هبة الحاج-- في تطور مثير للجدل، أثارت لائحة الأجور الطبية الجديدة لعام 2024، والتي مررتها نقابة الأطباء الأردنية بمباركة الحكومة، غضباً واسعاً في الشارع الأردني هذه اللائحة، التي رفضها رئيس الوزراء السابق بشر الخصاونة وأقرها خليفته جعفر حسان، أصبحت الآن محور خلاف حاد وسط تهديدات، وزيادة غير مسبوقة في تكاليف العلاج التي سيدفع ثمنها المواطن الأردني، وبينما كانت نقابة الأطباء تُعد العدة لفرض زيادات غير مسبوقة على أجور الأطباء، وقف المواطن الأردني، المتألم من ظروف اقتصادية قاسية، عاجزًا عن مواجهة طوفان الأسعار الجديد الذي فرضته هذه اللائحة والغريب في الأمر أن رئيس الوزراء الحالي جعفر حسان، الذي لطالما وُصف بأنه "إصلاحي"، كان اليد التي مررت هذه اللائحة المجحفة، بينما كان رئيس الوزراء السابق بشر الخصاونة، الذي كان الأردنيون ينتقدونه، يبدو أرحم بكثير في هذا الملف.
نقابة الأطباء، التي تحاول بسط سيطرتها على تسعيرة الأجور الطبية، تتذرع بالتضخم كمبرر لرفع الأسعار على مدى ثلاث سنوات، لكن هذه الزيادة ليست إلا قمة جبل الجليد، إذ تبين أن بعض الإجراءات الطبية شهدت قفزات وصلت إلى 700%، وهو ما يُعتبر إجحافاً كبيراً في حق المواطنين، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، ففي الأشهر الأخيرة، تصاعدت الأزمة بين نقابة الأطباء والأطراف ذات الصلة بشكل غير مسبوق، حيث أعلنت النقابة نيتها رفع أجور الأطباء في ظل ما تصفه بـ"الأوضاع الاقتصادية المتدهورة" و"التضخم المتزايد" وفي محاولة منها لتبرير هذه الزيادة، استندت النقابة إلى نسبة التضخم التي بلغت 38% منذ عام 2008، وهي النسبة التي قبلت بها شركات التأمين في البداية كتعديل للأجور ومع ذلك، كان المشهد أكثر قتامة، حيث رفعت النقابة الأجور بنسبة 60% على الإجراءات الطبية، في خطوة وصفتها عدة جهات بالمبالغة الفاحشة.
المفاجأة الكبرى جاءت عندما تم نشر اللائحة في الجريدة الرسمية دون أي مراجعة لجميع الأطراف، وهو ما أثار استياء جمعية حماية المستهلك وحتى الجمعية الأردنية للتأمينات الصحية والاتحاد الأردني لشركات التأمين كانا واضحين في رفض هذه اللائحة منذ البداية، مؤكدين أن النقابة تحاول فرض احتكارها على السوق الطبي الأردني بغطاء قانوني، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الأعباء التي ستثقل كاهل المواطن والدولة على حد سواء.
الملفت في الأمر أن رئيس الوزراء السابق بشر الخصاونة، كان قد رفض المصادقة على هذه اللائحة في وقت سابق، معللاً رفضه بأن الأوضاع الاقتصادية الحالية لا تسمح بتحميل المواطنين أعباء إضافية إلا أن خليفته، جعفر حسان، كان له رأي آخر، حيث وافق على اللائحة، مستجيباً لضغوط النقابة ومتجاهلاً التحذيرات التي صدرت من الجهات الأخرى المعنية، فرغم الانتقادات العديدة التي وُجهت لبشر الخصاونة خلال فترة توليه رئاسة الحكومة، فإن موقفه تجاه لائحة أجور الأطباء يستحق الاحترام فكان يدرك تمامًا أن رفع أجور الأطباء بهذه الطريقة العشوائية لن يكون لصالح أحد، سوى النقابة التي تسعى إلى زيادة مكاسبها المالية على حساب المواطن الأردني البسيط.
في المقابل، يبدو أن جعفر حسان لم يعر أي اهتمام لهذه التحذيرات ففي خطوة أثارت استياء الشارع الأردني، قام حسان بالموافقة على اللائحة التي تضمنت زيادات هائلة في أجور الأطباء، تجاوزت نسبة التضخم بكثير، مما أثار سخط الجميع، بداية من المواطن ومؤسسات التأمين إلى جمعية حماية المستهلك.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأردن، حيث يعاني المواطنون من ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض الأجور، يرى محللون إن هذه الزيادات ستؤدي إلى تعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء، وستجعل الرعاية الصحية الجيدة بعيدة المنال عن الطبقة المتوسطة والدنيا.
مع اقتراب موعد دخول اللائحة حيز التنفيذ، يبدو أن الساحة الأردنية على موعد مع موجة من التصعيد فقد حذرت جمعية حماية المستهلك وشركات التأمين وغيرهم الكثير من أن هذه اللائحة ستؤدي إلى "انفجار وشيك" في الشارع الأردني، خاصة أن المواطن هو المتضرر الأكبر وفي حال لم يتم التوصل إلى حلول توافقية تُرضي جميع الأطراف، فإن الحكومة ستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الشارع، وربما تُجبر على التراجع عن هذه القرارات، بعد أن أعلن الاتحاد الأردني لشركات التأمين باللجوء إلى القضاء.
في النهاية، يبدو أن الحكومة الأردنية بقيادة جعفر حسان قد اختارت الانحياز إلى نقابة الأطباء بدلًا من الوقوف إلى جانب المواطن، وهو ما يضعها أمام اختبار تاريخي قد يكلفها الكثير فهل سيتحمل الشارع الأردني هذه الأعباء الجديدة بصمت؟ أم أن الأيام القادمة ستشهد تصعيدًا شعبيًا قد يُغير مجرى الأحداث؟ الأكيد أن المواطن الأردني قد ضاق ذرعًا بسياسات لا تراعي مصالحه، وأن لائحة الأجور الجديدة قد تكون القشة التي قصمت ظهر البعير.