دانتي بوصفه الواحد الكثير

دانتي بوصفه الواحد الكثير
أخبار البلد -   اخبار البلد-
 

هل يمكن لعمل أدبيّ واحد أن يجمع بين التأمّل الميتافيزيقيّ والنقد السياسيّ والنظرة اللاهوتيّة التي تزعم إضاءة طريق الخلاص، وأن يكون، في الوقت نفسه، سيرة ذاتيّة ورحلة وملحمة وقصيدة حبّ رائعة؟

هذا ما كانته «الكوميديا الإلهيّة» لدانتي أليغيري، شاعر القرن الـ14 الإيطاليّ، وقد استغرقت رحلتها سبعة أيام ونصف اليوم، وإن استغرقت كتابتها، وكان في الخامسة والثلاثين، عشر سنوات.

والحال أنّ كلمة «إلهيّة» أضافها إلى العنوان جيوفاني بوكّاتشيو، الشاعر والأديب الذي لم يعرف دانتي، وتوفي بعد وفاته بعشرات السنين، لكنّه كان من أوائل من درسوا نصّه.

«الكوميديا» جاءت في أقسام (cantiche) ثلاثة (وأجزاء ثلاثة): الجحيم والمَطهر والفردوس، أمّا بطلها الراوي فدانتي نفسه، منتقلاً إلى الهداية من موقعه كـ«ضالّ في غابة معتمة»، تعبيراً عن استيلاء الخطايا على إيطاليا، ومتخيّلاً مجازيّاً رحلة الروح إلى الإله. هكذا نراه يوغل أبعد فأبعد في مهاوي الجحيم، مُشاهداً أشكالاً مختلفة من العقاب الفاحش في أمكنته التسعة: البرزخ والشهوة والشراهة والطمع والغضب والهرطقة والعنف والاحتيال، وصولاً إلى الدائرة التاسعة المرعبة التي هي الخيانة.

لكنّ «الكوميديا» هي أيضاً موقف من الأرضيّ. فدانتي، الجنديّ والسياسيّ الفلورنسيّ المؤمن، بل المسكون بأنّه مسيح آخر، كان بالغ النقديّة للكنيسة، كره خصوصاً محسوبيّاتها وممارساتها في شراء المناصب وبيع الإعفاءات من الخطايا. ولمّا كان حزب «السود» المؤيّد للبابويّة الطرف الداعم لتلك الأفعال، كان دانتي من قادة حزب «البيض» الذين دافعوا عن حرّيّات أكبر لفلورنسا حيال البابويّة، كما كان الأكثر جهراً بموقفه من البابا. وفي 1302 نجح «السود» في نفيه من مدينته التي لم يعد إليها، إلاّ أنّه، في ذاك المنفى، أنتج عمله العظيم.

وفي ملحمته «انتقم» دانتي من بعض هؤلاء، فشاهد في الجحيم خُطاة يتفسّخون كفيليبو أرجنتي، السياسيّ الأريستوقراطيّ الفلورنسيّ وأحد زعماء «السود»، وتحدّث مع خاطئ كان يحترق ولم يكن إلاّ البابا نيكولاس الثالث الذي أخبره أنّ الاثنين اللذين سيخلفانه في البابويّة سيشغلان مكانه نفسه. وبقسوة لا تعرف التحفّظ رأى دانتي أنّ بعض الخطاة يستحقّون عقوبات أشدّ إيلاماً، ما اعتُبر تشكيكاً بقرار الإله في تحديد درجة العقاب.

وهذا ما لم يكن مألوفاً في العالم القروسطيّ، خصوصاً في الشعراء، لكنّه كان استباقاً لعصر النهضة الذي عرف ولادته في فلورنسا نفسها. فدانتي وإن مثّل العالم المذكور ونظرته إلى الكون وإلى تمزّقاته وإخفاقاته، فهو أيضاً قدّم بطلاً جديداً هو «رجل النهضة» واسع الأفق والمتجرّئ، وعبّر عن روحيّة النهضة لجهة قدرة الفنّ على صنع العالم، ما سوف نراه لاحقاً مع ليوناردو وميكال إنجلو.

لقد كُتبت «الكوميديا الإلهيّة» بالإيطاليّة، حين كانت اللاتينيّة لا تزال لغة الكتابة والنخبة المتعلّمة، وهذا ما ضمن لها أوسع نطاق من الانتشار والقراءة. بيد أنّ ذاك الإنجاز، الذي عُدّ حدثاً لغويّاً وبالتالي قوميّاً، أدّى إلى تصنيفه مؤسّساً للّغة الأدبيّة الإيطاليّة الحديثة.

ومعروف أنّ دانتي كان قد باشر وضع بحث باللاتينيّة حول اللغة المحلّيّة وأهميّتها لكنّه لم يكمله.

ورغم الصور الكالحة والعنيفة في الجحيم، فإنّ «الكوميديا» قصّة حبّ كذلك. فدانتي الذي زُوّج زواجاً مُدبّراً لابنة أحد الأعيان الفلورنسيّين، كان عاشقاً لامرأة أخرى اسمها بياتريس بورتيناري. ومع أنّ الشائع عن هذا الحبّ الغريب أنّه لم يلتقِ بها إلاّ مرّتين، إحداهما حين كانت طفلة، فاعتبر أنّها بسبب جمالها «ابنة الإله»، والثانية كانت بعد تسع سنوات وقد تزوّجت، فقد أصبحت بياتريس مصدر استلهامه لمدى الحياة. فهي، التي صوّرها كائناً سماويّاً، أطلقت رحلته الى حُفر الجحيم ثمّ إلى شرفات جبل المطهر، مواكِبة سفره الطويل إلى أن ينتهي به المطاف وجهاً لوجه مع الإله. ولئن توفّيت بياتريس فجأة وهي في الرابعة والعشرين، فإنّ دانتي خلّدها بأن أبقاها الروح التي ترشده، فصارت في «الكوميديا» مثال المقدّس المرفوع إلى أعلى ذرى الفردوس.

وإلى بياتريس، شارك في قيادته فيرجيل، الشاعر الرومانيّ الذي ولد قبل المسيح بسبعين سنة، فلعب في رحلته دور العقل المشخصَن. وهذا ما كانت له دلالة رمزيّة تتعلّق بالنظرة الجديدة إلى القدامة الرومانيّة، حيث ما لبث عصر النهضة أن أعاد اكتشاف العالم القديم وجُعل فيرجيل رمزاً للثقافة الكلاسيكيّة الأوروبيّة. أمّا دليل دانتي الثالث، بعد بياتريس وفيرجيل، فهو القديس برنار كلايرفو وهو مفكّر مسيحيّ عاش في القرن الثاني عشر وكان أحد مُصلحي النظام البنيديكتيّ في الكنيسة، وصاحب آراء صوفيّة استهوت دانتي. ومع كلايرفو تنتهي الرحلة الملحمة.

لقد قال دانتي إنّه يستوحي شعره من الروح القدس، وظهر من يقول إنّه أهمّ شاعر في تاريخ العالم، كاد يقنع قارئه بأنّه رأى فعلاً ما رآه ومَن رآه، وإنّه التقى الرب كما تقول الأسطر المئة الأخيرة من قصيدته. ورغم انقضاء قرون على نشر «الكوميديا»، فإنّ ما احتوته من موضوعات الحبّ والخطيئة والخلاص تبنّاه فنّانون وكتّاب لا حصر لهم، من رودان إلى دالي وإزرا باوند.

وثمّة بين النقّاد من أضاف أنّ الشاعر الإيطاليّ الكبير تأثّر بأبي العلاء المعرّي في «رسالة الغفران»، وبابن عربي في «ترجمان الأشواق»، وهو ما لا يصعب إيجاد البراهين عليه في زمن ازدهر خلاله التأثّر والتاثير بين العوالم.


شريط الأخبار الحكومة: "ستاد الحسين بن عبدالله" في مدينة عمرة سيجهز بأحدث التكنولوجيا 6.4 مليار دينار حجم التداول العقاري في الأردن خلال 11 شهرا ولي العهد: أداء جبار من النشامى الأبطال لا تتفاجأوا اذا قاد السفير الأمريكي جاهة لطلب عروس! الحاج توفيق يثمّن فوز الأردن بأربع جوائز عربية للتميّز الحكومي وفاة شاب بالمفرق اثر ضربة برق توماس فريدمان: بوتين يتلاعب بالمبعوثيْن الأميركيين كما لو كان عازف ناي ماهرا عمان غرقت حتى الكتفين بالديون والمياه والكاميرات،، تكريم امين عمان في الخارج المنتخب الوطني يتأهل إلى ربع نهائي كأس العرب 2025 تعميم صادر عن الهيئة البحرية الأردنية بشأن الحالة الجوية المتوقعة وتأثيرها على النشاط البحري اشتداد حالة عدم الاستقرار مساء اليوم شاهد المناطق الأعلى عرضة للأمطار الغزيرة بعد اثارة اخبار البلد.. مهرجان الزيتون يعلن إعادة الرسوم لأصحاب الأفران والمخابز "دار الدواء" تستقبل وفداً من شركة الصالحية وكيل الشركة في السعودية.. صور تحذيرات واسعة… أبل وغوغل تكشفان موجة تجسس تستهدف مستخدمين في 150 دولة استقالتان مفاجئتان لرئيسي جامعتي الإسراء والأميركية في مادبا الهيئة العامة لغرفة تجارة عمّان تقرّ التقريرين الإداري والمالي لعام 2024 غياب التشاركية بين المؤسسة العامة للغذاء والدواء ونقابة الصيادلة … قرارات تعمّق أزمة قطاع الصيدليات ظاهرة نادرة في البترا.. اليكم التفاصيل بالأرقام والنسب والأسماء.. المتحدة للإستثمارات المالية تنشر الملخص الأسبوعي لبورصة عمان جواد العناني يكتب .. وحدة اقتصادية في بلاد الشام