مع استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، التي دخلت شهرها الحادي عشر، وحرمان الطلاب الفلسطينيين من حقهم في التعليم للعام الدراسي الثاني على التوالي، برزت مبادرات أهلية تطوعية لتعويض الأطفال عن خسارتهم التعليمية.
وفي الأشهر الماضية، ظهرت المبادرات، وكان آخرها إنشاء مدرسة داخل مخيم للنازحين في خان يونس جنوب قطاع غزة، تضم مئات الأطفال.
وساهمت هذه المبادرة، في تحويل خيمة كبيرة داخل أحد مراكز الإيواء في منطقة "المواصي" غربي خان يونس إلى مدرسة تطوعية، تهدف إلى تعليم الأطفال المنهج الفلسطيني والترفيه عنهم في ظل ضغوط الحرب النفسية.
ومع تزايد الدمار وتكرار عمليات النزوح والظروف القاسية، تحولت مدارس قطاع غزة إلى مراكز إيواء للنازحين، ما زاد من تعقيد الوضع التعليمي.
وفي الثاني من أيلول/ سبتمبر الحالي، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إن أكثر من 600 ألف طفل بقطاع غزة يعانون صدمة شديدة ومحرومون من التعليم، فيما تحولت مدارسهم إلى مراكز لجوء مكتظة بالنازحين وغير صالحة للتدريس.
وفي منشور عبر منصة "إكس" لمفوض الأونروا، فيليب لازاريني قال: "أكثر من 70 % من مدارسنا في غزة دمّرت أو تضررت، والغالبية منها أصبحت ملاجئ مكتظة بمئات آلاف الأسر النازحة ولا يمكن استخدامها للتعليم".
وتسببت هجمات الاحتلال في تدمير البنية التحتية التعليمية، حيث تعرضت 123 مدرسة وجامعة للتدمير الكامل، و335 للتدمير الجزئي، إضافة إلى مقتل أكثر من 11 ألف طالب و750 معلما ومعلمة.
مبادرات تطوعية
وتقول المعلمة نداء المدهون: "نحن كمعلمين متطوعين أردنا تحويل جزء من مركز الإيواء إلى مدرسة لتقديم الدروس الأساسية مثل اللغة الإنجليزية والرياضيات واللغة العربية".
ويهدف هذا الجهد إلى تعويض الفاقد التعليمي الناجم عن انقطاع الطلاب الطويل عن الدراسة، ومساعدتهم في استعادة مستوى تعليمهم بعد حرمانهم منه لأكثر من عام، وفق المدهون.
وتضيف: "نحاول تعليم الأطفال المواد الأساسية التي تشكل أساس بناء مستقبلهم، في ظل الإقبال الكبير من الطلاب وعائلاتهم على التسجيل في هذه المبادرة نظرا لحبهم الشديد للتعليم رغم الظروف القاسية".
وتواجه هذه المدارس العديد من التحديات، خاصة فيما يتعلق بعدم ملاءمة المكان، والفروقات الكبيرة في مستويات الطلاب، ونقص الإمكانيات والمستلزمات التعليمية الضرورية.
وتقول المدهون: "للأسف، وجدنا بعض الطلاب في الصف التاسع، لكننا اضطررنا لإلحاقهم بصفوف المرحلة الابتدائية لتعليمهم الأساسيات التي فقدوها خلال عام كامل من الحرب والدمار، خاصة أن الأطفال في مرحلة يسهل فيها النسيان".
ورغم هذه الصعوبات، يظهر بعض الطلاب حرصا شديدا على التعلم من خلال التزامهم بحضور الدروس وجلب المستلزمات الدراسية كاملة، بحسب المدهون.
الحق في التعليم
فيما تقول الطالبة جمانة، التي لجأت إلى المدرسة التطوعية بعد فقدان فرصتها في التعليم: "جئت من مسافة بعيدة لأن التعليم هو حقي، الاحتلال دمر المدارس وقتل المعلمين والطلاب، وحرمت من الذهاب إلى المدرسة في العام الماضي".
وتضيف جمانة، النازحة في المواصي برفح، أنها تشعر بالظلم لحرمانها من التعليم، بينما يعود أقرانها في العالم إلى مدارسهم بعد الإجازة الصيفية، وتبقى هي محرومة بسبب الدمار الصهيوني.
من جانبه، يعبر المعلم محمود أبو موسى عن سعادته بإنشاء المدرسة داخل مخيم النازحين، موضحا أن الفكرة جاءت من المعلمين المتطوعين ووجدت قبولا لدى النازحين.
ويقول: "بعد انقطاع دام عامين، أصبحت هناك فجوة تعليمية كبيرة، خاصة في الصفوف الأولى لذلك نحاول إعادة تأسيس التعليم من البداية".
ويضيف: "لقد بدأت المدرسة بخيمة ولوح سبورة واحد فقط، لكن مع تزايد الطلب على الانضمام، وصل عدد الطلاب إلى 650 طالبا وطالبة، مع تحديات كبيرة في توفير المساحة والموارد اللازمة للطلاب".
وقد انطلق العام الدراسي الجديد 2024/2025، يوم الاثنين الماضي، في مدارس الضفة الغربية، فيما حرمت حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، طلبة المدارس والجامعات من الالتحاق بالعملية التعليمية، للسنة الثانية.
وفي القطاع المنكوب، حرم عدوان الاحتلال أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يضاف إليهم أكثر من 58 ألفاً يُفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي الجديد، فضلا عن 39 ألفاً ممن لم يتقدموا لامتحان الثانوية العامة.
وخلفت الحرب على غزة أكثر من 25,000 طفل ما بين شهيد وجريح، منهم ما يزيد على 10,000 من طلبة المدارس، وسط تدمير 90% من مباني المدارس الحكومية البالغ عدد أبنيتها 307.
فيما تحولت غالبية المدارس التي تديرها "الأونروا" (نحو 200) في قطاع غزة، إلى مراكز إيواء للنازحين، كما تعرضت 70 % منها للقصف، حيث تم تدمير بعضها بالكامل، وتضررت أخرى بشكل كبير، وحسب الأونروا فإن أربعة من كل خمسة مبانٍ مدرسية في غزة تعرضت لضربات مباشرة أو تضررت.