اخبار البلد- بسام بدارين - لتلقي كمشاهد يتسمر عدة ساعات أمام شاشات الفضائيات أشعر بالارتياب الشديد وأنا أرصد أصابع ويدين تتحرك على الشاشة للإيحاء بأشياء غير مفهومة وهي أقرب للطلاسم لكنها لعبة قد تكون متمرسة لإنتاج الغموض واستقطاب الاهتمام .
شعرت بهذه الريبة وأنا أراقب برنامج الاقتصاد اليوم الذي بثته مؤخرا محطة رؤيا الفضائية الأردنية المحلية فبعد موسيقى تصويرية صاخبة أوحت بقرب إطلالة خبير اقتصادي يفترض أنه رفيع المستوى خرج شخص هانئ الوجه حاد الملامح تم تقديمه لي كمشاهد باعتباره من النوع السمين في الخبرة الإقتصادية وما كاد الرجل يشرح نظريته في أسباب أزمة الاقتصاد الوطني حتى هاجم المتلقين بسلسلة من إيماءات تحريك الحواجب ورفع الأصابع ثم نقل يد إلى مكان الأخرى على كادر الشاشة .
ولزوم إخراج المشهد تطلب بطبيعة الحال الإمساك بقلم لم يستخدمه الضيف طوال فترة الحلقة فمن غير المعقول أن تكون خبيرا اقتصاديا ثم تطل على الناس بدون قلم، ذلك أشبه بالمأذون الذي يذهب لعقد القران بدون الدفتر الطويل أو للحلاق الذي لا يستخدم المقصات.. وعلى سيرة الحلاق بدا لي أن علاقة ما تشكلت ما بين خبيرنا الإقتصادي والحلاقة فالرجل كان يحرك أصابعه على الشاشة بطريقة المقصات بحيث انتهت خطبته بكلام من الوزن الثقيل الذي يقوله بعض المنظرين لأغراض الصدمة دون فهم الخلفيات والملابسات ودون حتى الشرح والتفاصيل .
إنها عملية حلاقة على الناشف على الأرجح لكن صاحبنا هنا تحدث عن (مخربين) اقتحموا الدولة الأردنية فدمروها من الداخل واستخدم كلمة ترزح عندما قال بأن البلاد ترزح تحت اللا أمن الغذائي .. لاحقا قال الرجل مباشرة الدولة الأردنية مفلسة ثم تحدث عن تركيع الدولة وبين كل جملة غامضة وشقيقتها سمعت على الطريقة الأردنية مفردة (إحم) وهي مفردة نقولها نحن الأردنيون لإظهار الوقار وأحيانا لتغطية الارتباك.
ما أثارني شخصيا هو حقيقة بسيطة فالخبير الاقتصادي الهُمام بتاع مفردة (ترزح) خدم لسنوات طويلة في عمق المؤسسة البيروقراطية وكان الشعب يرزح بدوره تحت دوره في المواقع المتقدمة في التخطيط الاقتصادي قبل تحول صاحبنا لمناكف ومعارض ومشكك في كل شيء.
هؤلاء تحديدا أمقتهم من كل قلبي فليس أغرب من مخرب يندس إلى مؤسسات القرار والنظام سوى بيروقراطي عريق تسبب مع أصحابه لنا بكل الآلام ثم تحول فجأة بعدما خرج من وظيفته إلى مصدر لتسريب كل ما يناكف ويسيء للنظام والدولة وللشعب أيضا، لكن بعض الفضائيات المحلية قررت بأن لا ترحمنا عبر البحث عن إثارة ونقطة، ولا يوجد في الأردن أكثر إثارة من التعبير إعلاميا عن فعفطات مسؤول بارز أو ضابط متقاعد أو خبير اقتصادي خرج أو أٌخرج للتو من وظيفته، ومثل هؤلاء يطبقون قاعدة بسيطة كنا نحتفل بها ونحن صغار نلعب في الحارة بمساحات الآخرين وهي (يا لعيب.. يا خريب).. عن أي تخريب تتحدثون إذن؟