خاص لـ أخبار البلد - رائده الشلالفه
في حالة الربيع العربي المهيمن على الشارع العربي، ثمة باحثين عن الحرية، وأخرين باحثين عن السطوة والكرسي، في شارعنا العربي دويلات مختزلة من القهر والقمع والبطش والحرمان، وهناك من أشعل شرارة الثورة وذهب إلى خالقه قتيلا أم شهيدا لا فرق، فثمة رسالة ذات عنوان عريض تقول بالانسان أولا، وثمة رسالة اخرى تقول قبل ان نطالب بالتحرر من أنظمتنا يجب ان نتحرر من أنفسنا !!
وليس بعيدا عن وجع المقهورين وظلم المستبدين، لم يلتفت أيٍ منا إلى حقيقة واضحة وضوح العيب ربما، ونحن نحاسب غيرنا وننأى عن محاسبة أنفسنا، لماذا نجّمل العيب ونلبسه ثوب الطهر، ولماذا انتزعنا أنفسنا من مفهوم انسانيتنا وانخرطنا في عالم من اللاإخلاقيات ليكون زادنا وهواءنا .
.
لا نتوانى عن ضرب بعض وشتم بعض وكأن ثأر حرب البسوس بيننا ! أما الاحترام والذي نمارسه كالقابض على الجمر في بيوتنا، نتخلى عنه ونحيله الى ممارسات همجية معيبة في الشارع والامكنة العامة، ونحسد الغرب على حضاريته !
!
نحن شعب بلا أخلاق نعم ، نحن شعب لدينا أزمة أخلاق حقيقية ، نتعرى في سلوكياتنا من أصالة خلقها الله بنا، بل ونحاربها كمكتسب اجتماعي حياتي، نصر في دواخلنا على انسان الغابة، إنسان العصر الحجري الذي هو أهون مما هو عليه انساننا الراهن !!
أسوق هذه المقدمة أمام حادثة يندى لها جبين كل انسان حر، ففي مجمع الامير راشد في مدينة الزرقاء صباح اليوم، يتعارك سائق باص خمسيني مع راكب سبعيني، ولم يشفع لهذا الراكب السبعيني سنّه او انسانيته، حيث بدأ السائق بكيل الشتائم له وبردة فعل غير طبيعية، لا ادري حقيقة عن صلب المشكلة، التي دفعت هذا السائق الأرعن للتشابك مع الرجل السبعيني الذي يتوكأ على عصاه مدافعاً بلسانه امام هجمة هذا السائق الذي تعامل بدوره مع المواطن السبعيني كمن يتعامل مع (عجل مبنشر) ، يقذفه حينا ويركله حينا، في حين، تجمع المواطنين حول المشهد وليس من بينهم من يوحد الله ويدعو لفك الاشتباك، لحين ما انتابت الرجل السبعيني حالة هستيرية ارتفع خلالها ضغط دمه وتوففت أنفاسه وراح يتلوح بالهواء لحين ما ارتمى أرضا، ليفر السائق بباصه تاركا الرجل يصارع الموت !
المشهد الأكثر سخونة وعارا ان الرجل السبعيني بقي أرضا في استماتة للحياة يحاول أن يقتنص نسمة هواء تنعش قلبه ورئته ليبعد عنه شبح الموت.
المشهد كان معيبا وليس قاهرا فحسب، فقد احاطت بالرجل مجموعة من عابري المجمع بالاضافة الى (العتاولة من السائقين ومعاونيهم من الكنترولية)، يتفرجون على الجسد المسجى أرضا وكأنهم يحتفلون بمصيبة الرجل، ودون أن يقوم أحدهم بالاقتراب منه، فيما هو يتخبط طالبا العون ، الامر الذي دعاني للاقتراب منه ورفع هامته عن الارض ليستطيع ان يأخذ حفنة اوكسجين، فلم يكن بوسعي سحبه او سنده نظرا لضخامة جثته!
كان المشهد أشبه بكابوس، رجل سبعيني بكامل وقاره على أرض المجمع الطينية، والحشود تستمتع بالمشهد، بل قام احد "سماسرة" المجمع بسل سيجارة واشعلها على رأس الضحية، ليحظى بمزيد من الاستمتاع، لاهتف به بقولي له (ألم تجد مكانا غير هنا لتدخن على رأسي) ، دعوت احد الشبان لمساعدة الرجل طالبة منه أن يقوم بوضع كلتي كفيه على صدر الرجل لانعاش قلبه، وقام الشاب بذلك، لتصدر عن الرجل السبعيني شهقات متتابعة ما بعث بي الاطمئنان، كل ذلك وحشود السائقين ومعاونيهم والمواطنين يتفرجون في فرجة مسرحية، لحين ما قام احدهم باستدعاء رجال الدفاع المدني لفرع جبل طارق بوصفه المركز الاقرب، وكان حضورهم بعد 4 دقائق في جهد نحترمه ونقدره.
نقل افراد الدفاع المدني الرجل الى سيارة الاسعاف، وافتض الجمع متحصرا على انتهاء فيلم الآكشن، وثمة عار ينتشر في المجمع برائحة نتنة، عار السؤال لكل متفرج لم تحركه انسانيته او شهامة قد تكون بالصدفة ليمد يد العون، فماذا لو كان هذا السبعيني والدي او والدك او والد ذلك السائق المعدوم الاخلاق؟
ماذا لو كان هذا السبعيني أخاك او عمك او خالك او حتى جارك، لماذا رفع الجميع يده عن الحادثة، هل لأن مجمعات الباصات بؤرة حقيقية لانعدام الاخلاق وقاذورات المجتمع مثلا؟؟
نحن أمة بلا أخلاق، نترك فتاة تحاول أن تساعد كهلا سبعينا على أن يأخذ فرصته بالحياة، فيما نقف متفرجين بإمعان كي لا تفوتنا اي تفصيلة من المشهد، في حين غادر الجاني السائق الارعن مجمع الباصات تحت مباركة وتواطأ من زملاء المهنة الذين ودعوا زميلهم السائق ليقفوا مكتوفي الايدي يستمتعون بمشهد الرجل الضحية بين يدي فتاة تحاول أن تنأى بعارهم عن هامة الرجل الذي لا اعرف ما حل به حتى كتابة هذا التقرير !!
.
.
.
.