منذ إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي عام 2022، كانت المراهنة الرسمية واضحة: تحويل الرؤية إلى عقد وطني جديد يعيد هيكلة الاقتصاد الأردني من نموذج مستهلك إلى اقتصاد تنافسي ومنتج، يخلق فرص عمل، ويجذب الاستثمار، وينفتح على بيئة أعمال حديثة. لكن، وبعد مرور أكثر من عامين ونصف على التنفيذ، لا تزال الأرقام الرسمية مخيبة للآمال؛ إذ لم تتجاوز نسبة الإنجاز 32.4% من أصل 545 أولوية أقرت منذ مطلع 2023، وهي نسبة لا تعكس حجم الطموح ولا تتناسب مع عمق التحديات.
ورشة ملكية... وأسئلة بلا إجابات
في تموز 2025، اختُتمت ورشة المرحلة الثانية من رؤية التحديث في الديوان الملكي، بمشاركة أكثر من 400 شخصية من القطاعين العام والخاص. ورغم أهمية التوقيت وحجم المشاركة، فإن الجلسات تحوّلت من استعراض للمنجزات إلى لحظة مواجهة مع الحقائق الصعبة: لماذا لا يتحقق الإنجاز رغم وضوح الأهداف وتوفر الموارد؟ لماذا لا تتقدّم الرؤية رغم كل أدوات التحفيز والرقابة؟
الإدارة... أزمة التنفيذ الحقيقية
الخلل الأعمق لا يكمن في الرؤية، بل في البنية الإدارية العميقة للدولة. هناك مقاومة صامتة للتغيير، تُمارس عبر أدوات "مشروعة" لكنها تُفرغ الرؤية من مضمونها. مراكز قوى إدارية تتمسك بالوضع القائم، وتخشى من فقدان امتيازاتها إن تحقق الإصلاح. تُستخدم القوانين والأنظمة كذرائع لتعطيل القرارات، وتُمارس البيروقراطية كوسيلة لـ"إدارة الجمود".
تفويض غائب عنه المتابعة
بعض الوزراء – للأسف – انسحبوا من المشهد التنفيذي، وتركوا مفاتيح القرار لأيدي موظفين أقل رتبة، بدعوى تفويض الصلاحيات. لكن هذا التفويض تحوّل إلى تهرّب من المسؤولية، وأصبح غطاءً للبرود الإداري، بدلًا من أن يكون أداة فاعلة للتمكين والتنفيذ.
انفصال بين الدولة والقطاع الخاص
الرؤية بُنيت على قاعدة أن القطاع الخاص هو محرك النمو، لكن الواقع يُظهر أن هذا القطاع لا يزال خارج دوائر القرار الفعلي. يُستدعى شكليًا، يُشرك اسميًا، دون أن يُمنح دورًا جوهريًا في صياغة السياسات أو تنفيذ البرامج. هذا ما ولّد ترددًا، ضعفًا في الثقة، وتباينًا في المواقف بين من يبحث عن مصالحه الآنية ومن فقد الأمل بتمكين حقيقي.
مجلس النواب... مسؤولية لا تقبل التأجيل
الرؤية ليست شأنًا حكوميًا فقط، بل مشروع وطني متكامل، ومجلس النواب مسؤول بشكل مباشر عن رقابة الأداء، ومتابعة نسب الإنجاز، وكشف مسببات التعطيل. ليس مقبولًا أن تمر الشهور دون تقارير مفصّلة تُعرض على المجلس، أو أن تتعطل مشاريع استراتيجية دون معرفة من المسؤول. المساءلة هنا ليست خيارًا، بل ضرورة وطنية.
اللحظة الحاسمة... اختبار الالتزام
إذا لم تُربط الترقيات والمناصب والمكافآت بأداء حقيقي في إطار الرؤية، وإذا لم تُترجم الورش والمبادرات إلى أثر ملموس في حياة المواطنين، فسنظل ندور في حلقة مفرغة من التخطيط دون تنفيذ، والوعود دون نتائج.
اللحظة الحالية هي لحظة الاختبار الجاد: هل نحن مستعدون لتحويل الرؤية إلى التزام فعلي داخل كل وزارة ومؤسسة وبلدية ومجلس؟ أم أن المشهد سيبقى كما هو... ورش تُختتم، وبيانات تُعلن، ووقت يُستهلك... دون أن يتغير شيء؟