أخبار البلد - تكشّف أمس غبار المعركة التي أطلقتها القوات الروسية، إذ تبيّن أن الهجوم على خاركيف شرق اوكرانيا أدى، بحسب وزارة الدفاع الروسية، إلى السيطرة على خمس قرى. وكانت أوكرانيا أعلنت أن الجيش الروسي بدأ منذ الساعات الأولى ليوم أول من أمس الجمعة الهجوم على خاركيف شرق أوكرانيا المحاذية لمقاطعة بيلغورود الروسية.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان أمس السبت، أن القوات الروسية استولت على خمس قرى في إطار هجوم بري متجدد في شمال شرق أوكرانيا. وقالت، في منشور على تليغرام، إن قواتها "حررت" قرى بوريسيفكا وأوغيرتسيف وبليتينيفكا وبيلنا وستريليتشا في منطقة خاركيف قرب الحدود مع روسيا، وكذلك قرية كيراميك في منطقة دونيتسك.
وأفاد صحافيون أوكرانيون بأن قوات روسية استولت على قرى بوريسيفكا وأوهيرتسيف وبيلنا وستريليتشا، والتي تقع جميعها في "المنطقة الرمادية" المتنازع عليها عسكرياً على حدود منطقة خاركيف الأوكرانية وروسيا. وكانت وزارة الدفاع الأوكرانية قد نفت، الجمعة الماضي، صحة التقدم الروسي في المنطقة. وقالت، في بيان، إن هناك "محاولة من العدو لاختراق خطنا الدفاعي باستخدام مركبات مدرعة بالقرب من بلدة فولشانسك (75 كيلومتراً شمال شرق مدينة خاركيف)، وتم صدّ الهجمات الأولى".
أهداف الهجوم على خاركيف
وتضاربت تقديرات المراسلين العسكريين الروس على منصة تليغرام حول أهداف الهجوم على خاركيف وحجم التقدم الذي حققه الجيش الروسي، بين مؤكِد أن القوات الروسية تقدمت حتى ثلاثة كيلومترات في بعض المناطق، وأن الهجوم على خاركيف قد بدأ، مقابل إشارة آخرين إلى أن القوات الروسية "تستطلع بالقوة" الأوضاع على الحدود. وقال المدون العسكري الروسي المعروف باسم ريبار، على "تليغرام"، أول من أمس، إن الهجوم الروسي "استطلاع بالقوة" وليس هجوماً واسع النطاق. وزعم أن القوات الروسية حققت اختراقات بعمق يتراوح بين كيلومترين وثلاثة كيلومترات في بعض المناطق الحدودية، مشيراً إلى أن الهجمات استهدفت نقاط المدفعية لإضعاف الدفاعات الاوكرانية.
أولكسندر بافليوك: روسيا تختبر استقرار خطوطنا قبل اختيار الاتجاه الأنسب
من جهته، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مؤتمر صحافي في كييف الجمعة الماضي، أن قوات بلاده استعدت للهجوم. وقال: "لقد استقبلتهم أوكرانيا هناك بقوات، ألوية ومدفعية"، لكنه حذّر من أن روسيا قد ترسل مزيداً من القوات لدعم هجومها الجديد. وأعلن الحاكم الإقليمي لمنطقة خاركيف أوليغ سينيغوبوف، على "تليغرام" أمس السبت، أنه تم إجلاء مئات الأشخاص من المناطق المحاذية للحدود الروسية في منطقة خاركيف، غداة بدء القوات الروسية هجوماً برياً. وأوضح أنه "تم إجلاء ما مجموعه 1775 شخصاً"، مشيراً إلى أن هجمات بالمدفعية وقذائف الهاون طاولت 30 بلدة في المنطقة خلال الساعات الـ24 الماضية.
ورداً على الأنباء عن الهجوم على خاركيف قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس، إن الولايات المتحدة سترسل حزمة جديدة من المساعدات العسكرية بقيمة 400 مليون دولار، تشمل صواريخ وصواريخ أرض جو ومركبات مدرعة، مشدداً على أن "الهدف من المساعدات، جزئياً، هو مساعدة أوكرانيا على صد الهجوم الروسي على مدينة خاركيف". ولم يستبعد كيربي أن تحقق روسيا مزيداً من التقدم في الأسابيع المقبلة، مستدركاً: "لكننا لا نتوقع أي اختراقات كبيرة، وبمرور الوقت، فإن تدفق المساعدات الأميركية سيُمكن أوكرانيا من الصمود في وجه هذه الهجمات على مدار عام 2024".
وأوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان مساء الجمعة الماضي، أن الحزمة تشتمل على "قدرات مطلوبة بشكل عاجل"، بما فيها ذخائر للدفاع الجوي وقذائف مدفعية وأسلحة مضادة للدبابات ومركبات مدرعة وذخائر لأسلحة صغيرة. وقال: "ستواصل الولايات المتحدة مع التحالف الدولي الذي شكلناه الوقوف إلى جانب أوكرانيا في دفاعها عن حريتها".
هجوم متوقع
ومنذ السيطرة على أفدييفكا في فبراير/ شباط الماضي كثّف الجيش الروسي ضغطه على المواقع الأوكرانية في جبهات عدة في مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وخاركيف. ومع تراجع الدعم الغربي، والنقص الواضح في المعدات والقوة النارية الأوكرانية، مع تقديرات بأن الجانب الروسي يستخدم 10 قذائف مدفعية مقابل كل قذيفة أوكرانية، حذر زيلينسكي، الشهر الماضي، من "مرحلة جديدة من الحرب"، مشيراً إلى أن الروس يستعدون "لتوسيع العمليات الهجومية". كما حذرت مديرية المخابرات بوزارة الدفاع الأوكرانية، وقتها، من احتمال تكثيف الأعمال العدائية في منطقتي خاركيف وسومي نهاية مايو/ أيار الحالي أو أوائل يونيو/ حزيران المقبل. وحضت، في بيان الشهر الماضي، حلفاء كييف على رد فعل سريع.
ومن المؤكد أن روسيا تسعى إلى استغلال تأخر وصول الذخيرة والأسلحة الأميركية لمواصلة التقدم في دونيتسك، ومناطق أخرى. وقال نائب رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية الجنرال فادين سكيبيتسكي، في تصريح لمجلة إيكونوميست، نشر الأسبوع الماضي، إن روسيا تستعد لشن الهجوم على خاركيف ومنطقة سومي الشمالية. وكرر هذا التحذير قائد القوات البرية الأوكرانية العقيد أولكسندر بافليوك في مقابلة مع المجلة نشرت أول من أمس الجمعة، متوقعاً أن تدخل الحرب ضد روسيا مرحلة حرجة في الشهرين المقبلين حيث تحاول موسكو استغلال التأخير في توريد الأسلحة إلى كييف. وقال: "تعلم روسيا أنه إذا تلقينا ما يكفي من الأسلحة في غضون شهر أو شهرين، فقد ينقلب الوضع ضدها".
وذكرت "إيكونوميست" أن بافليوك يعتقد أن موسكو ستواصل التركيز على تقدمها البطيء عبر منطقتي لوغانسك ودونيتسك في الشرق، مشيراً إلى أن أوكرانيا بحاجة إلى مزيد من الدفاع الجوي وستحصل على دفعة مع تسلمها طائرات مقاتلة من طراز إف-16. وأشار إلى أن روسيا "تختبر استقرار خطوطنا قبل اختيار الاتجاه الأنسب".
وفي مقابل توقع أوكرانيا للهجوم، الذي لم يعلن الجيش الروسي عن إطلاقه، ولم يكشف عن أهدافه بعد، اتفق خبراء ومحللون أوكرانيون على عدم قدرة روسيا على شن هجوم واسع على خاركيف تزامناً مع الهجمات في دونيتسك وزابوريجيا في الجنوب، مشيرين إلى أنها لا تملك الموارد اللازمة للقيام بذلك.
لا قدرة للاستيلاء على خاركيف
وقال أندريه كوفالينكو، رئيس المركز الأوكراني لمكافحة المعلومات المضللة، في تصريح صحافي أول من أمس الجمعة، إن روسيا لديها القدرة على أن تُفاقم الوضع في المناطق الحدودية، ولكن ليس لديها القدرة على الاستيلاء على خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا. وأوضح أن روسيا احتاجت إلى نحو 80 ألف جندي للاستيلاء على مدينة أفدييفكا الشرقية الصغيرة في فبراير/ شباط الماضي، بعد أشهر من القصف، مشيراً إلى أن المدن الكبرى، مثل سومي وخاركيف، تحتاج إلى قوات أكثر بكثير، وهو ما تفتقده روسيا حالياً. ومعلوم أن روسيا سعت منذ الأيام الأولى للحرب في فبراير 2022 إلى احتلال واحدة من المدينتين، حين كان لديها قوة أكبر وأفضل تدريباً، لكنها أخفقت في ذلك.
أعلن بوتين أنه سيفكر في إنشاء منطقة صحية منزوعة السلاح في الأراضي الخاضعة اليوم لنظام كييف
ومع زيادة الهجمات الأوكرانية بالمدافع والقذائف الصاروخية والطائرات المُسيرة في الشهور الأخيرة، وسقوط قتلى وجرحى في المقاطعات الحدودية الروسية، فإنه من المرجح أن موسكو تعمل على وقف هذه الهجمات، التي أثارت نقمة شعبية في بيلغورود وكورسك وفورونج وكراسنودار القريبة من الحدود مع أوكرانيا. وتكررت في الشهور الأخيرة أنباء عن نية روسيا إنشاء منطقة عازلة بعرض 10 كيلومترات لمنطقة بيلغورود، في محاولة لوقف الضربات الأوكرانية على الحدود الروسية.
وفي مارس/ آذار الماضي، ذكر الموقع الإخباري الروسي المستقل "فيورستكا" أن موسكو تخطط لتجنيد ما يصل إلى 300 ألف جندي من أجل التحضير لشن الهجوم على خاركيف شرق أوكرانيا. ونقل الموقع في تقرير عن مصادر في الكرملين ووزارة الدفاع والحكومات الإقليمية هذه الأنباء، التي لم يتم تأكيدها أو نفيها لاحقاً.
"منطقة صحية" عازلة
وجاءت أقوى الإشارات إلى نية روسيا إنشاء منطقة عازلة في خاركيف على لسان الرئيس فلاديمير بوتين، الذي قال، أمام أنصاره بعد الانتخابات الرئاسية في مارس الماضي، إنه "سيفكر في إنشاء منطقة صحية منزوعة السلاح في الأراضي الخاضعة اليوم لنظام كييف"، مشدداً على أن "المنطقة يجب أن تكون كبيرة بما يكفي لمنع الهجمات على الأراضي الروسية بالصواريخ الموردة من الغرب أو من قبل مجموعات مداهمة" في إشارة إلى المجموعات التي تشن هجمات داخل الأراضي الروسية انطلاقاً من أوكرانيا. وفي الشهر الماضي، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن مدينة خاركيف ستكون جزءاً من تلك المنطقة منزوعة السلاح.
وفي 26 مارس الماضي، نقل موقع ميدوزا الروسي المعارض عن مصادر مقربة من الكرملين قولها إن بوتين ينوي مواصلة الحرب حتى النهاية، لكن المصادر اختلفت حول الأهداف النهائية للحرب. وحسب أحد المصادر فقد شعر بوتين "بضعف أوكرانيا، وهو مستعد للذهاب إلى النصر، حتى إلى كييف، ولن يقف موقف المتفرج"، وأنه مستعد لإعلان التعبئة الجزئية أو العامة لتحقيق هذا الهدف، وكذلك تحويل الاقتصاد بشكل أكبر إلى حالة الحرب.
وعلى العكس من ذلك، نقلت وكالة أسوشييتد برس في اليوم ذاته عن مصدر آخر مقرب من الكرملين قوله إن القيادة العليا للبلاد تضع لنفسها "أهدافاً أكثر واقعية"، وتحديداً شن الهجوم على خاركيف والاستيلاء عليها والبدء تدريجياً بإنهاء "العملية العسكرية الخاصة" (التسمية الروسية لغزو أوكرانيا). ووفقاً لمصادر "ميدوزا" في "النخبة الروسية" فإن مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى مقتنعين بأن الجيش الروسي قادر على الاستيلاء على خاركيف، لكن التقدم بشكل أعمق في أوكرانيا أمر "صعب". وتعد السيطرة على خاركيف انتصاراً كبيراً لبوتين، فهي ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، وأول عاصمة للجمهورية الأوكرانية السوفييتية الناشئة، إضافة إلى أن عدد سكانها يتجاوز 1.3 مليون نسمة، جزء منهم من الناطقين بالروسية.
ولفت موقع ميدوزا في تقريره إلى أنه ليس هناك لدى مصادره معلومات تفيد بأن القرار بشأن هجوم واسع النطاق على خاركيف قد تم اتخاذه بالفعل، رغم إجماعهم أنه "سيناريو محتمل جداً". وكانت القوات الروسية سيطرت في الأيام الأولى للغزو على عدد من المناطق في مقاطعة خاركيف. وفي خريف 2022، شنت أوكرانيا هجوماً مضاداً، وحررت معظم المدن والقرى في المنطقة، فيما لم يتمكن الجيش الروسي من الاستيلاء على خاركيف.
ووجهت كييف في سبتمبر/ أيلول 2022 ضربة كانت الأقسى للجيش الروسي، منذ قرار الانسحاب من محيط العاصمة الأوكرانية كييف نهاية مارس 2022، حيث استطاع الجيش الأوكراني في غضون أيام قليلة تحرير أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر مربع من المناطق التي احتلتها روسيا في مقاطعة خاركيف. وأقرت وزارة الدفاع الروسية، حينها، بالنكسة، لكنها بررتها على أنها عملية "إعادة انتشار" للقوات في منطقة دونباس. وتمكنت أوكرانيا من تحرير مدينة ليمان في الشهر ذاته، ما سرع في قرار روسيا ضم مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا في 30 سبتمبر/ أيلول 2022.
أهداف أخرى للهجوم على خاركيف
إضافة إلى حصولها على أسلحة غربية متطورة، فإن قدرة أوكرانيا على خداع الروس شكلت واحداً من أهم من الأسباب لتحقيق اختراق كبير في خريف 2022 في مقاطعة خاركيف ومدينة ليمان. ومن غير المستبعد أن سبب الغموض الروسي بشأن الهدف الحقيقي لشن الهجوم على خاركيف يكمن في محاولة دفع أوكرانيا لنقل تعزيزات إلى المنطقة، وإطلاق عملية في مكان آخر، الأرجح أن تستهدف مقاطعة دونيتسك لمحاصرة مدينة كونستنتينوفكا الاستراتيجية، ما يفتح المجال أمامها لقطع طرق الامدادات بين سلوفيانسك وكراماتورسك والتقدم نحو واحدة منهما، ومواصلة التقدم باتجاه تشاسيفوي يار وبوكروفسك.
ونظراً إلى عدم إعلانها تعبئة جديدة، فإن روسيا غير قادرة على فتح جبهتين في وقت واحد، ولا حتى حشد قوات كافية للسيطرة على مدينة بحجم خاركيف أو سومي. وبانتظار وصول دفعات الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، وتوزيعها لتغطية الجبهات، ومدى قدرة كييف على تعبئة مزيد من الجنود وتدريبهم، قد تتمكن روسيا من إنشاء منطقة عازلة على حدودها مع مقاطعة خاركيف، ما يشكل ضربة معنوية للأوكرانيين، مقابل رفع معنويات الروس. لكن هذه المنطقة لن تكون كافية لمنع تزايد الهجمات بالطائرات المسيّرة، والتي وصلت قبل أيام إلى منشآت نفطية في جمهورية باشكورتوستان الروسية على بعد 1500 كيلومتر من الحدود الأوكرانية. كما أن تزويد أوكرانيا بصواريخ غربية يصل مداها إلى 300 كيلومتر لن يؤمن حماية لمدينة نوفوفورد الواقعة على بعد 40 كيلومتراً من الحدود.