المشي يخفض سكر الدم، ويدعم صحة القلب، ويُسهّل الهضم، بل ويُحسّن المزاج أيضًا، ولكن تحديد الوقت المناسب للمشي، سواء قبل الوجبة أو بعدها، قد يكون بنفس أهمية المسافة أو السرعة التي تمشيها، حيث يكشف هذا الأمر كيف تعمل أجسامنا مع الطعام، والحركة، والتوقيت، فهل المشي السريع قبل الغداء أفضل لحرق الدهون؟ أم أن المشي البطيء بعد العشاء هو سر استقرار سكر الدم، هو ما يوضحه تقرير موقع "WEBMD".

ماذا يحدث عندما تمشي قبل تناول الطعام؟

غالبًا ما يرتبط المشي قبل تناول الطعام، وخاصةً في الصباح، بحرق الدهون، والسبب هو، عند المشي على معدة فارغة، وهو ما يُعرف عادةً بتمارين الكارديو على معدة فارغة، قد يلجأ جسمك إلى احتياطيات الدهون للحصول على الطاقة لأنه لم يحصل على سعرات حرارية طازجة بعد، ويمكن أن يساعد هذا في إنقاص الوزن مع مرور الوقت، خاصةً إذا تم المواظبة عليه، ولهذا السبب، يُنصح غالبًا بالمشي في الصباح الباكر، قبل الإفطار، في برامج إنقاص الوزن، كما قد يساعد المشي قبل تناول الطعام أيضًا على تحضير الجهاز الهضمي للعمل.

وتشير بعض الدراسات إلى أن الحركة الخفيفة تُعزز حركة المعدة، مما يعني أن أمعائك قد تكون مستعدة لهضم الطعام بكفاءة أكبر، كما أنها طريقة رائعة لتنظيم الشهية، حيث يميل الأشخاص الذين يمشون قبل الوجبات إلى اتخاذ خيارات غذائية أكثر وعيًا، لأن المشي يعزز صفاء الذهن ويعمل على استقرار المزاج، مما يقلل من احتمالية تناول الطعام تحت تأثير التوتر أو الإفراط في تناول الطعام.

والأمر لا يقتصر على الصحة البدنية فحسب، فالمشي قبل تناول الطعام يُحسّن التركيز الذهني، وخاصةً قبل الغداء خلال فترة الركود الصباحي، حتى المشي في الهواء الطلق لمدة 10 دقائق يُعزز وصول الأكسجين إلى الدماغ ويُخفّض مستويات الكورتيزول "هرمون القلق"، لذلك إذا كنت ترغب في الشعور بمزيد من التحكم قبل تناول الطعام، فقد يُساعدك المشي قبل ذلك على تجنّب الشعور بالجوع الشديد.

المشي بعد الأكل

يعتبر المشي ببطء بعد الوجبات خاصةً العشاء،  ضروريًا لتعزيز الهضم، حيث تُظهر العديد من الدراسات الحديثة أن المشي خلال 10 إلى 20 دقيقة من تناول الطعام، حتى بوتيرة بطيئة، يُقلل بشكل كبير من ارتفاع سكر الدم، وخاصةً لدى الأشخاص المصابين بداء السكر من النوع الثاني أو مرحلة ما قبل السكر.

وقد استعرض تحليل تلوي نُشر عام 2022 في مجلة Sports Medicine بيانات من دراسات متعددة، ووجد أن المشي الخفيف بعد الوجبات - لمدة دقيقتين إلى خمس دقائق فقط - يُمكن أن يُخفض مستويات سكر الدم بشكل أكثر فعالية من الجلوس أو الوقوف، وذلك لأنه عندما نتحرك بعد تناول الطعام، تستخدم عضلاتنا بعض الجلوكوز من طعامنا، مما يُقلل من الكمية التي تدخل مجرى الدم ويُقلل من حمل الأنسولين.

المشي بعد تناول الطعام يساعد أيضًا على الهضم

تساعد الحركة على تسريع مرور الطعام عبر الجهاز الهضمي، مما قد يقلل من الأعراض المزعجة مثل الانتفاخ وحرقة المعدة والإمساك، فإذا شعرت يومًا بالخمول أو الثقل بعد تناول وجبة دسمة، فأنت تعلم مدى الانزعاج الذي قد يسببه ذلك، ويساعد المشي الخفيف على تقليل هذا الشعور وتحريك الأمعاء.

وبالنسبة لمن يعانون من ارتجاع المريء، فإن توقيت المشي مهم أيضًا، حيث ينصح الخبراء بالمشي بعد الوجبة فقط إذا كان المشي خفيفًا، وتجنب المنحدرات الشديدة أو الركض، لأن دفع المعدة قد يزيد من تفاقم ارتجاع المريء، المشي البطيء والمسطح هو الأفضل، خاصة بعد العشاء عندما يكون الهضم أبطأ.

 

المشي لإنقاص الوزن: التوقيت أقل أهمية من الاستمرارية

عندما يتعلق الأمر بفقدان الوزن، فإن المشي قبل وبعد الوجبات يقدم فوائد، ويمكن للمشي قبل الوجبات أن يحرق الدهون إذا كنت في حالة صيام، ولكن المشي بعد الوجبات يساعد في إدارة مستويات الأنسولين والحد من تخزين الدهون، فإذا كان هدفك الرئيسي هو إنقاص الوزن أو تقليل دهون البطن، فإن الاتساق أهم من التوقيت الدقيق.

ومع ذلك، هناك ميزة طفيفة للمشي بعد الوجبات، وذلك بسبب كيفية معالجة أجسامنا للجلوكوز، تؤدي ارتفاعات وانخفاضات سكر الدم المتكررة إلى تخزين الدهون بمرور الوقت، وخاصة حول البطن، ويقلل المشي بعد الأكل من هذه الارتفاعات.

إحدى الاستراتيجيات التي تكتسب شعبية هي القيام بثلاث جولات قصيرة يوميًا، واحدة بعد كل وجبة، والتي تُعرف باسم "المشي بعد الوجبات"، فهي أقل إرهاقًا من جلسة واحدة لمدة 30 دقيقة، ويمكن أن تقدم فوائد أكثر ثباتًا على مدار اليوم، كما أن هذه الطريقة تبقيك نشيطًا بعد الطعام، عندما يميل معظم الناس إلى الجلوس أو القيلولة.

المشي الصباحي مقابل المشي المسائي: ما هو الأفضل؟

إلى جانب تحديد وقت المشي قبل وبعد الوجبات، فإن وقت المشي مهم أيضًا، فالمشي الصباحي على معدة فارغة قد يساعد في حرق الدهون وتنظيم الساعة البيولوجية، كما أن التعرض لأشعة الشمس مبكرًا يساعد على تنظيم مستوى الميلاتونين، مما يُحسّن النوم ليلًا، أما المشي المسائي، خاصةً بعد العشاء، فهو مفيد للهضم وضبط مستويات السكر في الدم، ويفيد الكثيرون بتحسن نومهم بعد مشي ليلي قصير، فهو يساعدك على الاسترخاء، ويُخفف التوتر المتراكم خلال النهار.

إذا كنت ممن يعانون من قلة الطاقة في الصباح، فقد يكون المشي بعد العشاء أكثر استدامة، ومن ناحية أخرى، إذا كان يومك يميل إلى الفوضى بعد الساعة التاسعة صباحًا، فقد يكون المشي قبل الإفطار هو الخيار الوحيد المضمون للحركة، وقد يستفيد الأشخاص المصابون بمرض السكر ومتلازمة تكيس المبايض بشكل أكبر من المشي بعد تناول الطعام.

هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن المشي بعد الوجبات مفيد بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات التمثيل الغذائي، وبالنسبة لمرضى السكر من النوع الثاني، ثبت أن المشي لمدة 10 دقائق فقط بعد كل وجبة يُحسّن التحكم في مستويات الجلوكوز على مدار 24 ساعة.

كما يُمكن أن تستفيد منه النساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض، واللواتي يُعانين غالبًا من مقاومة الأنسولين، ووجدت دراسة أجريت عام 2023 أن المشي الخفيف بعد الوجبات يُحسّن حساسية الأنسولين ويُقلل من التعب بعد الوجبات، وقد يكون هذا مهمًا بشكل خاص بعد الوجبات الغنية بالكربوهيدرات، والتي تميل إلى رفع مستويات الأنسولين بسرعة لدى الأشخاص الذين يُعانون من مقاومة الأنسولين.

ولكن في النهاية، فإن أفضل وقت للمشي هو الوقت الذي ستلتزم به، حيث أن السر هو جعله جزءًا من روتينك.