أخبار البلد -
اخبار البلد - حسين الرواشدة
آسف اذا قلت بأنني لا أخشى على اخواننا في الحركة الاسلامية من خصومهم فقط، وانما اخشى عليهم من بعض الذين يتحدثون باسمهم، وآسف ايضا اذا قلت بأن ما يكسبه الاخوان من رصيد شعبي بسبب التجييش الذي يمارسه البعض ضدهم غالبا ما يجري «سحبه» على الفور باسم «قيادات» تعتقد انها الاقدر على التعبير عن ضمير الجماعة وتحديد مصالحها.. لا بل ومصالح البلد ايضا.
أعرف –تماما- ان بعض «العقلاء والحريصين في بيت الاخوان الذي كان ارحب مما عليه الآن يتفهمون ما ذكرته سلفا، وانهم بدافع غيرتهم على وحدة الجماعة وسلامة خياراتها يتجنبون الدخول في «مناقشات» او صراعات حول ما يحدث من تجاوزات، لكنني –بصراحة- اشعر ان من واجبي –كمراقب- ان أُنبّه اخواننا الى أخطاء بعضهم، تدفعني الى ذلك ثلاثة اعتبارات: احداها ان الجماعة الآن تعيش في «شهر عسل» ومطلوب رضاها من الجميع وبالتالي سأتحرر من تهمة «التصنيف» بأنني استغل لحظة ضعفها لانتقادها، وثانيها انني كنت أشدت بمنطق الاخوان في تعاملهم مع «المستجدات» السياسية بهدوء وحكمة، ونصحتهم (اذا كان ذلك من حقي) الا يكرروا ما فعلوه حين فازت حماس، وتصورت –للحظة- انهم فعلوا ذلك والتزموه، لكن ما سمعته من بعض القيادات، وما حصل فعلا من ممارسات، جعلني اشك في المسألة، اما الاعتبار الثالث فهو ان اخطاء بعض قيادات «الاخوان» لا تمس مصلحة الجماعة فقط، وبالتالي انا لا ادافع عنها بالنيابة، وانما تمس قيم واخلاقيات العمل السياسي، الكثيرون تعاطفوا معها «وانا احدهم» وراهنوا على مواقفها وربطوا آمالهم بها.
لدي نموذج طازج لخطاب يؤكد ما ذهبت اليه، احدهم بعد ان انتقد الحكومة بكل ما تتصوره من «انتقادات» اصرّ على ان من حق الاسلاميين ان يتوصلوا الى تفاهمات مع الدولة، فهذه التفاهمات (التي يجريها هو بالطبع) تخدم مصلحة الاردنيين، باعتبار «وهذا فهمي» ان الاخوان يمثلون كافة اطياف المجتمع الاردني، وهم مخولون بالتالي في الحديث باسمه وتوقيع ما يلزم من صفقات بالنيابة عنه.. على اعتبار انهم الاقدر على فهمه وتقدير مصالحه!.. اضاف الرجل: لا نحاور الحكومة «وهذا غير صحيح بالطبع» لانها لا تملك القرار وانما نحاور «جهات اخرى: ذكرها» باعتبار انها هي صاحبة القرار، وحين سئل عن دعواتهم «للفصل بين الامني والسياسي» ولضرورة استعادة الحكومات ولاياتها وعن تناقض ممارساتهم مع مبادئهم المعلنة، قال بأنهم يتعاملون مع «الواقع» وبأن «الهرم» مقلوب، وهم يحاولون مع غيرهم تصحيح المعادلة.. طبعا من خلال الاعتراف بهذا الواقع وتكريسه واعطائه مشروعية ادارة الحوار السياسي لمن يطالبون هم اصلا بأن لا يتدخل في السياسة. ينتقد صاحبنا «منطق» استهانة الحكومات بمطالب الناس وتذاكيها عليهم لكنه لا يلتفت الى المنطق الذي يتعامل فيه مع الذين احتشدوا معه في الشارع، هؤلاء يدركون تماما ان ثمة لقاءات بين اعضاء من الحركة ومسؤولين «من مختلف المواقع» قد جرت، وبان ثمة صفقة على الطريق ربما ابرمت، وبأن كل هذه «المناورات» السياسية ليست اكثر من دخان «للتغطية» على حركة الفاعلين خلف الستار.
هي الحسابات السياسية حقا؟ لا بأس، فأين المبادىء اذن؟ وكيف نفهم ازدواجية المعايير عند اطلاق الاحكام؟ وماذا عن «الشركاء» وعن «الجماعة الوطنية» التي تتقدم مصالحها، -كما يصرون دائما- على مصالح «الجماعة الاسلامية»؟
حين تدقق في خطاب الرجل «واتمنى ان لا يمثل خطاب الحركة» تكتشف ان الحسابات السياسية تحولت الى «اخطاء» سياسية، وان الرهانات التي كانت تُشهر باسم «الشارع» وحراكاته اصبحت مرتبطة «بلحظة انتصار قادمة من بعيد حيث لا وزن للشارع الا اذا كان «ظهرا» مؤقتا للوصول، وحيث لا معنى للتغيير الا اذا جاء على مقاسات اضيق بكثير من مطالب الناس.. ومن احلامهم ايضا.
كنت فيما مضى اضم صوتي الى جانب زملائي الذين يدعون الى «كف» ايدي «البلطجية» الذين يتقصدون دعاة الاصلاح بالضرب والشتائم، اما الآن فأدعوا اخواننا في الحركة الاسلامية الى «كف» ألسنة البعض الذين يمارسون «البلطجة» السياسية، لأنهم اخطر عليهم وعلينا من خصومهم.. فالحركة الاسلامية التي نعرفها لا يمكن ان تقبل «خطابا» يستهين بعقول الناس او يُنصّب نفسه وكيلا عنهم.