اخبار البلد - قررت الحكومة المصرية تسهيل منح جنسية البلاد لمن يرغب من الأجانب حال إيداع وديعة مصرفية بالدولار الأميركي أو شراء عقار ودفع ثمنه بالعملة نفسها، حسب ما نشرت الجريدة الرسمية، في ظل أزمة نقص في العملة الصعبة يشهدها البلد العربي.
ولئن كانت مصر تبحث عن نوعية من الأجانب ممن يقدرون على توفير العملة الصعبة وشراء العقارات وضخ الاستثمارات، فإنها عمليا ستجد نفسها تستهدف دولا مأزومة يبحث مواطنوها عن إقامة أكثر من جنسية مثل الفلسطينيين والسوريين والليبيين.
وقال كريم العمدة الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي إن قرار بيع الجنسية المصرية للعرب والأجانب يفتقد الواقعية. ولئن كانت هذه الفكرة خارج الصندوق فإنها لن تكون مجدية بشكل مباشر في حل جزء معتبر من الأزمة الاقتصادية، لأنها غير مدروسة بصورة كافية.
وأكد العمدة أن "حلول الحكومة للأزمة الاقتصادية تعكس وجود غياب للرؤية، مقابل ارتباك ظاهر في بعض القرارات والسياسات”، لافتا إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي بحاجة إلى حكومة تُجاري نجاحاته وسعيه لبناء الدولة المصرية بأفكار ورؤى طموحة وواقعية وعقلانية، ووفق دراسات محترفة، لأن الحكومة الحالية تفتقد حتى الآن كل هذه المواصفات.
وأشار إلى أن الأجانب في مصر يتمتعون بمزايا تفوق في بعض الأحيان ما يتحصل عليه المصريون أنفسهم، ولا توجد امتيازات يمكن منحها لمن يشتري الجنسية المصرية، وإذا كانت الحكومة تستهدف مواطنين ينتمون إلى دول تعيش صراعات أمنية وسياسية مثل الصومال وليبيا وسوريا والسودان والعراق، فهؤلاء لو توفّرت لهم عشرات الآلاف من الدولارات سيختارون الإقامة في دولة أجنبية، لا العيش والاستقرار في دولة كمصر، وإذا المقصود مواطنو دول الخليج فهؤلاء لا يحتاجون إلى الجنسية المصرية، لأن جنسياتهم لها مزايا مهمة في دول عديدة.
ويستبعد مراقبون أن تكون الحصيلة الاقتصادية لبيع الجنسية كبيرة، ربما تكون العواقب السياسية كبيرة لأن الدولة تبدو هنا ساعية لاعتماد كل وسيلة تؤدي إلى الحصول على الدولار، وهو ما يظهر مدى محدودية الخيارات التي من شأنها أن تُعتمد في الإصلاح الاقتصادي المباشر، وإذا جاءت الحصيلة ضئيلة ستبدو الجنسية المصرية غير مرغوب فيها عربيا.
ونقلت صحيفة "الأهرام” الحكومية الأربعاء نسخة الجريدة الرسمية، التي تضمنت القرار الذي يجيز لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي منح الجنسية المصرية لطالب التجنيس متى توافرت في شأنه حالات معينة.
وأوردت الجريدة الرسمية حالات أربع تسمح لرئيس الحكومة المصرية بمنح الجنسية، من بينها "إيداع مبلغ 250 ألف دولار.. تؤول إلى خزانة الدولة ولا ترد”، أو مقابل وديعة مصرفية بقيمة نصف مليون دولار تسترد بعد ثلاث سنوات بالجنيه المصري ودون عائد.
كذلك تُمنح الجنسية المصرية إذا قام الشخص الراغب في ذلك بشراء "عقار مملوك للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتباريين بمبلغ لا يقل عن 300 ألف دولار”.
ويشمل القرار أيضا من أسس أو شارك في "مشروع استثماري بمبلغ لا يقل عن 350 ألف دولار.. مع إيداع مبلغ 100 ألف دولار في الخزانة العامة للدولة لا يرد”.
وكان مجلس النواب المصري أقر في 2018 قانونا يسمح للأجانب بطلب الحصول على الجنسية مقابل وديعة مصرفية.
وجاء قرار الحكومة المصرية بتخفيف شروط منح الجنسية للأجانب كنافذة لتدفق الدولار إلى خزينة البنك المركزي، ويستهدف المستثمرين العرب المقيمين في مصر، من سوريا وليبيا واليمن والعراق، والذين دشنوا مشاريع خلال الفترة الماضية بمصر وشهدت نجاحات ملحوظة، خاصة في قطاعات الأغذية والملابس.
ولا تعد تلك التسهيلات تقليلا من شأن الجنسية المصرية كونها تجذب بعض رجال الأعمال، كما لا يمكن الجزم بأن هناك تعثرًا في بيع الشركات المصرية التي تم الإعلان عنها أخيرًا وأن هذه الخطوة تعويض لذلك.
وتؤكد هذه الخطوة عمق المأزق الحقيقي المتمثل في شح الدولار، رغم إعلان البنك المركزي عن زيادة الاحتياطي النقدي وانخفاض حجم الدين الخارجي نسبيا.
وتكمن أهمية القرار في أنه خطوة استباقية من السلطات المصرية للحصول على الدولار خوفا من تخارج الأموال الساخنة مجددا بعد إعلان محافظ الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن أسعار الفائدة على الدولار ربما تكون أعلى من المتوقع في المرحلة المقبلة.
وتأتي قرارات مدبولي في إطار سعي مصر إلى زيادة مواردها بالدولار في ظل نقص حاد للعملة الخضراء وارتفاع معدل التضخم الذي بلغ 26.5 في المئة خلال يناير الماضي.
وفي العام الماضي تراجعت قيمة العملة المصرية وسط ظروف اقتصادية صعبة، ليبلغ سعر الدولار حاليا نحو 31 جنيها مقابل 15.6 في مارس 2022.
وفي هذا الصدد أيضا عرضت الحكومة العديد من الأصول المملوكة للدولة للبيع، إذ أن القرض الذي حصلت عليه القاهرة في نهاية 2022 من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار كان مصحوبا بشروط من بينها خصخصة العديد من الشركات العامة والإبقاء على سعر صرف مرن للجنيه المصري حتى يعكس قيمته الحقيقية.