مع مرور أكثر من عام على الحرب على غزة والتي خلفت دماراً لا نظير له في بنيتها التحتية ومرافقها الصحية، وعطّلت، أو تكاد، معظم الجهود الإغاثية، تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة، وعبر مبادراتها الإنسانية الشاملة، وبالتزامن مع دعمها المطالبات العربية والإقليمية والدولية والأممية المستمرة للوقف الفوري للحرب وعودة النازحين، بذل كل الجهود لمساندة الأهالي في القطاع والتخفيف من أصناف المعاناة اليومية والمصاعب الجمّة التي يتكبدونها لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية من مياه وغذاء واستشفاء.
وفي ظل تضاؤل دخول المساعدات الدولية براً إلى القطاع خلال الأشهر الماضية، برز نجاح عملية "طيور الخير" الإماراتية لإسقاط المساعدات عن طريق الجو إلى الأهالي في غزة؛ لا سيما في المناطق التي يتعذر الوصول بالمساعدات إليها، في تنفيذ الإسقاط الـ52 للمساعدات الغذائية والإغاثية للأهالي في القطاع بواقع 81 طناً، والإسقاط الـ53 للمساعدات بواقع 80 طناً، ليبلغ إجمالي المساعدات الإماراتية التي تم إسقاطها من سماء غزة منذ اندلاع الحرب 3623 طناً.
وعلى المستوى الإغاثي، حققت عملية "الفارس الشهم 3" الإماراتية، على مدى عام كامل، اختراقات نوعية في واقع صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث نجحت في إيصال 104قوافل إغاثية تحمل أكثر من 20,000 طن من المساعدات الإنسانية العاجلة، إلى جانب تسيير أربع سفن مساعدات بحراً حملت 18,530 طنا من الاحتياجات الإغاثية الأساسية التي شملت المواد الغذائية والخيام المقاومة للمياه والحرائق، بالإضافة إلى الألبسة والأدوية اللازمة للعائلات النازحة في قطاع غزة. كما تم تنفيذ 259 رحلة جوية حملت 5,340 طن من المساعدات.
تأمين المياه
وعلى مستوى البنى التحتية، ولأن الماء عصب الحياة، ركّزت المبادرات الإماراتية في قطاع غزة على إعادة تأهيل شبكات تمديد المياه في عدد من المناطق، بما يمكّن الأهالي والنازحين من الحصول على مياه نظيفة في القطاع الذي لا تتجاوز فيه حصة الفرد اليومية من المياه ليتراً واحداً في مقابل المعدّل العالمي البالغ 15 ليتراً.
وفي شهر أغسطس/آب 2024، أبرمت عملية "الفارس الشهم 3" الإماراتية الهادفة لإغاثة أهالي قطاع غزة مذكرة تفاهم مع بلدية غزة، لتمويل مشروع إغاثي عاجل لإيصال المياه للمناطق المنكوبة التي تكدس فيها النازحون والسكان، والتصدي لتلوث منظومة المياه وتوفير بيئة صحية عبر إصلاح خطوط المياه وصيانة جزء من شبكات توصيل المياه في العديد من مناطق شمال القطاع.
ويأتي هذا التعاون مع بلدية غزة لتسهيل وصول المياه إلى السكان والحد من المصاعب التي يتكبدونها يومياً في الحصول عليها، وذلك ضمن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة، لإيجاد الحلول الإنسانية العاجلة، وصيانة وإعادة تشغيل آبار وخزانات المياه في شمال قطاع غزة، بعد الضرر الشامل الذي أصاب أكثرها.
تعويض آبار خانيونس
وفي شهر يوليو/ تمّوز 2024، تم توقيع مذكرة تفاهم مع بلدية مدينة خانيونس تموّل من خلالها عملية "الفارس الشهم 3" إصلاح خطوط المياه وإجراء صيانة طارئة لشبكات المياه في مختلف مناطق المدينة، للتخفيف من معاناة المواطنين، وتمكين بلدية خان يونس من توفير خدمات البنية التحتية بالمتاح لديها من قدرات.
وعملت دولة الإمارات من خلال المذكرة من أجل إيجاد الحلول الإنسانية العاجلة لبلدية خانيونس، وتمويل جهود إعادة تشغيل آبار المياه وخزانات المياه في المدينة بعد تضرر عدد كبير منها، بعد أن بلغت نسبة أضرار شبكات المياه الرئيسية حوالي 70%، بالإضافة لتدمير 25 بئرا بشكل كلي و12 بئرا بشكل جزئي، ما وصل بأزمة المياه في المدينة خلال الأشهر الماضية إلى مستويات حرجة غير مسبوقة.
وتضمّنت الجهود الإماراتية المساهمة في إصلاح غواطس المياه في المدينة، وتوفير المواد اللازمة لتمديد شبكات المياه الخارجية وتأمين براميل مياه لوضعها في نقاط التعبئة المركزية، فضلاً عن توفير الوقود المطلوب لرفع المياه وضخها، سعياً لتوصيل المياه لأماكن تواجد السكان والنازحين الذين تغص بهم خانيونس والذين وصل عددهم إلى حوالي 900,000 إنسان.
وتعمل دولة الإمارات على تخفيف الأعباء عن بلدية خانيونس وتجنيب الأهالي الكوارث الصحية وتحسين الوضع البيئي وتمكينها من تقديم الخدمات للسكان والنازحين بعد تضرر شبكات المياه نتيجة التدمير والاجتياح البري للمدينة.
محطات لضخ المياه النظيفة
وتشغّل دولة الإمارات، ضمن عملية "الفارس الشهم 3" ما مجموعه 6 محطات لتحلية المياه في مدينة رفح المصرية، بطاقة إجمالية تبلغ مليوناً و200 ألف جالون يومياً يتم ضخها إلى قطاع غزة، ويستفيد منها أكثر من 600 ألف نسمة بإجمالي 130 مليون جالون حتى الآن.
وتسهم دولة الإمارات، عبر عملية "الفارس الشهم 3"، في تقديم المياه لآلاف النازحين بشكل يومي، للحد من معاناة الأهالي وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
علاج الأطفال ومرضى السرطان
ومع الضرر الواسع الذي أصاب المنظومة الطبية والصحية، شكّل استمرار مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله" لعلاج 1000 طفل من قطاع غزة و1000 مصاب بالسرطان في مستشفيات دولة الإمارات، واستضافتهم مع مرافقيهم في مدينة الإمارات الإنسانية، شريان حياة للكثيرين ممن لا يجدون العلاج والدواء والعمليات الجراحية المنقذة للحياة داخل القطاع.
وتواصلت عمليات الإجلاء للمرضى والجرحى الأطفال، حيث شهد شهر سبتمبر/أيلول 2024 إجلاء 350 من الأطفال ومرضى السرطان من غزة باتجاه مدينة الإمارات الإنسانية في أبوظبي. وحتى تاريخه، بلغ العدد الإجمالي للأطفال الجرحى الذين تم استقبالهم في دولة الإمارات 1917 طفلاً ومرافق ومصاب.
تأهيل مجمع ناصر الطبي
وعلى مستوى الرعاية الصحية، وإلى جانب الخدمات الطبية المقدمة لسكان قطاع غزة من خلال المستشفى الميداني الإماراتي بمدينة رفح، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر أبريل/نيسان 2024 وضمن عملية «الفارس الشهم 3» عزمها إعادة تأهيل مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس الذي شهد دماراً كبيراً، وتوقف كادره الطبي وأقسامه الاستشفائية والجراحية عن العمل بعد تخريب واسع طال معداته وتجهيزاته.
وتسعى المبادرة الإماراتية لتأهيل مجمع ناصر الطبي، نظراً لموقعه الحيوي في خدمة أهالي جنوب قطاع غزة الذي أصبح يكتظ بحوالي مليون ونصف المليون نسمة من السكان والنازحين. وهي تعمل على دعمه كي يكون جاهزاً للعودة إلى العمل واستقبال المرضى والمصابين وتقديم الخدمات العلاجية والصحية للأهالي، وذلك بعد تقييم احتياجات المستشفى، لتزويده بالتجهيزات المطلوبة.
المستشفى الإماراتي العائم
وكانت دولة الإمارات قد سيّرت المستشفى الإماراتي العائم في ميناء العريش المصري، بهدف توفير الخدمات العلاجية والدعم الطبي اللازم إلى الأشقاء الفلسطينيين من المرضى والجرحى الذين كان يتم إجلاؤهم إلى مصر من قطاع غزة عبر معبر رفح، وذلك قبل تدمير واحتلال الجانب الفلسطيني من المعبر الأهم في جنوب القطاع.
ويقوم على عمليات المستشفى العائم الذي تم إنشاؤه بالتعاون مع دائرة الصحة أبوظبي ومجموعة موانئ أبوظبي وتبلغ سعته 100 سرير ويضم غرف عمليات وعناية مركزة وأشعة ومختبراً وصيدلية ومستودعات طبية، طاقم طبي وإداري يضم 100 من الكوادر من مختلف التخصصات بما فيها التخدير والجراحة العامة والعظام والطوارئ، إضافة إلى الممرضين والمساعدين.
المستشفى الميداني الإماراتي
وسبق ذلك كله تدشين دولة الإمارات، ضمن عملية «الفارس الشهم 3»، وبعد أقل من شهرين على اندلاع الحرب على غزة، المستشفى الميداني الإماراتي في مدينة رفح، في ديسمبر 2023، بسعة تبلغ 200 سرير.
ويضم المستشفى غرفاً للعمليات الجراحية مجهزة لإجراء مختلف أنواع الجراحات، ومنها الجراحة العامة، والجراحات الخاصة بالأطفال، وجراحات الأوعية الدموية.
وفي المستشفى أيضاً غرف للعناية المركزة للبالغين والأطفال، وقسم للتخدير، وعيادات تخصصية، تشمل الباطنية، والأسنان والعظام والطب النفسي، وطب الأسرة، وطب الأطفال، وطب النساء، إلى جانب الخدمات الطبية المساندة.
حملة التطعيم الدولية
وتوّجت الجهود الإماراتية الدعمة لأهالي غزة طبياً وصحياً، وخاصة الأطفال، بالدعم الإماراتي بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله" لتقديم 5 مليون دولار للحملة الدولية لتطعيم مئات الآلاف من أطفال غزة ضد شلل الأطفال.
ونجحت المرحلة الأولى من الحملة بالوصول بلقاح شلل الأطفال إلى أكثر من 560 ألف طفل في قطاع غزة. وشاركت الإمارات في جهود الحملة إلى جانب كلٍ من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
دعم إماراتي مستمر
ومع استمرار الحرب على القطاع والويلات التي تجرّها على أهله، تواصل دولة الإمارات وعبر مختلف مبادراتها الإغاثية والإنسانية، الوقوف إلى جانب أهالي غزة وتخفيف معاناتهم ودعم بقائهم في أرضهم إلى أن تضع الحرب أوزارها وتعود الحياة في غزة إلى طبيعتها.