أخبار البلد -
عندما زار "كلينتون" رئيس الولايات المتحدة الأردن عام 1994م، بعد توقيع معاهدة وادي عربة، وخطب في البرلمان الأردني خطبته المليئة بالإساءات للشعب الأردني وللدولة الأردنية ولهويته ولثقافته، ومن جملة ما قال آنذاك أنّ المجتمع الأردني يشبه المجتمع الأمريكي من حيث أنّه "مجتمع المهاجرين"، ويبدو أنّ هذا المصطلح له دلالة سياسية معروفة ومقصودة، ويستعملها كثيراً بعض القادة والساسة الأردنيين بقصد تعميق هذا المفهوم ودلالاته الخطيرة.
المجتمع الأمريكي "مجتمع مهاجرين"؛ هذا صحيح إلى حدٍ ما، في ظلّ تهميش السكان الأصليين الذين يطلق عليهم الهنود الحمر، الذين تعرضوا لحرب إبادة من المهاجرين الجدد من الجنس الأبيض الذين توافدوا من الدول الأوروبية بشكلٍ أغلبي في القرن الخامس عشر وما بعده، وتواطأ العالم كله مع هذه الجريمة التاريخية التي ذهب ضحيتها جنس بشري عريق سكن القارتين منذ فجر الإنسانية، واستطاعت الولايات المتحدة أن تصهر هذا الخليط من المهاجرين من كلّ الأصول والمنابت في بوتقة مجتمع جديد اسمه المجتمع الأمريكي، الذي يتربع على رأس هرم القوة في العصر الحديث.
تشبيه المجتمع الأردني بمجتمع المهاجرين، فيه إجحاف وظلم واعتداء من ناحية، وفيه مغالطة تاريخية وإنسانية وأخلاقية من ناحية أخرى، أمّا المسألة الأكثر خطورة، التي يجب أن يتنبه إليها كل السياسيين وكل المؤرخين وكل قوى المجتمع الأردني العربي والإسلامي، وكل الأجيال الجديدة، أنّ إطلاق هذا المصطلح على المجتمع الأردني يأتي في سياق خدمة مخطط حماية الكيان الصهيوني وصبغ الشرعية على وجود الاحتلال والاغتصاب العدواني الاستيطاني على أرض فلسطين، ويأتي في سياق مخطط مصادرة الذاكرة الواعية للشعب الأردني، ومصادرة ذاكرة الأجيال في خضمّّ المحاولات المحمومة لتطويع شعوب المنطقة مع هذا الواقع المفروض بالقوة الغاشمة وفرض التبعية الذليلة المطلقة على زعماء دول الجوار ودول المحيط العربي.
الشعب الأردني رحب بما يملك من معاني الإخوة العربية بكلّ القادمين من الدول العربية وتمثل الأخوة الإسلامية للترحيب بالقادمين من الشيشان والشركس ودول البلقان بعد الثورة البلشفية وآثارها، ولكن هذا الترحيب يجب أن لا يؤدي إلى إلغاء هوية الأردن وهوية شعبه الأصلية، وتحويلهم إلى هنود حمر، وفقاً للمعادلة التي تروجها العصابات الصهيونية الذين أقنعوا العالم بأنّ فلسطين أرضٌ بلا شعب من أجل الاستيلاء عليها أمام أنظار شعوب العالم وتواطؤ الدول الكبرى، ويروجون في الوقت نفسه بأنّ الأردن أرضٌ بلا شعب، من أجل إنجاح المقولة والإمعان في تهجير الفلسطينيين إليها على سبيل التوطين الدائم من أجل إتمام مخطط التصفية الرهيب على حساب فلسطين وشعبها وعلى حساب الأردن وشعبه وهويته وعلى حساب الأمّة العربية والإسلامية كلها، ويتواطأ مع هذا المخطط كل من يقبل بهذه المقولة ويروجها برغبة غريزية ويتجاهل المخطط العملي الذي يجري على الأرض ويؤدي إلى ضياع الأردن وفلسطين معاً.
الحل لا يكمن بإثارة الخلاف بين مكونات الشعب الأردني، فهذا مرفوض بكل المعايير ومحل خطورة كبيرة وهذا ما تريده (إسرائيل)، نقل الصراع الموجه ضدها على أرض فلسطين إلى أرض الأردن وخلق صراع داخلي يؤدي إلى نسيان مواجهة الاحتلال ونسيان جذر المشكلة الحقيقي، فالحل يكمن في انخراط الفلسطينيين والأردنيين جميعاً في مشروع مواجهة المخطط الصهيوني في الأردن أولاً، وحمايته من النفوذ الصهيوني ليكون مقدمة لمواجهة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، بجهدٍ عربيٍ موحد وشامل يجمع مصر والشام كلها في جبهة واحدة موحدة، تستند إلى عمقها العربي والإسلامي، وهذا هو مضمون الإصلاح الحقيقي.