اخبار البلد- يصر بعض الساسة وخبراء الحكم في مربع القرار الأردني على أن صوت وفوضى الشارع لم يصلا بعد إلى مستوى التهديد خلافا لانطباعات مراقبين متعددين وسعوا من هوامش القلق مؤخرا، بعدما وصلت هتافات بعض الحراكات إلى مستويات لم تصلها من قبل وبعدما نزلت الكتلة التي تعتبر عماد المؤسسة ممثلة بالمعلمين والمتقاعدين العسكريين إلى ميادين الاعتصام تحت عناوين معيشية.
ويبدو أن العنوان المعيشي على أهميته لا يثير في دوائر القرار قلقا وهلعا من أي طراز، قياسا بالعنوان السياسي الإصلاحي.. الرجل القوي في جبهة العمل الإسلامي الشيخ زكي بني إرشيد عبر عن ذلك مؤخرا وهو يرمي قنبلته الدخانية الطازجة عندما صرح بأننا 'يقصد الحركة الإسلامية' نتجه نحو مقاطعة الانتخابات المقبلة ما لم تحترم مطالبنا في إجراء المزيد من التعديلات الدستورية.
ووفقا لمسؤول أمني رسمي تحدث لـ'القدس العربي' فالسلطة تفرق بين نوعين من الحراك الشعبي.. الأول معيشي ومطلبي ويقوم به أبناء الدولة والنظام ولا يشكل خطرا إستراتيجيا أو تحديا كبيرا لإن هؤلاء في النهاية أولاد المؤسسة البيروقراطية ولابد من الاستماع لهم واحتمالهم والصبر عليهم.
والثاني حراك سياسي يحاول استغلال نسمات الربيع العربي للمساس بصلاحيات القصر وترسيم حدود جديدة للعبة السياسة والحكم مفصلة على مقاس التداعيات الإقليمية، وهذا الطراز من الحراك يقوده الإسلاميون أحيانا وتشارك به فعاليات أخرى في المحافظات وهو الذي يشكل علامة فارقة تحتاج لإظهار المرونة بالتوازي مع الصرامة.
في المحصلة يعتقد كثيرون داخل مربع ومطبخ القرارالمركزي أن هتافات وشتائم الشارع في بعض الأحيان لا تشكل خطرا جذريا على الدولة خلافا لإنها لا تحظى بإجماع او إقرار حتى داخل بعض قوى الحراك الأساسية، فالإسلاميون ومعهم الجبهة الوطنية للإصلاح بقيادة أحمد عبيدات وبعض عقلاء المعارضة يتنصلون يوميا من الهتافات التي تتجاوز الخطوط الحمراء مما يجعلها قيد الشك والريبة. وفي عمق الدوائر الأمنية لا زالت القناعة متصلة بأن الاستمرار في إستراتيجية عدم قمع الحراك بالقوة تتطلب بقاء بعض مجاميع من تسميهم المعارضة بالبلطجية في الشارع للزجر والتصدي بين الحين والآخر.
والاعتقاد السائد بكثافة يشير الى ان الحراك رفع منسوب الحريات العامة وانتهى بتعديلات دستورية لم تكن مطروحة منذ عقود وأسقط حكومتان وقد يكون في طريقه لإسقاط الثالثة، ومنع كذلك ارتفاع الأسعار.. تلك عوائد معقولة ومثمرة للحراك الشعبي برأي الباحث وليد مطر الذي يصر على أن الحراك الأردني حقق آثارا يمكن وصفها بالتاريخية.
لذلك تميل أوساط القرار لنظرية تتوقع أن الحراك وصل إلى مداه الشعبي ولا زال ممثلا لجزء بسيط من الأردنيين الغاضبين قياسا بالأغلبية الصامتة أو التي لا تتحرك وفي ظل ورقة الديمغرافيا من الصعب أن يقترب الحراك من العصب الحيوي للدولة والنظام ويجبرهما على تقديم تنازلات جوهرية أكثر، فالأزمة وفقا لتشخيص المؤسسات المرجعية اقتصادية بالمقام الأول ومشروع المعالجة يبدأ من معطيات اقتصادية ومالية يمكن أن تتغير بعدها الأحوال.
بطبيعة الحال يرفض الحراكيون ومعهم المعارضون القراءة الاقتصادية لأسباب الحراك ويتحدث الناشطون هذه الأيام عن شهر نيسان (ابريل) الوشيك باعتباره منعطفا ستتغير بعده الكثير من الاتجاهات.
لكن في جعبة النظام بالمقابل ورقة الانتخابات العامة التي فرغ مجلس النواب مساء الأحد الماضي من قانون هيئتها المستقلة الأولى، وهو قانون غير مسبوق في التاريخ الأردني ويوحي إقراره بأن الخطة تقضي بإعلان قانون جديد للانتخاب قريبا والانتقال فعلا لصفحة الانتخابات المبكرة التي يتصور أصحاب القرار بأنها بوابة أساسية لعودة مظاهر الاستقرار في الحياة السياسية.
ومن هذه الزاوية تحديدا تحاول المؤسسة المرجعية التمييز بين اللغة التي تتحدث عن انتخابات عامة فعلا قبل نهاية عام 2012 وبين اللغة التي تتحدث عن 'السعي' لانتخابات مبكرة عام 2012.