اخبار البلد_ اسامة الرنتيسي _ خلال
الأسبوعين الماضيين استضاف الأردن مؤتمرين لمكافحة الفساد، الاول عربي، والثاني
إقليمي دولي شارك في تنظيمه "الانتربول" ومبادرة "استرداد الأصول" بالتعاون مع وزارة الخارجية الأمريكية
، وهيئة مكافحة الفساد الأردنية ويهدف هذان المؤتمران إلى توفير فرصة الجمع بين
مختلف جهات الاتصال لمناقشة التقدم المحرز على هذه الشبكة ، وبيان الدروس
المستخلصة منذ انطلاقها ومدى جدوى هذه القاعدة ومواءمتها لاحتياجات ومتطلبات
مستخدميها، ليصار إلى تحديثها بما يضمن فاعليتها.
شارك في أعمال المؤتمر ما يزيد على 50
دولة ، وعُقد في احد فنادق الخمس نجوم.
خفة دم الأردنيين التي لا تظهر إلا في
الأزمات ، تفتّق عنها كثير من المداعبات حول المؤتمرين، فأحدهم يقول : إن عددا من
الفاسدين قد يكونون من المشاركين في هذا المؤتمر، وآخر يقول : ان المؤتمر جاء
للتعرف على آخر ما توصلت اليه احدث الوسائل في الفساد من اجل تطوير أعماله في
بلادنا.
وعلى ذكر الدعابة القاسية التي تكشف
عن حجم الفساد عندنا، تقول إحدى النكات، أن وزيرا أردنيا زار دولة أوروبية، فتحدث
مع نظيره الأوروبي عن الفساد وسرقة المال العام وكيفية محاسبة المتورطين، فقال له
الوزير الأوروبي: تخيّل عندنا أنه من الممكن ان تلهف نصف مليون دولار من عطاء لإقامة
جسر يربط بين مدينتين، وأشار له للجسر المعني، وبعد فترة من الزمن ردَّ الوزير
الأوروبي الزيارة لنظيره الأردني، وفي أثناء المباحثات، ذكَّر الوزير الأردني ضيفه
بكلامه عن لهف نصف مليون دولار من مشروع عطاء جسر، وقال هذا الجسر الذي تراه أمامك
كلَّف عشرة ملايين دولار، لهف منها خمسة ملايين. استغرب الوزير الأوروبي وقال له :
لكني لم أر الجسر، فقال له : كان من المفترض ان يكون هنا جسر.
تعب الأردنيون من سماع حديث متواصل عن
الفساد ومكافحته، لكنهم لم يجدوا ملفا واحدا تم فتحه ومحاسبة المتورطين فيه الى
النهاية، وقد حقدوا على مجلس النواب الذي اغلق جميع ملفات الفساد، وأعطاها صكوك
براءة.
القناعة الراسخة في عقول الجميع ان
الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعيشها حاليا سببها الرئيسي حجم الفساد الذي أكل
خيرات البلاد، ومع هذا لا يزال كثير من المتهمين في قضايا الفساد يعيثون في الأرض
فسادا ويتلونون في أثواب جديدة بعد عمليات غسل ومكياج.
يقين الأغلبية الساحقة ان معركة
مواجهة الفساد لم تعتمد كاستراتيجية ثابتة في برامج عمل الحكومات وأن كل ما يُجرى
بين الحين والآخر، زوبعات وتصفية حسابات.
حتى الآن الإيقونات التي جيّرت من اجل
مصالحها القوانين الاقتصادية لا يجب ان تبقى مقدّسة ومستبعدة عن المحاسبة ،
والعدالة تقتضي الشمول والتعميم وعدم انتقاء الشخصيات الأقل كلفة ـ عشائرياً
واجتماعياً ـ، بحيث تكون مسطرة المحاسبة واحدة ، ولا تفرق بين احد وآخر.
لا نكافح الفساد بالمؤتمرات الفخمة ،
ولا بالشعارات نقنع العالم أننا نحارب فعلا الفساد والمفسدين، إنما بالإرادة
الحقيقية، وفي اختيار شخصيات سيرتهم العامة نظيفة، وأيديهم غير ملوثة في الفساد
وحمايته .