كتب بسام البدارين - لا ينتبه كثيرون لمصدر التسريب الإشعاعي الذي يلوث الحياة السياسية في الأردن، ولا تريد أي جهة في النظام الإعتراف بأن مصانع إنتاج التوتر والتشكيك والتحريض تديريها نخبة من بضعة مسؤولين ووزراء ورؤساء حكومات سابقين ولاحقا بضعة ضباط متقاعدين.
هؤلاء لا يعجبهم إلا الإسترخاء دوما في السلطة وعندما يغادرونها وفقا لسنن الكون أو لأي سبب علمي يتعلق بالكفاءة والمهنية أو الحاجة لتجديد الدماء يضعون فورا بندقية على الكتف الأيسر ويستخدمون خبراتهم العريضة في الجهاز البيروقراطي وينخرون في جسد المجتمع كالسوس وينشغلون بالتأليب والنميمة والإستغابة ويحترفون إعاقة أي بديل لهم في مؤسسات القرار والحكم لإثبات نظريتهم التي تقول بأن البلاد بدونهم خراب ودمار.
أنهم وعلى حد تعبير سياسي رفيع المستوى فعلا يمارسون دور {العوانس} ..يتلذذن في تهميش إنجازات الاخرين ويحاولن بهوس إثبات فشل كل حالات الحب والزواج الأخرى ويعملن على {فسخ الروابط الجامعة} أحيانا بين القصر الملكي وبقية النخب وأحيانا أخرى بين الدولة والناس …هن بإختصار متآمرات تلقائيا ودوما على أي رابطة زوجية أو علاقة عاطفية أو مشروع إرتباط وفي أي وقت.
..تجدهم في كل مكان مع ألسنتهم الطويلة وتحديدا في الأعراس والجاهات ومقرات العزاء ومؤخرا يتواجدون بكثافة في بيوت الشعر التي تقام لنصرة المتهمين بالفساد على أساس عشائري ..لا يوجد بهاء خارج دوائرهم ولا إنتاجية وطنية بدون نافذتهم ولا يوجد نخب تستحق فرصة الحكم والبناء إلا هم.
وهم وحدهم يمثلون الشعب المسكين الذي لا يعرف مصالحه، وهم فقط من ينبغي للنظام أن يخطب ودهم ويصعدهم على الأكتاف ويغدق عليهم بالإمتيازات حتى دون أدنى إعتراف بأنهم مجربون سابقا وأنهم بهذا المعنى سبب في تراكم الإحباط والمشكلات وسرعان ما ينقل بعضهم المايكروفون ببساطة من حالة المبالغة في المديح والنفاق للنظام وللقصر إلى حالة الشطط في المناكفة والإعتراض على الطريقة الليبية ..{قلنا كذا وكذا للقائد .. نصحناه فلم يسمع }.
بائسون يائسون.. لا يفعلون شيئا محددا ومنتجا .. يتسلون بسيرة الدولة والناس والنظام ولا يرحمون حتى القصر الملكي أحيانا ويمثلون حالة عجيبة من الإستغابة والنميمة وفتح سيرة الناس والتشويش على كل من يخلفهم في الوظائف والمواقع وهم قبل غيرهم ينتجون الشائعات والتكهنات ويعملقون الفساد ويضخمون مظاهر القصور والعيوب ويبالغون في الدراما الإجتماعية ويكذبون وينافقون .. إنهم بإختصار يرتكبون كل الموبقات وكل الجرائم ولا صوت يعلو فوق صوتهم التحريضي والتشكيكي خصوصا في لحظات التحدي والرهان على الصمود.
..أحدهم إستمات خلال تشكيل الحكومة الأخيرة طمعا في حقيبة وزارية وعندما فشل في مسعاه أغرق الدنيا بالأكاذيب السياسية ضد الحكومة ورئيسها .. آخر خرج للتو مرتكبا سلسلة لا نهائية من الحماقات والجرائم البيروقراطية ثم جلس متحسرا على الدولة التي أصبحت آيلة للسقوط فقط لانه غادرها وحظي بلقب متقاعد.
ثالث سمع الأموات في المقابر تشدقه ونفاقه عندما كان في طبقة الحكم وعندما إنكشفت حماقاته وغادر الموقع بهدوء أصبح معارضا فجا يسرب وثائق الدولة وأسرارها في كل الإتجاهات ورابع يملأ الدنيا ضجيجا معارضا في الشارع وفي الجلسات الخاصة يقترح على الدولة تدبير بعثة لأحد أولاده في الخارج وإرسال هدية {للمدام}.
خامس يؤلف رواية عاطفية ثم يطرح نفسه منظرا إقتصاديا يبشر بخراب الدولة المنهوبة ويجلس في حضن الإسلاميين المعارضين بعدما غادر وظيفته الرسمية رغم أنه زار منزل أحد رؤساء الحكومات بعد تكليفه ثلاث مرات في يومين على أمل الإنتباه له وتسليمه حقيبة وزارية يتسلى بها بإسم الشعب.
يفعلون تماما ما تفعله العوانس لإنهم بلا عمل حقيقي وهواتفهم تتوقف عن الرنين بعد الخروج من الوظيفة ..يراقبون من تخرج من الحارة بعد مغادرة الزوج للعمل ثم يزرعون الأسافين في طريقها يجلسون في المناسبات الإجتماعية ويتنابزون بالألقاب ويحضرون الأرواح ويختلطون بالعرافين وقاعدتهم الأساسية {سيفهم النظام كم سيخسر بعد إخراجي من المعادلة}.
يلوذ بعضهم بالعشيرة فجأة ويصبح صديقا للمعارضة على نحو مباغت ثم يفاجىء الجميع ببيان أو رسالة أو قيادة إجتماع بعنوان{تصويب المسيرة}التي إنحرفت فقط بعدما غادروا الوظيفة علما بأنهم أيام الحكم والوظيفة قلدوا القطط في الإمتثال والخنوع والخضوع وتجاهلوا الأسد.
لا وطن إلا بقيادتهم له ولا نظام إلا عبرهم ولا تمثيل إلا بهم ولا تدجيل أوتضليل إلا في مجالسهم ولا صلاح أو رشد إلا بواسطتهم وقد عقمت الإمهات بعدهم وهم أبدا يشكلون الخيار الإستراتيجي اليتيم للشعب المكلوم وللقيادة التي تكون {حكيمة} فقط عندما تسلمهم المناصب ثم تتلاشى حكمتها بعد تكليف غيرهم بهذه المناصب.
من نتحدث عنهم بإختصار هم رواد صالونات النميمة الأردنية النخبوية الذين يتسلون اليوم بسيرة الناس والدولة والنظام ويروجون الشائعات .. إقتراحي بسيط بخصوص هؤلاء وأرجو أن تستمع له القيادة مباشرة : ضعوهم كما قال أحدهم يوما في طائرة واحدة فيها وقود يصلح لرحلة بلا عودة للوطن .. أرسلوهم إلى إحدى الجزر المعزولة في آقاصي آسيا وكلفهم بمهام بحثية محددة لا تنتهي إلا بعد مرور عام كامل.
عام فقط تستطيع القيادة خلاله إنجاز الإصلاح الحقيقي والتفاهم مع الشعب وتحصينه ضد نميمتهم وتأثيراتهم بعدها يمكنهم العودة و{تسميع} نتائج أبحاثهم.
‘ مدير مكتب ‘القدس العربي’ في الاردن