اخبار البلد_ يعلن مركز الأردن الجديد للدراسات عن وقف أنشطته إعتباراً من مطلع أيار/ مايو 2012، ولفترة غير محددة، مختتماً بذلك مسيرة قاربت 28 عاماً، بدأت بصدور مجلة "الأردن الجديد" في تموز/ يوليو 1984، كدورية فصلية بحثية ثقافية، إنطلاقاً من نيقوسيا، قبرص واستمرت كمنبر وطني ديمقراطي نقدي حتى صدور آخر عدد منها في عمان، في 1/5/1991. وقد دخلت "الأردن الجديد" مرحلة ثانية مع تسجيلها كمؤسسة بحثية مستقلة، في نيسان/ أبريل 1990، واضعة لنفسها هدف تقوية المجتمع المدني ودعم الانتقال الديمقراطي في الأردن والعالم العربي، وتوفير منبر للحوار الوطني حول الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي وبناء توافقات وطنية حوله.
لقد نفذ مركز الأردن الجديد للدراسات عشرات المشاريع البحثية المحلية والإقليمية والدولية، العديد منها بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات العلمية والثقافية داخل الأردن وخارجه. كما ساهم في تأسيس العديد من الشبكات والتحالفات التي ضمت مراكز أبحاث ومنظمات مجتمع مدني في الأردن والوطن العربي وحوض المتوسط والعالم.
أطلق مركز الأردن الجديد خلال مسيرة عقدين ونيف العديد من الأفكار والطروحات الريادية التي إستهدفت التأثير على السياسات العامة والمجتمع وقطاع الأعمال والثقافة السياسية عموماً. فكان أول مؤسسة أردنية تتبنى منح المرأة الأردنية حصة محجوزة من مقاعد مجلس النواب والبلديات (1993) وأول مؤسسة وفرت تدريباً منهجياً للأحزاب السياسية الناشئة (1994/ 1996)، كما أطلقت أولى ملتقيات الشباب إعتباراً من عام 1999، وأصدرت عشرات الأدلة عن الأحزاب السياسية والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني. إن نحو 60% من المؤلفات الصادرة عن المجتمع المدني في الأردن تعود لمركز الأردن الجديد للدراسات.
وعموماً ظلت منظمات المجتمع المدني مركز إهتمامه الأول خلال أكثر من عقدين، حيث أقام شبكة واسعة من علاقات العمل مع مختلف المنظمات في عموم المملكة، خاصة في مجال بناء القدرات.
وإعتباراً من منتصف التسعينات، وفي ضوء تراجع عملية الاصلاح والانفتاح السياسي في الأردن أعاد المركز النظر في برامجه ليركز بصورة خاصة على بناء قدرات المجتمع المدني واطلاق حوارات فكرية ومجتمعية حول قضايا التنمية المستدامة والبيئة وحقوق الانسان والتاريخ الاجتماعي. لقد عقد مركز الأردن الجديد منذ ذلك الحين عشرات المؤتمرات والحوارات، وأصدر سلسلة من المطبوعات حول القضايا المارة. ومن المعروف أن الأردن الجديد كان من أوائل مراكز الأبحاث في المنطقة التي عملت على الترويج لمبادىء الحكم الرشيد وحوكمة الشركات والمسؤولية الإجتماعية للقطاع الخاص، من خلال المؤتمرات وورش العمل التي عقدها على المستوى الوطني والاقليمي، ومن خلال نشر عشرات الدراسات والتقارير حول هذه القضايا.
وإلى جانب ذلك أطلق المركز أول "تقرير ظل" عن حالة البيئة في الأردن (2000/ 2001)، وأول "تقرير ظل" عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الأردن (2000). كما بادر المركز إلى تشجيع عملية إعادة كتابة تاريخ الأردن الإجتماعي والسياسي، من خلال عقد خمسة مؤتمرات علمية، ما بين 1998 و2011، وترافق ذلك مع اصدار عشرات المؤلفات التاريخية.
وبالإجمال فقد نظم المركز خلال العقدين الأخيرين ما يزيد عن 300 مؤتمر وندوة وورشة عمل، غطت برامجه التسعة. كما زود المكتبة الأردنية والعربية بما يزيد على 250 مطبوعة من إصداراته، والتي تناولت شتى المجالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتاريخية والثقافية.
إن مركز الأردن الجديد إذ يعبر عن إعتزازه برصيده من الإنجازات التي تحققت خلال عشرين عاماً ونيّف، وقبلها بمجلة "الأردن الجديد"، فإنه يعبر عن إمتنانه لمئات المفكرين والأكاديميين والنشطاء الذين ساهموا في أعماله، وإلى مثلهم من قادة الرأي والمجتمع المدني والشخصيات العامة التي رعت أو أدارت الحوارات أو البرامج التي نظمها، وكذلك أعضاء مجالس أمناء المركز والبرامج التابعة له، فإليهم جميعاً الشكر والامتنان.
كما يعرب المركز عن تقديره وإمتنانه لجميع المؤسسات الداعمة لأنشطة المركز ومشاريعه وبرامجه، والتي بدون دعمها ما كان ليستطيع مواصلة مسيرته خلال أكثر من عقدين. ولا يفوتنا هنا أن ننوه بعين التقدير إلى العاملين في مركز الأردن الجديد، والمتعاونين معه، والصف الواسع من الباحثين الذين عملوا فيه سابقاً، وشكلوا جزءاً من مسيرته وتاريخه.
وفي ضوء الظروف التي يمر بها الأردن والعالم العربي، ولا سيما نهضة الشعوب والمجتمعات للمطالبة بالحرية والكرامة والحقوق الإنسانية والعدالة الإجتماعية، ومع صعود موجة جديدة من الحركات الإجتماعية والمدنية، التي أخذت على عاتقها رفع لواء التغيير السياسي ومكافحة الفساد وإعلاء شأن المواطنة وتحقيق تكافؤ الفرص وتقرير الشعوب العربية لمصيرها بنفسها، فإن مركز الأردن الجديد للدراسات يرى أن الوقت قد حان للتوقف والمراجعة والتأمل في دروس المرحلة السابقة.
إن توقف مركز الأردن الجديد المؤقت يعود إلى القناعة التي ترسخت لديه بأن الوقت قد حان لمراجعة رسالته وأهدافه وإستراتيجية عمله، في ضوء الظروف الجديدة، وكذلك للبحث عن مصادر تمويل مستدامة، لا يمكن تحقيقها بالإعتماد على آليات التمويل الدولية الحالية لمنظمات المجتمع المدني والمؤسسات المستقلة للأبحاث، والتي باتت تحد من ملكيتها لهويتها ومنتجاتها، وتأكل من رصيدها ومصداقيتها وتهدد قدرتها على الاستدامة والاستقلالية المؤسسية. ولذلك لابد من التوجه لمصادر التمويل المحلية ودعوة القطاع الخاص لتحمل مسؤوليته في بناء شراكة مع مجتمعه المدني ومؤسساته العلمية والبحثية والتعليمية والتدريبية، بما يحقق التنمية المستدامة والشراكة المجتمعية. كما لابد من فتح حوار، على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، لتصويب إتجاهات وآليات التمويل الدولي للبلدان النامية ومنظماتها ومؤسساتها المدنية لتقوم على أسس تشاركية ديمقراطية وعلى أجندات عمل تصاغ بصورة جماعية بين المانحين والمتلقين.
وإذ يطوي مركز الأردن الجديد صفحة من مسيرته الطويلة، فإنه عاقد العزم على إستئناف هذه المسيرة على قواعد وأسس جديدة، مستمدة من الإحتياجات والإمكانات التي كشفت عنها تحولات الربيع العربي، وبالتعاون مع الشخصيات والمؤسسات التي تتلمس حاجة الأردن إلى وجود مؤسسة ريادية مستقلة لتوظيف البحث والمعرفة في خدمة التنمية المستدامة والسياسات الإصلاحية.
إن مركز الأردن الجديد سوف يغتنم فترة توقفه لبلورة إستراتيجية وهوية جديدة له، تأخذ بالإعتبار توجهه أولاً نحو تلبية الإحتياجات التنموية للمحافظات والفئات الإجتماعية الضعيفة، ولتمكين النساء والشباب، من خلال العمل المشترك مع القوى الاجتماعية والفكرية الحية على صياغة نموذج تنموي بديل، يعظم من أهمية الموارد البشرية ومن الإبداع والريادة واقتصاديات المعرفة والثقافة والفنون، بما يسمح ببناء إقتصاد إنتاجي وإبداعي قادر على توليد فرص عمل متجددة. إن القطاع الخاص ولاسيما العناصر الشابة والريادية منه مدعوة للتفاعل مع هذه الجهود.
هذا، وسوف يعقد مدير مركز الأردن الجديد مؤتمراً صحفياً لتوضيح خطوته هذه، وذلك في موعد سوف يعلن عنه في وقت لاحق من أيار الجاري.