أخبار البلد -
نهار رمضان طويل يجعلك تبحث في الذكريات الماضيات من بائسات الى يائسات فتشيع الهموم في نفسك الكثير من الاسى والحسرة على قادم الايام لان ماضيها غادرك بمرها ومرارتها ولا شيء ينبئ انك تستطيع ان تخرق الارض ولا ان تبلغ الجبال طولا ولكنك تبقى تحفر في الذاكرة او تستنطقها ما اسعفك الى ذلك سبيل.
وانت تستلقي على ظهرك متثاقلا تود لو طوي اليوم في لحظة او انك تريد ان يقترب منك كاس بارد من ماء او عصير وبعض فاكهة الا ان الحقيقة الماثلة امامك لا انفكاك منها انك صائم ولا تستطيع فعل شيء من هذا القبيل فانت محاصر بين العبودية لاوامر الله ونواهيه والصيام الذي يجزي به الله عباده الصائمين والاكل الذي يحيط بك او تستطيع بحركة بسيطة الوصول اليه ولكن عظمة الصيام انك تحبس نفسك وتحرمها حتى تنال اجر يوم صومك هذا فتبقى تتلوى وتضعف مقاومتك مع تقدم ساعة النهار وتشعر انك بدأت يوما جديدا حتى مع اذان العصر.
وما يجعلك تفقد بعضا من عصبيتك وجود «الريموت كونترول» الذي ما ان تمسك به حتى تحقنه بكل عصبيتك وتريد منه ان يعوضك عن اشياء كثيرة تفتقدها فتتحرك به كيف تشاء وتسمع الاغاني وتتابع المسلسلات والمسرحيات والقفشات الساخرة او ما يقال عنها انها ساخرة من خلال الكاميرا الخفية التي ليست خفية كثيرا بسبب حدس من يقعون ضحاياها فهم يستشعرون احيانا بعض الذي يجري انه خارج عن النص والاصول فيبدأ الضيف بتحضير نفسه لمقلب.
اجمل ما تقدمه فضائيات هذا الرمضان هوهذا التشبيك الهائل المحمود بين ابناء الامة العربية الواحدة وكاننا نعيش حالة جديدة وغريبة عندما تجد ممثلين اردنيين وسوريين ومصريين وكويتيين وسعوديين واماراتيين وقد احتفظ كل واحد منهم بلهجته وسحنته وسجيته وحتى بامثاله الى حد ما ليقدم الجميع عملا فنيا مشتركا لا يتخلى احد منهم عن مزاياه ولهجته في حالة ذائقة فنية راقية ما يعني اننا لا نريد لاي فنان ان يكون الا هو وهو فقط.
وتجد اعمالا درامية غاية في القوة والاتقان ومسلسلات فيها من التاريخ والحبكة والتواصل الاجتماعي بين فئات المجتمع ومكوناته بعيدا عن زخرفة كانت تفرض على الفن الاتاوة التي زالت بزوال انظمة ورموز لتوحد مشارع الناس وتطلعاتهم وتبقى على كيان كل شخصية منفردة كما تشاء لتعطي المعنى الابعد لذلك المنتج الذي يقوى بتعددية النظرات والامكانيات فتنصهر كلها في ابداع فني متقدم غير مسبوق.
وتنظر الى مواعيد ما قبل الافطار لتجد المصري يقرأ القرآن في مساجد الشام والاردني يملا شاشته بكل اقتدار والخليجي يطل عليك بفتاوى عصرية قريبة الى التطبيق العملي للحياة اليومية المعيشة بعيدا عن التزمت والتعصب وينبش المؤرخ والعالم مكنونات ما يتحدث عنه لدرجة انك تشعر ان هناك عملا متكاملا يؤديه المخرجون والمنتجون في بعض الاعمال والهدف منه المزيد من اليقظة وبعث الهمة في نفوس من يريدون ان يسمعوا ويعوا ويتعاملوا مع الواقع بمزيد من الجدية.
وتلاحظ في المقابل مزيدا من الانفتاح في بعض البرامج لا لشيء بل يمكن ان يكون السبب من ورائها القول لمن يتصدر المشهد السياسي العربي الان من اسلاميين اننا لن نعود الى الوراء وانكم ان اردتم ان تفرضوا علينا شيئا من التزمت اوالانحسار فاننا نرد عليكم بمزيد من التحرر ولا احد يحتك بالاخر فهي حرية شخصية لا بد من احترامها ليس خوفا اوتوعدا اوتذمرا بل فهما وايمانا ان العودة الى الوراء ليس مطلوبا وان ما كان يمكن ان يقع في الماضي لم يكن بالمستطاع ان يجري الان وليحتفظ كل منا بحريته الشخصية ولا يجبر احد احد على ما يؤمن به فنعود للتلاوم انك تملك الحقيقة وانا لست معك فيما ذهبت اليه فتتدخل جهات لا تحب هذا ولا ذاك لتتسيد الموقف من جديد وتفرض نفسها على الطرفين.