مصر وحرب اكتوبر ٢٠٢٣
أخبار البلد - أخبار البلد - لقد صدمت اسرائيل والشرق الأوسط وأمريكا والعالم بل والفلسطينيون أنفسهم، مما حدث من عبور للفصائل الفلسطينية إلى الأراضي المتاخمة لقطاع غزة على طول غلاف لأكثر من ٣٠٠ كيلو متر مربع، برا وبحرا وجوا بهذه الامكانيات البسيطة امام الترسانة العسكرية الاسرائيلية، في الوقت التي تحتفل فيه مصر بمرور ٥٠ عاما على انتصارات اكتوبر، بعد ان استخفت اسرائيل مرة أخرى من كل التحذيرات من قدرات الفصائل الفلسطينية في غزة بشكل واضح، ضاربة كل النداءات بوقف الاعتداءات اليومية ورفع الحصار عنها، ووقف العدوان المستمر على القدس والمقدسات، ووقف الاستيطان، واستباحة الضفة الغربية، وتعنت الحكومة الاسرائيلية ورفضها التعاطي مع حلول السلام والمبادرة العربية ونداءات السلطة الفلسطينية، والتنكيل بالأسرى، والحبس الإداري، في ظل تفاقم خطورة الوضع الانساني والتكدس السكاني للقطاع، لتنفجر الفصائل في ٧ اكتوبر في هجوم هائل وكبير ووصفته اسرائيل بغير المسبوق منذ حرب ١٩٧٣ بل وخسائره تجاوزت ١٩٦٧، فيما المصريون علقوا بأن هذا الهجوم على غرار ويوازي ٧٣، رغم تفاوت القدرات العسكرية المصرية آنذاك، التي استعانت بالسوفيات، وقدرات الفصائل الفلسطينية البدائية، وسط ذهول جديد للحكومة الاسرائيلية المتعنتة والرافضة لأي حلول، فقد مر اليوم الأول بأرقام مهولة من الاسرى والقتلى الاسرائيليون، وسيطرة الفصائل على مساحات وتجمعات استيطانية في غالب الغلاف، طبعا كل ذلك أدى إلى لملمت الجيش الاسرائيلي لقواته وبداية الردع والحشد والتقدم وحصار ودك القطاع بأطنان من الصواريخ راح ضحيته مئات المدنيين كالعادة، في محاولة لرد الاعتبار لما حدث له في السابع من اكتوبر، ومع اغلاق كل المعابر واعلان غزة منطقة عسكرية مغلقة وقطع جميع الامدادات الانسانية، واعلان حكومة نتانياهو الحرب، ظل معبر رفح المنفذ الوحيد للسكان الفلسطينيين، ووسط تهديدات وخوف من النزوح نحو مصر أعلنت موقفها واضحا وتحذير اسرائيل من جعل سيناء بديلا للتوطين، رغم تأكيد الفلسطينيين ثباتهم ورفضهم لذلك من خمسينات القرن الماضي، ومع الهجوم الذي شمل كل مناحي القطاع، نستطيع القول ان حرب ٢٠٢٣ في رأي المؤرخين قد يكون صحح مسار حرب ٧٣ الذي حيد مصر من أي معركة منذ ذلك الحين، مما أدى لاتفاق سلام لا يشمل الفلسطينيين وتركهم وحدهم يواجهون المصير، وتهافت التهافت على التطبيع، بل أعادت الاعتبار للقضية إلى واجهة العالم، رغم بقاء مصر داعما للقيادة والحقوق الفلسطينية تنادي بذلك دبلوماسيا وصولا لوساطات بين اسرائيل وفصائل غزة، لكن ما يحدث الان وضع مصر من جديد مكرهة في موقف واضح فرضته الحدود والجغرافيا واحتياجات الامن القومي المصري في خضم هذه الحرب، اولها منع الزحف السكاني للفلسطينيين نحو اراضيها وهذا لا يتطلب بيانات بل يحتاج فتح ومد جسور انسانية نحو سكان القطاع لتثبيت وتعزيز صمودهم وبقائهم، بالتوازي مع التدخل السياسي من حيث الوساطات للوصول لهدنة انسانية على الاقل، وسط اعلان دول غربية وقف الدعم عن الفلسطينيين، مما سينجم عنه كارثة انسانية خطيرة، وبالتالي مصر عليها كاهل هذا الدور رغم تهديدات اسرائيل بوقف كل خطوط الامداد، خاصة ان الاعلام المصري سلط الضوء بشكل واسع رسميا وغير رسمي وهناك ضغط شعبي خاصة بعد حادثة الاسكندرية ومقتل السياح، وتصريحات المخابرات المصرية انها حذرت اسرائيل من حدث كبير في غزة دون مبالاة، مع انكار اسرائيل ذلك، ولاشك أن هذه الحرب هي مختلفة عن الحروب التي شنت سابقا على غزة، لكنها بالتأكيد هي حصيلة كل تلك الحروب وحصيلة سنوات المرار مهما جرت مرارا جديدا، بل انها فضحت من جديد واعادت الدول الاستعمارية الى حقيقتها من امريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم، وفضح دورهم اللامتناهي في دعم الاحتلال الاسرائيلي، في ظل تخبط المواقف العربية وتباطئها رغم ان شعوبها قاطبة تثور الان دعما لغزة، لتكون مصر كما كانت في واجهة كل معركة، توازن بين دبلوماسيتها وبين شعبيتها وحجم الضغط عليها، لكن الأكيد أنها لن تتخلى عن دورها العروبي والقومي وتأخذ القرار الصحيح برفض المشاركة في الحصار وتشق بعصاتها طريق الصحراء نحو غزة.