالت أسرة القصيبي انه اساء استخدام رموزها وفعالياتها المالية، الى حد أن أحد القروض تمت من خلال شخص توفى لتكشف العملية الوجه القبيح للتزوير.
وفي البحرين نظراً لوجود بنك ادال و المؤسسة المصرفية العالمية حيث يملك الأول معن الصانع ومجموعة سعد، ويدير الثانية عبر فريق عمل من اوال مثلما كان يدير صرافة القصيبي من السعودية، ويقوم البنك المركزي البحريني باسناد الأمر الى مؤسستين اجنبيتين فيكتشفان ان هناك عمليات مصرفية غير مشروعة، وعمليات غسل أموال، وينتهي الأمر باعلان افلاس بنك اوال ليكون أول بنك على أرض البحرين يعلن إفلاسه.
وبلغت خسائر الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية العالمية نحو 10 تريليونات دولار كان نصيب الدول العربية 2.5 تريليون، ورغم تراجع معدل اجمالي الاقتصاد العربي الى اجمالي الاقتصاد العالمي فان خسائر الاقتصاد العربي بلغت 25% وهو معدل كبير للغاية يعكس حجم مجموعة من الاختلالات في الاقتصاد، وحجم التسيب في الاداء المالي، ولولا مداخيل بعض الدول لحدثت كارثة مالية كبيرة.
معدل الخسائر العربية الى اجمالي الدولية برز مدلولها حالياً، ففيما تعافت الكثير من اسواق المال والشركات والمصارف الكبرى، مازالت شركات محلية وأخرى اقليمية تئن على وقع استمرار الأزمة، ومازالت تعاني من تدهور أحوالها، بعدما تبين أن معظم الشركات والتي حققت اربحاً هائلة لا علاقة لها بالاداء التشغيلي، وما هي الا كيانات استهدفت الربح عن طريق الاتجار في المشتقات والمضاربة وانشاء صناديق للاتجار في الأسهم فرفعت الأسعار، وكانت هي أول من اكتوت بنيران ترنحها فوقف بعضها على شفير الافلاس، واصبحت قاب قوسين أو ادنى من اشهار افلاسها بعدما تبين ان جميع قوانين إشهار الافلاس غير مفعلة ، وانها تحتاج الى تعديلات وكانت تلك الذريعة في بقاء كيانات وصفت ب الفاسدة الى حين تعديل قوانين الافلاس.
في الكويت وبمراجعة دقيقة لتصريحات بعض المسؤولين تبين ان رياح الأزمة لن تمر على الكويت الا من خلال أمور صغيرة لن تغير من الأمر شيئاً، وحين اشتدت رياح الأزمة، ومع تصاعد حدة الخطاب الاعلامي، صدر قانون الاستقرار المالي وتوقع الجميع أن تحدث طفرة اصلاحية كبيرة لا سيما حين قال المحافظ السابق انه قانون لا مثيل له ومع مرور الوقت ازداد حجم المتعثرين من الشركات، وارتفعت قائمة الشركات العاجزة عن سداد قروضها، ووقفت اخرى على حافة الافلاس، وجرى بالفعل انقاذ البعض، أما بجهود ذاتية أو بتدخل بعض المصارف سواء المحلية أو العالمية اعتماداً على جودة الأصول.
بعد 4 سنوات من الأزمة المالية الطاحنة والتي قدر خسائرها محافط البنك المركزي النيوزيلندي آلان بولارد بـ 30 تريليون دولار وليس 10 تريليونات أو 3.4 تريليون كما قال أحد المسؤولين الاقتصاديين العرب، كيف يقف الاقتصاد العالمي واقتصاد المنطقة.
هل تم التعامل باحتراف مع الازمة؟ هل توقفت المصارف المارقة كما وصفتها جهات التحقيق الأميركية اخيرا على خلفية غسل الاموال لصالح ايران عن أعمالها غير المشروعة؟، ومتى تتوقف مصارف مارقة اخرى عن عمليات ظنت انها سرية وعصية على الكشف عن تلك العمليات والتي فضحتها «وول ستريت جورنال»؟ هل سيظل الائتمان مقيدا فتستمر المعادلة الصعبة وغياب سيولة يقابله غياب استثمار ومن ثم بقاء الحال على ما هو عليه؟.
تطل الازمة المالية العالمية في ذكراها الرابعة وقد كشفت قبل حلول موعدها ليل 14- 15 ايلول بتوقيت اميركا، عن الوجه القبيح لعدد هائل من المصارف الكبرى التي تلاعبت بشكل فج في جل عملياتها لتزيد من خسائر بقية المؤسسات ولتبقي على الاقتصاد العالمي في ازمته الطاحنة.
لقد لجأت تلك المصارف الى ارتكاب عمليات غير مسبوقة في النظام المصرفي فلم تكتف بكونها كانت سببا رئيسيا في الازمة المالية بل قضت على الجزء اليسير الذي تحقق من التعافي حين تم الكشف عن دورها في غسل الاموال، او تلاعبها في معدل الفائدة ورغم ان تلك المصارف اجبر ت على اقالة مسؤوليها، او دفع غرامات لامست المليار دولار إلا انها سددت من أرباحها التي جاءت على حساب سواء المصارف الصغرى او الكيانات الاقتصادية المتنوعة.
لقد شملت المصارف التي وصفت بال»مارقة» او «الفاسدة» عددا هائلا ودارت الشبهات حول عدد من البنوك والمصارف التي سعت لغسل الأموال او التي قامت بالتلاعب الصارخن تلك المصارف التي قبلت تحويلات بمليارات الدولارات من دون ان تراجع مصدر التحويل، وان تسأل عن سبب تضخم تلك المبالغ والتي فاقت الـ 160 مليار دولار.
مازالت تداعيات الازمة ماثلة، ومازالت السيولة هي ام المشكلات، ومازالت خطى التعافي تراوح نفسها بين نجاح بعض المحاولات، وفشل البعض الآخر، لقد حمت المصارف المركزية في المنطقة اقتصادات بلدانها من التدهور لكنها وقفت عند الحماية من الافلاس، ولم تبادر بشكل فعال في خطة انقاذ شاملة تقوم خلالها بشراء الاصول الجيدة ومن ثم بيعها اذا ما تعافت الشركات، وقد ابرزت الانباء الاخيرة نموذجاً مهماً، فالادارة الاميركية التي انقذت جنرال موتورز وكرايسلر واكبر شركة تأمين هي «AIG» من خلال شراء النسبة الاكبر من اسهمها لتقوم الشركات من خلال العائد على بيع اسهمها باعادة هيكلتها، والان جنت الادارة الاميركية خطوتها الستراتيجية فربحت من وراء دعم «AIG» حتى الاسبوع الماضي اكثر من 15 مليار دولار بعد ان خطت الشركة نحو التعافي وارتفعت القيمة السوقية لأسهمها، اما في المنطقة ما زال الوضع على ما هو عليه دون رد حقيقي.