في الذكرى الـ76 للنكبة يبدو الشعب الفلسطيني رغم تضافر قوى الشر ضده، أشد إصرارا على اقتناص حقه في الحياة واستعادة حلمه التاريخي.. رغم الخراب الذي حل بمشاهد العمران في كامل القطاع، إلا أن ما يزيد على مليوني فلسطيني باتوا قادرين على الحيلولة دون إعادة تقسيم العالم والمنطقة، وفقاً لهوى مجرم الحرب الثمانيني، الذي تهدد غزة استمرار وجوده وشريكه في حرب الإبادة نتنياهو في منصبيهما.. وطيلة الأيام الأخيرة حققت المقاومة المزيد من الانتصارات، التي تسببت في ارتباك جيش الاحتلال، ما دعا مجرم الحرب في البيت الأبيض إلى أن يتراجع عن قراره بعدم إرسال مزيد من الأسلحة للكيان، اذ أخطرت إدارة بايدن، الكونغرس بمضيها قدما في صفقات أسلحة جديدة إلى إسرائيل تزيد قيمتها عن مليار دولار، وأشار مرصد الأزهر إلى أن جرائم نكبة عام 48، في مجملها، لم تُروَ إلا على ألسنة الناجين من المجازر، أما نكبة اليوم، فهي على مرأى ومسمع من العالم كله، دون تحريك ساكن. وأضاف المرصد أن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال في قلب الأزهر الشريف، وأنها لن تموت، طالما انبرت لها قلوب وسواعد أبنائها، الذين يزيدون ولا ينقُصون؛ حيث أعلن جهاز الإحصاء الفلسطيني، أن عدد الفلسطينيين في فلسطين وخارجها تضاعف نحو 10 مرات منذ نكبة عام 1948، ليتحقق قول الباري عز وجل "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ”.
وقال سامح شكري وزير الخارجية، إن «توفير المساعدات الإنسانية لقطاع غزة أولوية مصرية منذ اللحظة الأولى». واستنكر في تصريحات لفضائية «القاهرة الإخبارية»، تصريحات نظيره الإسرائيلي المطالبة بإعادة فتح معبر رفح، وتحميل مصر مسؤولية منع وقوع أزمة إنسانية في قطاع غزة. وأكد رفض مصر القاطع لسياسة «لي الحقائق والتنصل من المسؤولية» التي يتبعها الجانب الإسرائيلي، مشددا على أن «إسرائيل المسؤولة الوحيدة عن الكارثة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة حاليا». وطالب إسرائيل بالاضطلاع بمسؤولياتها القانونية، باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، من خلال السماح بدخول المساعدات عبر المنافذ البرية الأخرى، التي تقع تحت سيطرتها.
وكشف رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي عن أن الحكومة المصرية تسلّمت من الجانب الإماراتي قيمة الدفعة الثانية من صفقة "رأس الحكمة”، حيث وصل بالفعل مبلغ 14 مليار دولار، ما أسهم في ضخ المزيد من الموارد الدولارية. وفي سياق معضلتنا مع أديس أبابا كشف الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة، أن إثيوبيا تعرضت لزلزال بقوة 4.9 بمقياس ريختر، قرب أعلى سد في العالم، وهو سد جيبي 3 الإثيوبي على بعد 700 كلم من سد النهضة، وأكد شراقي، أن الزلزال يمثل خطورة في منطقة السدود، ومنها سد النهضة. مضيفا: حال حدوث تشقق أو انهيار في السد، فإن المياه ستندفع كالطوفان في اتجاه السودان. ومن أخبار الآثار :أعلنت إدارة متحف آثار مطار القاهرة الدولي، عرض قطعة أثرية فريدة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، الذي يوافق يوم 18 مايو/أيار من كل عام. القطعة عبارة عن تمثال للكاتب بر- سن، الذي شغل العديد من المناصب، منها الكاتب المشرف على السجلات الملكية والجبانة الملكية للملك خوفو، ويصوّر الكاتب جالسا القرفصاء بينما أعلنت إدارة متحف آثار طنطا، عن عرض قطعة أثرية مهمة عبارة عن تابوت مستطيل الشكل يمثل الحياة اليومية والقرابين المقدمة للمتوفى، يعود إلى عصر الدولة الوسطى.
حظها لا قدرها
طوال السنوات الماضية التي كان فيها قطاع غزة محاصرا معزولا لا يلتفت إليه أحد، لم نفكر على حد رأي جيهان فوزي في "الوطن” أنه سيأتي اليوم الذي تصبح فيه هذه البقعة الصغيرة المنزوية في أحضان البؤس والفقر والحصار والاحتلال الغاشم، لتكون من أشهر بقاع الأرض. ويتردد اسمها شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، فقد أصبحت غزة «أيقونة» وذات شهرة عالمية يتظاهر من أجلها طلاب الجامعات والناشطون والسياسيون والمواطنون العاديون، في معظم دول العالم، تقديرا وإعجابا بصمود أبنائها الأسطورى في وجه آلة الحرب الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ نحو سبعة أشهر قتل فيها البشر والشجر والحجر لم يُبق على شىء، ومع ذلك سجل أهلها قصصا بطولية مذهلة في الصمود والصبر والتحمل والاستبسال، وذاقوا العذاب ألوانا بالمعنى الحرفى للكلمة، حتى إن الحجر نطق، وانحنى إجلالا لصمود أهلها الأسطوري، أمام بطش وفاشية الاحتلال.. «شكرا نتنياهو» فقد عرفّت العالم دون أن تقصد مَن هم الفلسطينيون؟ وكيف يضحي الفلسطيني ويدفع ثمن الحرية التي ينشدها منذ 75 عاما، في وقت بائس ظل العالم فيه مضللا، متجاهلا أطول قضية احتلال عرفها التاريخ، دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن حل لشعبها المشرد، الذي ذاق كل أنواع اللجوء والشتات. هذا ليس حظ غزة، بل ربما هو قدرها الذي لا فكاك لها منه، منذ نشوء القضية الفلسطينية وبعد الحرب والتقسيم، ووسط شبه الضياع الذي ساد الهوية والقضية، بدأت غزة قبل أي تجمع سكاني فلسطيني آخر، تتلمس الطريق نحو استعادة الهوية والتقاط زمام المبادرة والكفاح من أجل الحرية وتقرير المصير، وعلى هذا لم يكن من المستغرب أن تكون بدايات الحركة الكفاحية الفلسطينية، قد نشأت في غزة أولا، ونلاحظ أن حركة فتح نشأت بين أبناء غزة، وبين طلابها تحديدا، إضافة إلى معلميها الذين انتشروا بحثا عن العمل في بعض البلدان العربية، وفي الكويت على وجه التحديد. وينطبق الأمر نفسه على حركة حماس والجهاد الإسلامي، كما يجب أن نلاحظ أن الانتفاضة الأولى اندلعت شرارتها من غزة ومن جباليا تحديدا، كذلك كانت الانتفاضة الثانية التي أشعلتها غزة وانتشر لهيبها في كل الأراضي الفلسطينية.
الأيقونة شعلتنا
هذه الرقعة الجغرافية المحدودة والضيقة والمحاصرة، كانت هي مَن حمل شعلة التحرر الوطني، وكانت السباقة إلى المقاومة بكل أشكالها، وكان لها وفقا لجيهان فوزي الفضل في تأصيل الهوية الفلسطينية وحمايتها من التماهي مع أي هوية أخرى أيديولوجية أو قومية أو دينية، ولهذا بالتأكيد أسبابه التي يمكن تلخيصها بخصوصية مجتمع غزة، المشكل في أغلبيته من لاجئي عام 1948 ونازحي عام 1967، وما اتصفت به حياتهم من فقر مدقع وحرمان وملاحقة بالسلاح والاعتقال من جانب قوات الاحتلال، خاصة في الأعوام ما بين (48- 67). أولئك الهاربون إلى غزة كانوا يرون بأم أعينهم أراضيهم وبيوتهم التي فروا منها، تُحتل وتُغتصب من مستوطنين جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها، لقد صهرت غزة كل الدوافع الوطنية والإنسانية والدينية في أفئدة الغزيين لتحولهم من تجمع بشري إلى كتلة مقاتلة، دقت أول مسمار في نعش الاحتلال، وتحقق أول انتصار لها عام 2005، بإرغام أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، على تفكيك المستوطنات اللقيطة فيها والانسحاب بلا شروط من غزة، فقدمت بذلك المثل والنموذج لكامل أبناء الشعب الفلسطيني وقواه الحية. وها هي الآن تقدم المثل والنموذج للعالم كله، الذي بدأ بصحوة غير مسبوقة تحت وطأة صورة شديدة التناقض، فيها من الإجرام والبطش، بقدر ما فيها من الصمود والعزيمة والصبر، فكان وقع تلك الصورة على العالم بمثابة هزة عنيفة حركت مشاعر البشر، ودفعت بهم إلى الميادين وساحات الجامعات ومواقع التواصل الاجتماعي والصراخ بأعلى الصوت لإدانة الحرب والمطالبة بوقفها فورا. ذلك هو قدر غزة، أن يبدأ من أزقتها ومخيماتها الضيقة رسم مسار آخر للتاريخ على هذه الأرض، لا يقرره الطغاة ولا يحدده المستعمرون.
نفط غزة
هناك تساؤلات كثيرة حول الميناء الذي أقامته أمريكا على شاطئ غزة، ولماذا أوكلت إدارة هذا الميناء إلى إسرائيل، ما دامت تتحدث عن دولة فلسطينية؟ كان أولى أن تقع مسؤولية الإدارة على أهل غزة.. السؤال الأخطر وفقا لفاروق جويدة في "الأهرام” ماذا عن الغاز والبترول في شواطئ غزة، وهل توجد كميات كبيرة في هذه الشواطئ، والأطماع تتجه إلى هذه المناطق القريبة من أوروبا والتى يمكن أن تكون بديلا لمناطق أخرى على شاطئ المتوسط أو بترول الخليج.. أساطيل أمريكا التي اقتربت كثيرا من شواطئ غزة كانت تحركها أسباب كثيرة غير دعم إسرائيل.. إن العيون تتجه الآن إلى الغاز والبترول في البحر المتوسط، خاصة أن إسرائيل حققت نتائج مذهلة في الحقول التي اكتشفتها، وفيها مساحات من الأراضي اللبنانية وغير اللبنانية، وهي تطمع أن تكون مركزا من مراكز الغاز والبترول في البحر المتوسط، والشركات الأمريكية تساعدها في ذلك.. حرب غزة لم تكن صراعا عسكريا فقط، ولكنها تحمل أسرارا اقتصادية في مقدمتها الغاز والبترول، وربما كان إنشاء الميناء بداية لمشروع أكبر، خاصة أن أوروبا كلها تسعى لضمان مواردها من الغاز والبترول.. حرب غزة ما زالت تحمل أسرارا غير ما شاهده العالم في هذه المأساة، وقد يكون البترول أحد الأسباب الغامضة بين إسرائيل وأمريكا وأطراف أخرى.. أمريكا لديها استعداد أن تطارد أي نقطة بترول في أي مكان في العالم حتى لو كان ذلك على دماء الشهداء من النساء والأطفال، كل أزمات العالم ابحث عن البترول حتى في جماجم الأطفال، وشركات البترول العالمية تستعد الآن للسطو على بترول غزة، حتى لو كان الثمن نهاية القضية الفلسطينية وتهجير شعبها، والذئاب التي تحيط بالوليمة كثيرة، وكثيرة جدا.
رغم الفناء
كأننا على حد رأي صلاح البلك في "الوطن” نعيش وقائع يوم النكبة على مدار ستة وسبعين عاما.. ظلمة ليل حالكة السواد، لا يطلع لها نهار، ولا تنجلي عن صبح فيه بصيص ضوء، هي كما الدهر طويلة بلا نهاية، عمرها كل تلك السنوات التي تأبى أن تتوقف أو تتغير. كان الشاعر المصري أحمد محرم في اعتقاد الكثيرين من أوائل من أطلق اسم النكبة على مأساة فلسطين، حين نشر في جريدة "البلاغ” المصرية في عام 1933، أي قبل حدوث نكبة فلسطين بخمسة عشر عاما، قصيدة طويلة بعنوان «نكبة فلسطين»، وهي أول قصيدة شعرية تحمل المصطلح، وبكائية لم تجد من مستجيب. مجتمع كامل له من التاريخ ما لا يحتمل الإنكار يتحول إلى مجموعات من المهجرين في كل بقاع الأرض، حتى صار أحدهم رئيسا لدولة السلفادور في أمريكا اللاتينية قبل أن تصير فلسطين دولة، نجيب بوكيلة، مثّل إضافة كارثية لسلسلة النكبات الفلسطينية، فهو صديق إسرائيل وزار حائط المبكى في تجسيد صارخ للمعنى الحقيقي لذلك التعبير العبقري «نكبتنا في نخبتنا». في سنوات ما قبل النكبة لم تتوقف رحلات التجارة بين سيناء وفلسطين، ولم تطبق حواجز الحدود التي رسمت في عام 1906، ولد الكثير من المصريين هناك بمن فيهم أمى «مواليد يافا»، واختار عدد لا بأس به من الفلسطينيين العيش على الأراضي المصرية، وحملوا جنسيتها وتشابكت الأنساب واتسعت الروابط حتى صارت العائلات تضم من الجنسيتين الكثير.. الأخوة في الدار نفسها بعضهم يحمل بطاقة هوية مصرية والآخرون لديهم وثيقة سفر فلسطينية.
سنعبر النكبة
كان لمدينة العريش، حسب صلاح البلك، نصيب لا بأس به من اللاجئين الفلسطينيين، إلى جوار الدار عاشت عشرات الأسر من كل القرى، بعضهم وفد إليها زمن النكبة وآخرون بعد نكسة 67.. اللد والرملة.. جباليا وقرى ومدن أخرى لم أعد أتذكرها، ولكنني لا أنسى تلك الوجوه والأزياء التي حافظوا عليها طوال سنوات الاحتلال الإسرائيلي لسيناء.. أثواب مطرزة بألوان حقول فلسطين الزاهرة، وسراويل الرجال الواسعة والكوفية التي صارت تراثا مشتركا.. أحزمة الوسط التي صارت بلا خناجر.. مفاتيح الدور المعلقة في رقاب العجائز.. طنجرة المقلوبة.. أبو جلال وأم موسى وأبوالعبد.. غيض من فيض أسماء أشخاص جاورتهم سنوات، لم يخالطهم شعور الغربة، أهل الديار وأصحابها.. كلانا كان يعاني احتلال أرضه ونزوح أهله.. شراكة لم تنفض ولن تنتهي. هنا فقط كان وقع النكبة خافتا بعض الشيء، على بعد كيلومترات قليلة من قطاع غزة يحدوهم الأمل في انتظار أجراس العودة أن تقرع، وإن طال الزمان فتكون العودة أسرع، جمعنا الخوف كثيرا والفرح أحيانا، جميعنا خرج محتفلا في شوارع المدينة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 73، سهرنا حتى الصباح ليلة عبور قناة السويس واجتياح خط بارليف، وطوال ليالي الحرب في انتظار طلائع الجيش المنتصر.. نزوح جديد هذه المرة في الاتجاه الصحيح.. اختلطت المشاعر بين الحزن على فراقهم والأمل في لقاء قريب على أرض فلسطين المحررة.. ها هم يعودون إلى بلادهم وتعود لنا بلادنا. على بعد عقود من تلك الأيام غادر بعضهم إلى بلاد أوروبية وحمل جنسيتها ومات فيها غريبا، فيما بقي الغالبية العظمى في قطاع غزة.. استشهد مئات الآلاف في معارك التحرير التي لم ولن تتوقف.. تقطعت الصلات ولم نعد نعرف أخبار الكثيرين.. قصف المحتلون البيوت وقتلوا الأصدقاء وغيروا معالم الأرض، احترقت الحقول وأدميت القلوب.. شيء وحيد لم يتغير.. اليقين بأننا سنعبر النكبة وسنقرع أجراس العودة.
مصيره معلق برفح
الصور والفيديوهات الكثيرة من معبر رفح، تكشف تكدس الشاحنات المُحمَّلة بالمساعدات أمام المعبر، بينما المعبر مفتوح من جانب مصر، كما ذكر مسؤولون أنه مفتوح على مدار الساعة، ولكنه عمليّا كما أخبرنا محمد أمين في "المصري اليوم” مغلق على الجانب الآخر الذي تتحكم فيه إسرائيل، فلا تكاد المساعدات تصل، وتصبح مُهدَّدة بانتهاء الصلاحية.. وهي جريمة من جرائم الإبادة الجماعية بتجويع الشعب الفلسطيني الأعزل. وقد تأكدت وزيرة خارجية سلوفينيا أثناء زيارة للعريش، توجهت خلالها إلى معبر رفح الحدودي، وشاهدت بنفسها إغلاق المعبر من الناحية الفلسطينية لترصد بشكل عملي أكاذيب حكومة إسرائيل حول إغلاق المعبر، وقالت: «كانت صدمة أن نرى المعبر مغلقا من الناحية الفلسطينية لليوم الخامس على التوالي»، مؤكدة «أن مصر تقوم بدور استثنائي للتخفيف من المعاناة الإنسانية في قطاع غزة». طالبت وزيرة الخارجية بضرورة وقف إطلاق النار، وتنفيذ حل الدولتين، وإدخال المزيد من المساعدات إلى هناك، ووقف تجويع الشعب الفلسطيني، وهي مسألة غير إنسانية ومروعة. هذه شهادة من وزراء خارجية دول تكفي لمحاكمة نتنياهو، وتضع شرعية المحكمة الجنائية الدولية على المحك، وتجعلنا نؤكد أن المحكمة تخالف ميثاق إنشائها لانحيازها المؤلم إلى الكيان الإسرائيلي، فالقصة ليست محاكمة نتنياهو، ولكن محاكمة المحكمة وإنهاء وجودها. هناك مؤسسات أممية تحتاج إلى وقفة، منها مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية، فهي لا تتحرك لنصرة الضعيف ولا تتحرك لنصرة المظلوم.. فما الداعي إلى بقاء هذه المؤسسات؟ كان الإعلام الصهيوني يحاول إلصاق تهمة إغلاق المعبر بمصر، مع أن كاميرا بسيطة يجلس صاحبها على الحدود يمكن أن تكشف مَن الذي أغلق المعبر ومَن الذي يفتحه.. هذا التضليل والتزييف جعل قيادات بعض الدول تصدق هذا التزييف، وعندما ذهبت وزيرة الخارجية السلوفينية، تأكدت أن المعبر مفتوح من جانب مصر ومغلق من الجانب الفلسطيني الذي تسيطر عليه إسرائيل. أيها العالم.. خذ قرارك بالاعتراف بفلسطين كدولة لإنهاء معاناة شعب على مدى 75 عاما، لا يستطيع أن يصل إلى لقمة نظيفة ولا شربة ماء نظيفة، فهم يشربون من ماء البحر، ويأكلون من سلة المهملات في القرن الواحد والعشرين. باختصار.. الحرب على غزة ورفح لا تكتب مصير نتنياهو وحده، ولكنها ستكتب مصير بايدن أيضا، وستكون سببا في طرد بايدن من التاريخ إلى غير رجعة.
بايدن وتصريحاته
بايدن يتمسك بوقف الحرب في غزة، ويدعي أن إسرائيل لم تتجاوز بعد الخط الأحمر، وهو ما أصاب مجدي الشيخ في "فيتو” بالدهشة والخجل معا، فماذا بعد جرائم الحرب التي ترتكب على مرأى ومسمع العالم كله، والإبادة الجماعية للمدنيين، ومخالفة القوانين الدولية، والدعم الكامل للعدو الصهيوني بالسلاح من قِبَل الأمريكيين والألمان، الذي تصل نسبته إلى أكثر من 90 في المئة، لقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير البنية التحتية.. ومع ذلك يقول بايدن إنه يتمسك بوقف الحرب، والعمل مع الدول على إعادة بناء غزة والحفاظ على الأمن والسلام.. لقد كشف العدوان الصهيوني مدى ضعفه أمام المقاومة الفلسطينية المحدودة القدرات العسكرية، فلا هم تمكنوا من القضاء عليها ولا هم استطاعوا تحرير الرهائن، ولكنهم اتخذوا من المدنيين أهدافا لقذائفهم.. ولا تقيم وزنا لأي قرارات دولية طالما هي مدعومة من أمريكا، وبعض الدول الأوروبية التي تعاني حاليا من تظاهرات طلبة الجامعات، التي تنادي بوقف الحرب ومساندة فلسطين الحرة، في إطار حرية الرأي والتعبير، التي لا وجود لها في تلك الدول التي طالما ادعت أنها دول ديمقراطية تقدس الحريات وحقوق الإنسان، مع أنها فقط شعارات وأقوال لا أفعال.. على العموم يبدو أن هناك حالة من القلق والتردد وأيضا الغضب لدى الصهاينة من تصريحات بايدن بوقف إمدادات الأسلحة، ويبقى السؤال: هل يتمسك بايدن بتصريحاته أم يتراجع أمام الضغط اليهودي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية؟
أمن العقاب
ما يقوم به مجرم الحرب نتنياهو وحكومته من إبادة وتهجير لأهل غزة غير مبالين بأي نتيجة تترتب على إجرامهم ينطبق عليه مقولة «من أمن العقاب أساء الأدب»، على حد رأي مختار محروس في "الوفد”: عندما يغيب أو يُغيب الردع والمحاسبة على الجُرم يتيح لمرتكب الجُرم التمادي في الإقدام على ارتكاب فعلته، مطمئنا إلى أن أحدا لن يحاسبة أو يردعه، لذا تحل الفوضى في المجتمع ويتصرف المخالف على هواه، فلا قانون يوقفه ولا رادع يردعه أو يحاسبه فيتمادى أكثر وأكثر في ارتكاب فعله وإجرامه. مجرمو الحرب في الكيان المحتل يضمنون حماية أمريكا لهم، بل دعمهم ومساندتهم ومدهم بأدوات القتل وأسلحة التدمير والوقوف في المحافل الدولية رافعين أيديهم بـ«الفيتو»، لرفض أي قرار إدانة لمجرمي الحرب في إسرائيل أو وقف إطلاق النار بعد أكثر من سبعة أشهر من القتل والتدمير.. وصل الحال لتهديد قضاة محكمة الجنايات الدولية من قبَل مسؤولين أمريكيين، رغم ما على المحكمة وعلى مدعيها العام من علامات استفهام، بسبب تلكئها في إصدار قرارات بملاحقة مجرمي الحرب في إسرائيل على ما يرتكبونه من مجازر وإبادة لشعب فلسطين، لهو خير بيان على موقف أمريكا الحقيقي، بعيدا عن بعض التصريحات التي يلهوننا بها للتضليل ولاستمرار حرب الإبادة، وزعزعة الاستقرار في المنطقة.. ليس لهم عهد ولا وعد فهم قتلوا أنبياءهم ونقضوا عهودهم ومواثيقهم مع الله جل شأنه، ومع الأنبياء على مدى تاريخهم، ونقضوا عهدهم مع الرسول عليه الصلاة والسلام (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون) (الأنفال) أي لا يخافون الانتقام، ولذلك فإن نقضهم لأي عهد آخر ليس متوقعا فقط، بل إنه مؤكد وبدهي.
أمام أعين العالم
قيام سفير إسرائيل في الأمم المتحدة بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة ومن على منصتها، بل فرمه في مفرمة كانت بحوزته أمام دول العالم وأثناء التصويت على منح دولة فلسطين عضوية كاملة في مجلس الأمن، دون ردع أو عقاب دليل يراه مختار محروس على أن ممثل دولة الاحتلال يضمن عدم مسألته أو ردعه من أحد. الموقف الأمريكي الذي يقف بالمرصاد لأي تحرك لوقف حرب الإبادة بحاجة إلى وجود ردع فموقف الدول العربية والإسلامية والافريقية ودول عدم الانحياز، الذي لم يتجاوز حد المناشدات – إلا ما ندر- أصبح بحاجة إلى استخدام لغة أخرى تشكل رادعا لإجبار أمريكا على تغيير مواقفها وتصرفاتها حيال الأزمة وحل الدولتين.. أمريكا وإسرائيل بحاجة إلى ردع، صحيح أن لكل منهما ردع خاص به، لتغيير مواقفه والكف عن إجرامه وعربدته. أمريكا شريك وليست وسيطا، وإسرائيل لا تؤمن بأي تفاوض أو تفاهم فما تفهمه إسرائيل هو لغة القوة والردع، تعليق الأمل على غير ذلك تضييع للوقت وللجهد مع مجرمين لا يعرفون سوى التصدي بالقوة لإجرامهم وعربدتهم في المنطقة.. إسرائيل لا تؤمن ولا تريد السلام فهذه عقيدتهم، وهذا سلوك يمينهم المتطرف، الذي يفوز في الانتخابات ومن يدعى غير ذلك فهو واهم يخدع نفسه ويضلل من حوله.. معاملة أمريكا على أساس أنها وسيط في حل النزاع وإنهاء الصراع وهم كبير وخديعة كبرى.. حان الوقت لتغيير سياسة التعامل مع أمريكا، باعتبارها شريكا لا وسيطا في حرب الإبادة الجماعية لشعب فلسطين وتغذية الصراع في المنطقة.. هذا هو وقت الجد الذي لا لبس فيه لنصرة الحق فلا تضيعوه.
وعود في الهواء
لم تنتب الدهشة يسري السيد في "فيتو”، من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق الفيتو ضد صدور قرار من مجلس الأمن يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. كما لم تنتب الدهشة الكاتب من موقف بريطانيا من عدم الموافقة على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة له، وإن اكتفت بالصمت وعدم استخدام حق النقض مثلما فعلت أمريكا، وهو ما اعتبره الكثير من الدبلوماسيين تقدما كبيرا.. لماذا؟ لأن صمت المعارض لك عند التصويت في العرف الدبلوماسي انتصار، لأن صوته لن يذهب على الأقل لعدوك، يعني ليس معارضه لك، وإن كنت أظنه ينطبق عليه الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولكن في السياسة نحن في غابة الشياطين وعدم الاندهاش يرجع لمعرفتنا بالنوايا الإنكليزية والأمريكية الحقيقية، وسلوكهما ببساطة يعبر عن موقفهما الحقيقي من إقامة الدولة الفلسطينية.. المهم أن عدم الاندهاش وعدم الاستغراب قد يتوقف لبعض الوقت. لكن الاندهاش والاستغراب الذي لا يتوقف يكون أمام الصهاينة العرب أو المتأمركين العرب بقصد أو دون قصد، بسوء نية، أو بحسن نية.. في تصديق أكاذيب الكاوبوي الأمريكي، وعاصمة الضباب لندن، من خلال تصريحات ساكني البيت الأبيض ولندن من أنهم يريدون ويدعمون قيام دولة فلسطينية مستقلة.. وعند المحك مثلما حدث مؤخرا ينكشف الوجه الحقيقي بالرفض.. كل رؤساء أمريكا منذ اتفاقية كامب ديفيد 1979 وحتى الآن ينشدون في المحافل العربية على الربابة للاستهلاك العربي فقط، بوعود إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ومنذ أصدرت بريطانيا وعد بلفور وتقسيم فلسطين وصدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية والظلم مستمر.. بدأ بإعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، ثم بالاعتراف بإسرائيل في الأمم المتحدة 1948 وعدم الاعتراف بفلسطين، البلد الذي اقتطعت أو سلبت أرضه للكيان الصهيوني..
قلق مشروع
الحديث عن أن اتحاد القبائل العربية الذي تم تأسيسه مؤخرا ما زال يثير المزيد من الجدل، بسبب الدور الذي عليه القيام به، ويرى جمال أسعد في "المشهد”، أن قواتنا المسلحة الباسلة ذات العقيدة الوطنية المصرية هي وحدها القادرة على حماية الأمن القومي المصري، مع ظهيرها المتمثل في كل الشعب المصري بكل فئاته وطبقاته، وتاريخ مصر وقواتها المسلحة خير شاهد على ذلك، وهذا يعني أن يكون هناك تنسيق يستلزمه الأمر بين قواتنا المسلحة وبعض قطاعات الشعب المصري جغرافيا، مثل المصريين في سيناء والغرب والصعيد، ولكن هذا غير أن تكون هذه العلاقة من خلال تنظيم يضم بعض الشعب المصري، الذين يصرون على التمايز في الانتماء والعادات والتقاليد (مثلما جاء في أقوال المتحدث باسم هذا الاتحاد). كما أن المتحدث قال تبريرا لهذا التنظيم. فلنعتبره مثل النقابات، أو مثل تنظيم الأشراف، هنا نقول إن هذا التشبيه جانبه الصواب، والتنظيمات النقابية هي تنظيمات تقوم للحفاظ على حقوق أعضائها النقابية والوظيفية والخدمية. وجمعياتها العمومية تجمعها الوظيفة أو المهنة، عمالا. فلاحين. أطباء. مهندسيين، إلخ. فهل هذا الاتحاد يعني الدفاع عن حقوق هذه القبائل؟ مثل ما قال المتحدث (هذه القبائل عانت كثيرا من التهميش). وهنا نذكر المتحدث ابن الصعيد كيف كان الصعيد مهمشا، وأن الموظف الذي كان ينقل إلى محافظة قنا يقول (اللهم قنا عذاب النار) كتعبير عن هذا التهميش، فهل عندما اهتمت الدولة بالصعيد في كل المناحي، خاصة بإنشاء الصناعات الثقيلة. كان هذا نتيجة لمطالبات تنظيم باسم أبناء الصعيد؟ أما تنظيم الأشراف فلا علاقة له بالموضوع، فهذه جمعية شبه دينية تهتم بأن تضم أتباع النسب الشريف في إطار ديني قيمي. والأهم أن هذه القضية أثارت كثيرا من اللغط الذي اختلط فيه كثير من المعلومات الصحيحة والخاطئة. يجب أن يتم الرد على هذه المعلومات، خاصة تلك التي تنسب لقيادة الاتحاد. كلنا مصريون نحب وطننا وندافع عنه ولكن مطلوب الحوار وعدم الادعاء بامتلاك الوطنية دون سوانا.
تجميد الصفقة
الرئيس الأمريكي جو بايدن جمد مؤقتا شحنة أسلحة، عبارة عن ذخائر وقنابل لإسرائيل، الأسبوع الماضي؛ خوفا من استخدامها لقتل المدنيين في رفح الفلسطينية. كثيرون اعتقدوا كما يرى عماد الدين حسين في "الشروق” أن الولايات المتحدة أوقفت كل شحنات الأسلحة الإسرائيلية، لكن هؤلاء لا يعرفون حقيقة وجوهر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في الشق العسكري، وهو الموضوع الذي سلطت عليه العديد من وسائل الإعلام الأضواء في الأيام الأخيرة بعد قرار بايدن والجدل الذي أثير بشأنه. هناك أرقام وبيانات ومعلومات وحقائق مهمة ينبغي على كل مهتم أن يعرفها إذا أراد أن يفهم جوهر هذه العلاقات، بحيث لا يعتقد أن مجرد تجميد صفقة واحدة يعني توقف كل العلاقات. وفقا لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي فإن المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بلغت 216 مليار دولار منذ زرعت إسرائيل في المنطقة عام 1948. وإن إسرائيل تحصل على 69% من وارداتها من الأسلحة من أمريكا. ووفقا لمعهد ستوكولهم الدولي لأبحاث السلام، فإن أمريكا تقدم لإسرائيل مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 3.8 مليار دولار. الولايات المتحدة ساعدت إسرائيل على تطوير وتسليح أنظمة الدفاع الجوي، خصوصا نظام القبة الحديدية، وأرسلت لها ملايين الدولارات لإعادة التزود بالصواريخ الاعتراضية. وقبل أسابيع قليلة تصدى الجيش الأمريكي بنفسه للصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية والحوثية الموجهة لإسرائيل. كما تساعد واشنطن إسرائيل في تطوير نظام «مقلاع داود» الإسرائيلي المصمم لإسقاط الصواريخ التي تطلق من مسافة 100 ــ 200 كيلو متر. في الأيام الأولى من عدوان إسرائيل على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أرسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات فورد وأيزنهاور إلى السواحل الإسرائيلية، ثم سفينة نووية لمنع دخول أي أطراف أخرى في الحرب ضد إسرائيل. واللافت للنظر أن الإدارة الأمريكية قدمت صفقتين كبيرتين من الأسلحة في الشهور الماضية لإسرائيل بموجب قوانين الطوارئ، أي عدم عرضهما على الكونغرس بمجلسيه. ووقع بايدن في الشهر الماضي على حزمة مساعدات عسكرية إضافية قيمتها 15 مليار دولار، ثم أعقبها بحزمة مساعدات عسكرية أخرى قيمتها 26 مليار دولار. في الفترة من 2019 وحتى العام الماضي تلقت إسرائيل 69٪ من الأسلحة المستوردة من الولايات المتحدة ومعظمها مساعدات، وهي أول دولة في العالم تشغل المقاتلة إف 35 الأكثر تقدما، وستحصل على 75 مقاتلة من هذا الطراز وتسلمت بالفعل 36 طائرة العام الماضي، وتم دفع الثمن من المعونة الأمريكية، و25 مقاتلة F-15Ai و12 طائرة أباتشي، و230 طائرة شحن، و20 سفينة محملة بالأسلحة و200 طائرة ضمن الجسر الجوي محملة بالسلاح والمركبات المصفحة، وعشرة آلاف طن من السلاح والمعدات. ووفقا لبيانات أمريكية منشورة فإنه ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول فقد زودت أمريكا إسرائيل بحوالي 21 ألف ذخيرة. ومن بين الأسلحة التى تم إرسالها قنابل إم كي 820 وذخائر الهجوم المباشر كيه إم يو 572، وقنابل إف إم يو 139. ومن بين المعدات المهمة جدا القنابل الخارقة للتحصينات من طراز «بي يو 109»، وهي القنابل التى يعتقد أنها مسؤولة بالأساس عن هدم وتدمير أكثر من نصف مباني ومنشآت غزة، وكذلك 57 ألف قذيفة مدفعية و5 قنابل طراز 82 MK، و5400 قنبلة برؤوس حربية وألف قنبلة ذات قطر صغير و3 آلاف قنبلة «جدام». ما سبق مجرد نماذج وليس كل أنواع الأسلحة التي قدمتها أمريكا لإسرائيل، تعمدت أن أسردها بالتفصيل حتى يدرك القارئ أن العلاقة بين البلدين شديدة الحميمية والتداخل، وأن مجرد تجميد صفقة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يؤثر على هذه العلاقة العضوية والحميمة لبلد يلعب دورا وظيفيا خطيرا لأمريكا وأوروبا في المنطقة.