في شمال لبنان، وتحديدًا في بلدة بنشعي الوادعة، ينهض متحف استثنائيّ يحمل توقيع رجل قرّر أن يمنح الكائنات الراحلة حياةً ثانية.
هنا، لا يبدو التحنيط فنًّا جامدًا أو مجرّد أجسادٍ محفوظة، بل قصيدة حيّة تروي حكاية الطبيعة من جديد.
شربل مارون، العاشق للأرض والبراري، للطيور والزواحف والبرمائيات، لم يرَ في الموت نهاية، بل بداية أخرى. لذلك، جمع في متحفه مئات الكائنات: نسورًا وصقورًا، ذئابًا وثعالبًا، طواويس وسلاحف، خفافيش وفراشات وأصدافًا وبيضًا نادرًا… كلّها مصفوفة بعناية تجعل الزائر يشعر وكأنه أمام مشهد حياة مؤجّلة، نابضة بالدهشة.
والأهم أنّ شربل لا يقتل أي حيوان، بل ينتظر موته الطبيعي ليعيد إليه حضوره عبر التحنيط، وكأنّه يمنحه فرصة ثانية ليُرى ويُحبّ ويظلّ شاهدًا على جماله.
تحوّل المتحف إلى وجهة تربوية وسياحية يقصدها طلاب المدارس، الباحثون، والعائلات، لاكتشاف التنوّع البيئي بطريقة حيّة ومختلفة.
يقول شربل مارون بهدوء يختصر فلسفته:
"ما أفعله ليس تحنيطًا… بل إحياء للجمال ليشهد عليه من يأتي بعدنا.”
في زمن يتراجع فيه الأخضر أمام غزو الإسمنت، يصبح هذا المتحف في بنشعي مساحة مقاومة صامتة، وصرخة حبّ للطبيعة، ودعوة موجّهة لوزارة الثقافة وكل المعنيين لاحتضان هذا المشروع الفريد وتكريسه كجزء من ذاكرة الوطن.
لأن بعض الجمال…
لا يفسَّر، بل يلمع في جناح فراشة .
الإعلامية مايا إبراهيم