في هذا المقال سنستعرض نتائج أهم سؤال حول الجهة الجديرة بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني من نتائج أحدث استطلاع للرأي العام الفلسطيني الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الفترة ما بين 22 تشرين الثاني (نوفمبر) - 2 كانون الأول (ديسمبر) 2023، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبلغت نسبة الخطأ في هذا الاستطلاع -/+ 4%. سنرد من خلال نتائج هذا الاستطلاع على "قيادات" الأمر الواقع. وهنا لابد من الإشارة إلى أن المبالغة بتكرار الإدعاء في كل بيان، وخطاب، ومقابلة، وكثيراً بدون مناسبة أو سياق، بأن قيادة منظمة التحرير مازالت الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين، تأتي بنتائج عكسية حيث أن المبالغة بالتكرار تثبت فقدان المُدعي لما يدعيه.
في سؤال للاستطلاع المذكور عن الجهة الأجدر بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، أجاب أغلبية المستطلعة آرائهم (54%) بأن حركة حماس هي الأكثر جدارة بتمثل وقيادة الشعب الفلسطيني. في المقابل، أجاب 13% فقط من المستطلعين بأن حركة "فتح" بقيادة الرئيس عباس هي الأكثر جدارة بذلك. فيما قالت نسبة من %26 ان الاثنتين غير جديرتين بالتمثيل والقيادة. ولتحييد التأثير اللحظي على النتائج من هجوم السابع من اكتوبر وما تبعه من حرب انتقامية مدمرة على قطاع غزة وحركة "حماس". في الاستطلاع السابق لذات المركز الذي جرى في شهر أيلول/سبتمبر الماضي(قبل الحرب)، قالت نسبة من 27% إن "حماس" هي الأكثر جدارة، وقالت نسبة من 24% أن "فتح بقيادة الرئيس عباس" هي الأكثر جدارة، وقالت نسبة من 44% إن الاثنتين غير جديرتين بالتمثيل والقيادة. أي أن حركة "حماس" تحصل على نسبة أكبر بثلاث نقاط من حركة "فتح" في جدارة التمثيل والقيادة حتى قبل الحرب، وبالأغلبية المطلقة (54%) بجدارة التمثيل والقيادة بعد (أثناء) الحرب.
كل ذلك في الوقت الذي كما هو معروف، بأن حركة "حماس" غير ممثلة في "مؤسسات" منظمة التحرير التي تحتكرها حركة "فتح". هنا لابد من الإشارة إلى أن أول تمثيل غير رسمي (دون انضمام صريح) لحركة "حماس" في مؤسسات المنظمة كان من خلال أعضائها المنتخبين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث أن أعضاء المجلس التشريعي يعتبرون أعضاءً أصيلين في المجلس الوطني للمنظمة. لكن بسبب العبث غير المسؤول وغير الدستوري في الأنظمة والقوانين، أصبحت عضوية أعضاء المجلس التشريعي في المجلس الوطني ملتبسة، بعد أن قام الرئيس في شهر كانون أول/ديسمبر 2018 بتوصية من "المحكمة الدستورية" المثيرة للجدل، بحل المجلس التشريعي المنتخب عام 2006، إلّا أن ذات القرار قضى بضرورة إجراء انتخابات تشريعية جديدة خلال ستة أشهر. مما يعني أن عدم إجراء انتخابات تشريعية جديدة يعني بالضرورة اعتبار قرار حل المجلس التشريعي كأنه لم يكن، ويدعم هذا التفسير المادة ( 47 مكرر) من تعديل القانون الأساسي عام 2005 التي نصت على "تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية". لذلك، تحاول بعض الأصوات الفتحاوية الالتفاف على القانون وعلى شرعية المجلس التشريعي المنتخب بالادعاء بأنه منذ الاعتراف الأممي بفلسطين كدولة غير عضو عام 2012، أصبحت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حكومة الدولة الفلسطينية، والمجلس الوطني للمنظمة برلماناَ للدولة!! والمفارقة هنا، أن ذات الأصوات هي التي عملت لعقود على تهميش وإضعاف مؤسسات المنظمة لصالح مؤسسات السلطة. كذلك، إذا كان ادعاء تلك الأصوات صحيحاً، لماذا لم يتم العمل به منذ الاعتراف المذكور؟ ولماذا لم تتول اللجنة التنفيذية للمنظمة مهام مجلس وزراء السلطة؟ ولماذا استمر الرئيس بإصدار قرارات بقوانين إذا كان هناك اي برلمان للدولة؟
على عكس الحروب الإسرائيلية السابقة على قطاع غزة، وبتجاهل لافت، امتنعت حركة "حماس" منذ بداية "طوفان الأقصى" عن ذكر منظمة التحرير والسلطة، معبرة بذلك بأنه لا أمل يرجى من "قيادة" الأمر الواقع، بعد كل محاولات إنهاء الانقسام والوحدة التي تنكرت لها قيادة حركة "فتح" والتي كان آخرها إلغاء الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في أيار/مايو 2021، وعدم التزامها بقرارات "الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير" التي تلت معركة سيف القدس عام 2021، وإعلان الجزائر أواخر عام 2022، ومخرجات لقاء مدينة العلمين المصرية في تموز/يوليو الماضي. لقد أكدت قيادة المنظمة والسلطة من خلال مواقفها وأدائها أثناء هذه الحرب صحة موقف حركة "حماس" بتجاهلها وفقدان الأمل منها، حيث أظهرت قيادة المنظمة والسلطة عجزاً عميقاً في قدرتها على الحد الأدنى من مواجهة العدوان الإسرائيلي غير المسبوق في همجيته وإجرامه على مدار أكثر من 70 يوماً، بل بدت منتظرة بفارغ الصبر لتحقيق إسرائيل أهدافها المعلنة للحرب. ولم يبدد صمت "القيادة" المطبق إلّا مواقف وتصريحات أقل ما يقال عنها بأن الصمت كان أستر منها وأقل خزياً وعاراً لأصحابها. وللمفارقة، بعد أن كشفت "القيادة" عن ضعفها المتستر بحاجة إسرائيل والمجتمع الدولي لوجودها وبقائها، ولأن هذا العجز والضعف أصبح أشد من أن يتم حتى استغلاله، بدأت إسرائيل والمجتمع الدولي وعلى رأسه والولايات المتحدة الأمريكية بخطوات رفع الغطاء عنها لأسباب مُخترعة خاصة من جانب إسرائيل أو أسباب أمريكية محقة مثل الفساد والضعف بفقدان الشرعية الشعبية. فبالاضافة إلى ما ذكر سابقاً عن جدارة التمثيل والقيادة، تقول نسبة من 88% من الفلسطينيين أنها تريد من الرئيس عباس الاستقالة فيما تقول نسبة من 12% أنها تريد من الرئيس البقاء في منصبه. وبلغت نسبة المطالبة باستقالة الرئيس 92% في الضفة الغربية و81% في قطاع غزة.
التاريخ لا يرحم ولا ينتظر أحدا، الفرصة الأخيرة لقيادة الأمر الواقع لمحاولة إنقاذ نفسها من لعنة الشعب والتاريخ قبل فوات الأوان، أن تقوم فوراً ببدء تنفيذ القرارات السابقة للمجلس المركزي والإطار القيادي المؤقت للمنظمة. فالقرارات معروفة ومتفق عليها، وأهمها استحقاقات الوحدة الوطنية والشراكة السياسية، وما يعرف عن تحديد العلاقة مع الاحتلال مثل سحب الاعتراف ووقف التنسيق الأمني. ودعوة الإطار المؤقت لمنظمة التحرير للإنعقاد فوراً، واعتباره أعلى هيئة قيادية للمنظمة والسلطة إلى حين الاتفاق على ترتيبات أخرى متفق عليها مثل الانتخابات.