في بلاد تشرق فيها الشمس كل يوم، وتغيب فيها أحلام الطلبة كل مساء، تقف بعض الجامعات كأنها صخور من ورق، تتباهى بمبان شاهقة وشعارات برّاقة، لكن الروح فيها غائبة، والمضمون يترنح بين العجز والتكلّس.
هي جامعات كتب على جدرانها "الريادة”، بينما تتآكل البيروقراطية، وتتقدمها الوجاهات لا الكفاءات، مناهجها تلهث وراء ركب العالم، لكن خطاها مثقلة بأنظمة لم تعد تواكب عقل هذا الجيل، وقراراتها تُسطّر في غرف مغلقة لا تعرف النور، ولا تسمع سوى صوت التملّق.
رؤساء يتكئون على مقاعدهم الفخمة كما يتكئ الحطام على بعضه، يتحدثون عن الجودة والتميز، بينما يُقصى كل من يرفع صوته للحق، ويُكافأ من يحترف الصمت.
طلبة يسيرون بين قاعات الدراسة كما يسير الغريب في أرض لا تشبهه، وموظفون لا يُلتفت إليهم إلا عند الحاجة أو العتاب.
أما الفعاليات فكثيرة، لافتاتٌ، كاميراتٌ، وتصفيقٌ مصطنع، لكنها لا تتجاوز كونها عروضاً إعلامية، تسجل للذكرى ولا تصنع التأثير، كأنها مهرجانات موسمية لا تترك وراءها إلا الصور، في حين يظل واقع الجامعة كما هو: باهت ومكرر.
وإذا ما نزل الحديث إلى التعيينات، فحدّث ولا حرج، لا صوت يعلو فوق الواسطة، ولا خطوة تُخطى إلا على جسر المحسوبية، لا مكان فيها للعقول المتعبة من البحث، بل لمن يجيد العبور من بوابات العلاقات.
ورغم هذا، يظل هناك من يؤمن أن الغد قد يكون أجمل، حين تستفيق تلك الصروح من سباتها، وتعود الجامعات كما أرادها الأوائل: منابر للعقل، لا مكبّرا لصوت السلطة.