اخبار البلد
قال محلل إن القرارات الاقتصادية بشأن الخصخصة في السنوات الماضية شابها «التشوّه»، بعد أن حلّ فيها احتكار الشركات مكان الاحتكار الحكومي.
وقال مؤسس ورئيس مجموعة المرشدون العرب للدراسات جواد عباسي إن تعديل هذه التشوّهات ممكن في الفترة الحالية، ويوفر مئات الملايين من الدنانير التي من الممكن استغلالها في مشاريع تنموية.
ودعا المحلل إلى مزيد من الضبط في عملية فقد الكهرباء والمياه، مقدّرا قيمة الفقد من الكهرباء في عمان نتيجة السرقات ما بين 170-180 مليون دينار.
وحث الحكومة على فرض ما يعرف بـ «الضريبة الواحدة» على الشركات التي حققت أرباحا فاقت التصورات خلال السنوات الماضية، مقدّرا قيمة ما يمكن تحصيله من شركة الفوسفات وحده بـ 280 مليون دولار.
وذهب عباسي إلى مسألة العدالة في الضريبة ووصول الدعم إلى مستحقيه، مقترحا آلية تتمثل برفع دعم المحروقات والمواد الغذائية النقدي واستبداله برديات على ضريبة المبيعات.
وقال إن هذه العملية ستساهم في زيادة حصيلة ضريبة الدخل والمبيعات وذلك بسبب تقليل التهرب الضريبي من الضريبتين، مما سيساهم حتما في تخفيف التهرب الضريبي، وعكس تنازلية ضريبة المبيعات وجعلها أكثر عدلا، ويستفيد بموجبها المواطنون الأردنيون فقط من الدعم الحكومي، ويلغى دعم السلع بقلل من استفادة الأغنياء أكثر من الفقراء.
تحرير القطاعات
وحول التشوّه الذي ترافق مع تحرير القطاعات المختلفة، قال عباسي إن تحرير قطاع الاتصالات جاء بعد خصخصة المشغل التاريخي للاتصالات الثابتة في الأردن، في حين أن قطاعي الكهرباء والتعدين لم يتحررا ليحل احتكار الشركات مكان الاحتكار الحكومي الذي سبق عملية الخصخصة.
وضرب على ذلك أمثلة عديدة، منها عدم قبول أي عرض استثمار في الفوسفات من قبل شركة مناجم الفوسفات الأردنية، مما أفقد الأردن فرصة زيادة حجم الاستثمارات.
كانت خصخصة شركة الفوسفات تمّت ببيع 37% من أسهم الشركة صيف عام 2006 إلى وكالة استثمار بروناي.
وأشار عباسي أيضا إلى قطاع الكهرباء، الذي باتت فيه الشركات التي جرت خصخصتها تحقق أرباحا في حين أن الشركة الحكومية تئن تحت خسائر مالية كبيرة.
كما لفت إلى واقع شركة مصفاة البترول الأردنية، التي ارتبطت فقط بعلاقة امتياز لا ملكية مع الحكومة طوال عمرها، حتى تم تحرير سوق المشتقات النفطية في عام 2008، دون أن يتم تحقيق المطلب الرئيسي بعد تحرير السوق وهو السماح للشركات باستيراد المشتقات النفطية، وبالتالي إتاحة الفرصة لطرح المشتقات النفطية بالسعر الأفضل للمستهلك.
دعم الكهرباء..دعم للسارقين
ولفت عباسي إلى قضية دعم الكهرباء بأموال دافعي الضرائب، وقال إن معدّل الفاقد من الطاقة الكهربائية في عمّان يبلغ 13%، وهو معدل مرتفع، مقارنة مع المعدل الموجود في بريطانيا والمقدّر بنحو 5%.
وبين أن معدل الفقد يشمل الكهرباء المسروقة وتلك التي يخسرها النظام الكهربائية لأسباب فنية، لافتا إلى أن الفرق بين المعدلين في الأردن وبريطانيا يشير إلى أن نسبة الفقد نتيجة السرقات يبلغ 8%.
وقدّر عباسي قيمة الكهرباء «المسروقة» ما بين 170-180 مليون دينار في عمّان وحدها، مشيرا إلى أن القيمة ترتفع إذا ما أضيف إليها الفاقد في المناطق البعيدة.
وشبّه المحلل دعم الكهرباء، بما فيها الكهرباء المسروقة بـ «دعم السارقين»، داعيا الحكومة والشركات لتشديد الرقابة على العدادات.
وقال إن حالة الفقد في الكهرباء تشبه أيضا حالة الفقد في مياه الشرب، نتيجة تلف الأنابيب أو السرقات التي تحدث.
ودعا عباسي إلى استغلال هذا الفرق في توفير بدائل للغاز الطبيعي، الذي ساهم انقطاعه خلال عام ونصف في تحويل اعتماد شركات التوليد على السولار وزيت الوقود الثقيل، مكبّدا الحكومة خسائر بالمليارات.
في الربع الأول من العام الحالي، زاد مجموع مستوردات الأردن من الطاقة من 801 مليون دينار بنهاية آذار 2011، إلى 1.35 مليار دينار بنهاية آذار 2012.
رسوم التعدين..
والضريبة الواحدة
دعا عباسي الحكومة إلى فرض الضريبة الواحدة على القطاعات التي حققت أرباحا فاقت التقديرات، أسوة بما اتبعته دول عالمية في هذا المجال.
وقال إن هذه المبادرة – التي تحظى بتأييد العديد من الاقتصاديين في الأردن - ستساهم بتوفير مئات الملايين من الدنانير التي يمكن توجيهها لإقامة مشاريع توفر فرص عمل وتحقق التنمية المنشودة.
وتتضمن المبادرة، تعديل رسوم التعدين لتصبح بأسلوب مشاركة عوائد وكنسبة من السعر العالمي بدلا من المبلغ المقطوع، حيث أن أسلوب المبلغ المقطوع جعل ضريبة الدخل الفعلية على شركتي الفوسفات والبوتاس تناقصية تنزل فيها النسبة الفعلية مع ازدياد أرباح الشركتين.
وتضرب المبادرة مثلا على ذلك: نسبة ضريبة الدخل الفعلية على البوتاس في 2008 كانت 26% وهو عام أرباح قياسية لم تتحقق من قبل فيما كانت النسبة 46% في 2004 وكانت الأرباح عادية، أما الفوسفات فنسبة ضريبة الدخل الفعلية كانت 15% في 2008 (عام الأرباح القياسية) في بينما كانت 42% في 2005.
ودعا عباسي - عبر هذه المبادرة - إلى تحديد نسبة مشاركة العوائد بحيث تكون نسبة الضريبة الفعلية (شاملة رسوم التعدين) للشركتين على الأقل مساوية لما تدفعه شركات الخلوي، بحيث تكون حوالي 40% إلى 50% من مجمل الأرباح مع إمكانية رفع النسبة في حالة الأرباح القياسية الناتجة عن الارتفاع في أسعار الخام.
وحول القيام بهذه الإجراءات عن السنوات الماضية، تقترح المبادرة تعديل وتحصيل رسوم التعدين باثر رجعي بحيث لا تقل نسبة رسم التعدين من السعر العالمي عن تلك النسبة السائدة في سنة ما قبل التخصيص لكل من الشركتي الفوسفات والبوتاس، وتكون هذه بشكل ضريبة المرة الواحدة (windfall tax) والتي تملك اي دولة ذات سيادة فرضها.
وقدّر قيمة الأموال الممكن تحصيلها من شركة الفوسفات وحدها التي انخفضت حصة رسوم التعدين فيها من الأرباح بنحو 280 مليون دولار.
وحول موقف شركتي الفوسفات والبوتاس من هذه المبادرة، دعا عباسي الشركتين لاعتبار ضريبة المرة الواحدة نوعا من المسؤولية الاجتماعية ويمكن اشتراط ان تصرف في مشاريع رأسمالية تنموية خالقة للوظائف مثل انشاء المدارس او السدود او الطرقات.
الضريبة والدعم
وحول مسألة العدالة في الضريبة وإيصال الدعم إلى مستحقيه، قال عباسي إن موضوع عدم عدالة دعم السلع مباشرة بحثا، استفاد بموجبه غير المواطنين من الدعم، وحصل المستهلكون الأغنياء على دعم أكثر من دعم الفقراء، وتشوّهت آليات السوق عبر تحفيز استهلاك المواد المدعومة على حساب مواد بديلة غير مدعومة مثل استخدام الغاز والديزل لتسخين المياه بدلا من تركيب السخانات الشمسية.
وقال إن هذه المشاكل يمكن تخفيفها عبر رفع دعم المحروقات والمواد الغذائية النقدي واستبداله برديات على ضريبة المبيعات.
وبحسب عباسي، بلغ مجمل الدعم المقدم 292 مليون في 2006 وقدر بـ 400 مليون في موازنة 2007 بمعدل دعم 52 دينار سنويا لكل مواطن في 2006 و70 دينارا في 2007.
وقال إنه ومع ضريبة مبيعات 16% فان الدعم المقدم لكل مواطن يوازي حصيلة ضريبة المبيعات عن 507.5 دينارا في 2007، بمعنى أن معدل دعم الفرد في 2007 وهو 70 دينار تسترده الحكومة كضريبة مبيعات عندما يشتري هذا الفرد الاردني خدمات وسلع خاضعة لضريبة المبيعات بقيمة اجمالية 507.5 دينار (مشتريات بقيمة 437.5 وضريبة مبيعات بقيمة 70 دينارا).
واقترح عباسي من أجل ذلك، الغاء كل دعم المحروقات والمواد الغذائية واستبداله برد ضريبة المبيعات بقيمة 70 دينار سنويا لكل مواطن مع اشتراط تقديم الفواتير الاصلية (ردية 70 دينار تكافئ انفاق 507 دينار لكل فرد من افراد العائلة)، بحيث تضمن الردية ان الغاء الدعم لن يؤثر على الميزانية حيث سترد الحكومة من ضريبة المبيعات نفس المبلغ الذي كان يصرف في دعم السلع.
وأشار إلى آلية التنفيذ تشمل تقديم الفواتير الأصلية الخاضعة لضريبة المبيعات بحد أقصى 507 دينار سنويا لكل فرد من العائلة بحسب دفتر العائلة، بحيث تقدم الفواتير سنويا مع وقت تقديم ضريبة الدخل للافراد سواء لاجراء براءة الذمة السنوية وتقديم كشف التقدير الذاتي حيث تحسب الردية ويتم اجراء مقاصة مع ضريبة الدخل على كل مكلف.
وأكد أن فوائد الاقتراح ستساهم في زيادة حصيلة ضريبة الدخل والمبيعات وذلك بسبب تقليل التهرب الضريبي من الضريبتين خصوصا في قطاع الخدمات بحكم تحصيل دائرة الضريبة لفواتير اصلية صادرة عن الشركات والمؤسسات الاردنية عن خدمات وسلع مباعة بقيمة كبيرة تتجاوز 2500 مليون دينار مما سيساهم حتما في تخفيف التهرب الضريبي، كما ستساهم في عكس تنازلية ضريبة المبيعات وجعلها اكثر عدلا، ويستفيد بموجبها المواطنون الاردنيون فقط من الدعم الحكومي، ويلغى دعم السلع بقلل من استفادة الاغنياء اكثر من الفقراء بحكم انهم يستهلكون غازا وديزل اكثر.