أخبار البلد ـ أظهرت وثيقة استخباراتية أمريكية مُسربة، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أحد أقرب الحلفاء لواشنطن بالشرق الأوسط، أمر مرؤوسيه مؤخراً بإنتاج عشرات الآلاف من الصواريخ ليتم شحنها سراً إلى روسيا، التي تشن منذ أكثر من عام هجوماً على أوكرانيا حليفة الغرب.
صحيفة Washington Post قالت، الإثنين 10 أبريل/نيسان 2023، إن الوثيقة المصنفة على أنها سرية للغاية مؤرخة في 17 فبراير/شباط 2023، مشيرةً إلى أن السيسي يُعد مستفيداً كبيراً من المساعدات الأمريكية بالمنطقة.
يلخص جزء من الوثيقة، المحادثات المزعومة بين السيسي وكبار المسؤولين العسكريين المصريين في البلاد، وتشير الوثيقة إلى خطط لتزويد روسيا بقذائف المدفعية والبارود، وأشارت الصحيفة إلى أن السيسي أمر بإنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ لإرسالها إلى روسيا.
بحسب الوثيقة أيضاً، فإن السيسي أمر المسؤولين المصريين بالحفاظ على سرية إنتاج وشحن الصواريخ من أجل "تجنب المشاكل مع الغرب"، وتقول إن السيسي أصدر تعليمات في 1 فبراير/شباط 2023، وتتحدث الوثيقة عن إخبار شخص يشار إليه فقط باسم صلاح الدين أنه "يجب إخبار عمال المصنع بأن المقذوفات موجهة للجيش المصري".
أشارت الصحيفة إلى أن صلاح الدين الوارد اسمه بالوثيقة، "هو على الأرجح محمد صلاح الدين، وزير الدولة للإنتاج الحربي"، كما نقلت الوثيقة عن صلاح الدين قوله إنه سيأمر موظفيه بالعمل بنظام الورديات إذا لزم الأمر، "لأنه أقل ما يمكن أن تفعله مصر لرد الجميل لروسيا"، مقابل المساعدة في وقت سابق، فيما لم توضح الوثيقة ما هي المساعدة الروسية.
كذلك نقلت الوثيقة المسربة عن صلاح الدين قوله إن "الروس أخبروه أنهم على استعداد لشراء أي شيء"، وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن موسكو والقاهرة وقعتا مؤخراً العديد من الاتفاقيات، بما في ذلك اتفاق بشأن السكك الحديدية بمصر.
كما لفتت الصحيفة إلى أن الحرب بين أوكرانيا وروسيا، عرقلت الحصول على القمح الأوكراني، لذا أصبحت القاهرة تعتمد بشكل أكبر على الحبوب الروسية، ما ساعد القاهرة على تجنب نقص القمح الذي من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات في البلد الذي يعاني أصلاً من انتشار الفقر.
تنقل الوثيقة أيضاً عن السيسي قوله إنه يفكر في بيع "أشياء عادية" إلى الصين، من أجل إفساح المجال "لمزيد من إنتاج صقر 45″، في إشارة إلى نوع من الصواريخ عيار 122 ملم التي تصنعها مصر.
وفيما لا تذكر الوثيقة صراحة، ما إذا كانت الصواريخ التي سيتم إنتاجها لروسيا هي صواريخ "صقر 45″، فإن الصحيفة الأمريكية قالت إن هذه الصواريخ ستكون متوافقة مع قاذفات الصواريخ المتعددة الروسية من طراز غراد.
تقول صحيفة Washington Post إنها حصلت على الوثيقة، ضمن مجموعة من صور الملفات السرية المنشورة في فبراير/شباط، ومارس/آذار 2023 على موقع "ديسكورت"، الشائع بين ممارسي الألعاب الإلكترونية، وهذه الوثائق تم تسريبها من أمريكا في حادثة أربكت واشنطن.
تحقيق في تسريب الوثائق
لا تتحدث الوثيقة بشكل صريح عن سبب اهتمام روسيا بالحصول على الصواريخ، إلا أن جيشها يستهلك كميات هائلة من الذخيرة في الحرب بأوكرانيا، وكانت أمريكا قد ادعت في وقت سابق أن كوريا الشمالية تزود موسكو سراً بالقذائف، وأن الصين تفكر بذلك أيضاً.
في رده على أسئلة بخصوص الوثيقة المسربة، وما تضمنته من حديث عن محادثات بين السيسي ومسؤولين بالبلاد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد إن "موقف مصر منذ البداية يقوم على عدم التدخل في هذه الأزمة، والالتزام بالمحافظة على مسافة متساوية مع الجانبين".
أضاف أبو زيد أن القاهرة تؤكد على "دعم مصر لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونواصل حث الطرفين على وقف الأعمال العدائية والتوصل إلى حل سياسي من خلال المفاوضات".
من جانبه، قال مسؤول في الحكومة الأمريكية، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه: "لسنا على علم بأي تنفيذ لتلك الخطة"، في إشارة إلى ما تضمنته الوثيقة من نقل الصواريخ والقذائف لروسيا، مضيفاً: "لم نر ذلك يحدث".
بدورها، أشارت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، إلى أن وزارة العدل فتحت تحقيقاً في تسريب وثائق سرية.
دعوات لإعادة تقييم العلاقات
من جهته، قال السيناتور الديمقراطي، كريس مورفي، والذي يعمل في لجنتي العلاقات الخارجية والمخصصات بمجلس الشيوخ، إن "مصر هي واحدة من أقدم حلفائنا في الشرق الأوسط، وإذا كان الحديث عن أن السيسي يصنّع سراً صواريخ لروسيا يمكن استخدامها في أوكرانيا صحيحاً، فنحن بحاجة إلى مراجعة جادة بشأن علاقتنا".
كذلك اعتبرت سارة مارغون، مديرة السياسة الخارجية الأمريكية في مؤسسة "المجتمع المفتوح"، أن "البيع والتسليم المتعمدين للصواريخ إلى الحكومة الروسية، التي ارتكبت جرائم حرب فظيعة، يتجاوزان حدود السلوك المقبول بمراحل، خاصة بالنسبة لحليف مقرّب ظاهرياً للولايات المتحدة".
أضافت مارغون أنّ ما تم الكشف عنه في الوثيقة، إذا كان صحيحاً فإنه "يثير التساؤل بشأن ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة الاستمرار في الدفاع عن مصر ودعمها".
تُشير الصحيفة الأمريكية، إلى أن تقديم الأسلحة لروسيا في حربها على أوكرانيا، سيمثل مناورة قد تنفجر في وجه مصر، التي وعلى الرغم من علاقاتها العميقة مع روسيا، إلا أنها لا تزال تستثمر بعمق في شراكتها مع الولايات المتحدة، التي قدمت على مدى عقود أكثر من مليار دولار سنوياً للقاهرة عبر مساعدات أمنية.
كانت مصر، مثل شركاء آخرين لأمريكا في الشرق الأوسط، قد حاولت البقاء على الهامش في المواجهة بين الدول الغربية وروسيا بشأن أوكرانيا.
يُشار إلى أن تسريب الوثائق الأمريكية الحساسة من وزارة الدفاع "البنتاغون" أثار ارتباكاً في الإدارة الأمريكية، التي تواصل تحقيقاتها لمعرفة المسؤولين عن التسريب.