بقلم احمد النسور
فرزت خطة الحكومة في هيكلة الرواتب كمّا كبيرا من الاحتجاجات والتداعيات شملت قطاعات واسعة وصلت مدياتها الى غرف نومنا في هذا الشتاء البارد, بعد ان هدد المعلمون بالاضراب المفتوح وهذا كثير بالنسبة لعوائل لا تستطيع ان توفر زيت الوقود... ردّاً على تحجيم علاوات المعلمين وخفضها بما لا يتناسب مع ادوارهم في خدمة المجتمع واعلاء شأن مهنة طالما أنشدنا القصائد (الفرط) لتوقيرها,وعندما جاء المخاض ألفينا حملنا كاذبا, نحلب ضرعا ناشفا ونستمطر ماء لم يحن وقت اوانه..
إن ما يزيد على مليون طالب وطالبة سيبقون حبيسي البيوت بعد عطلة طويلة عض فيها برد كانون اجسادهم النحيلة فتسمّروا يصطلون بنار المدافئ,وقد برّح الشوق بهم للخروج من اسر الرتابة البليدة وروائح العفن الصدئه التي شرخت ارواحهم,سيما وان لا مناشط تساعد في امتصاص فائض الوقت وتثمير الطاقات المهدورة...
إن وزارة التربية والتعليم وممثلي المعلمين قد فشلوا في التوصل الى حل توافقي يعيدهم الى المدارس مما يعني اننا لم نتوصل عبر الحوار الى حلول وان (المكاسرة) هي سيّدة الموقف وان الاحتكام للشارع هو الحكم فإما ان تتراجع الوزارة عن قضم الحقوق التي اهدرت واما الاضراب...
إن الامر يستدعي وقف تغوّل القرار الاداري على المعلمين الذي ادى الى احداث خرائط جديدة وانقسامات وقصفا سجاليا لنكتشف في النهاية اننا نخبط خبط عشواء شعارنا الاقصاء وعدم الاعتراف بالاخر...
ولمَ لا يتاح للمعلمين ان يقرروا مصيرهم وفق حقائق ومكتسبات ووعود لم يتم الوفاء بها,كيف لنا ان (ننطّ )عنهم وان نطلق التصريحات الاعلامية المنحازة لهم التي تؤخذ فيها الصور التذكارية ونتنكر لها...?
إن كثيرا من الخبراء يرون ان ما جرى تحت مسمى الهيكلة ما هو إلا (فكفكة) لما تبقى من هيبة مؤسسات الدولة وخلخلة لقيم راكمت تجربة ثرية وناضجة عبر السنين, وان هذا الارتجال الاداري سيؤدي الى هز اليقين وتهادي المركب في وسط امواج عاتية, وكان يمكن اختصار هذه الوليمة الفجة باهظة التكاليف والزفة الاعلامية التي رافقتها بتعديل معادلة التقاعد والتعاطي مع واقع الخدمة المدنية قطاعيا وبشكل مدروس بحيث تكون المخرجات المالية محسوبة سلفا لا ان نزيد من اخطاء نجمت عن النظام الجديد لايمكن علاجها, سيما وانها قد سلقت على عجل ولم تؤد الغايات المقصودة منها...
وزارة التربية مدعوّة للالتقاء مع مطالب المعلمين المُحقّة في منتصف الطريق لا ان تقف على أطلال عزّ مهدّمة تندب حظها لانصاف من مدّ المسيرة منذ البيعة بنور العلم والمعرفة والاستقامة واليد النظيفة.