الجواب يعتمد على: تعريفنا لمفهوم "الفلسفة"، ثم توقيت تعليمها.
أما تلك المقاربة التي تَشترط وجوب صلة ابتدائية بين "الفلسفة" و"الإيمان" حتى نقبلها فخاطئةٌ أساسًا؛ لأن مصدر معرفتنا الدينية نحن المسلمينَ هو "الوحي"، وليس العلوم الطبيعية أو التجريدية، ولذلك ثمة أساتذة للفلسفة مؤمنون بالله، وثمة في المقابل أساتذة للعلوم التجريبية ملحدون، مع أن البرهنة على الوجود الإلهي بالعلوم أسهل ألف مرة منها بالتجريديات!
وبالتالي؛ فالمشكلة في "العقل الـمُستَقبِل" لا في ماهية العلم نفسه، فليس هناك علم بالمدلول المعرفي يدعو إلى كفر، وآخر يدعو إلى تعميق الإيمان، وإنما هناك "عقل" استقبل ما ليس له فأَفْسَدَه! وهذا يُشبه تمامًا قولَنا: "إن الزواج هو السبب الرئيسي للطلاق!"، أو "السيارات هي السبب الرئيسي لحوادث السير!"، أو "المال سبب رئيسي للتطور الاقتصادي!"؛ فليست العِلة في الزواج بل في الزوجين، وليست في السيارة نفسها بل بالسائقين، وليست في المال بل في إدارته.
ولذلك، ينبغي تحقق شرط "الاستعداد العقلي" قبل تدريسها: فهل يَصلح جميع الطلاب جامعيين ومَدْرسيين لدراسة الفلسفة؟ بوجه عام كلا، فقط الموهوبون (استعداد فطري) منهم، وليس الأذكياء، شريطة أن يكون ذلك في التوقيت المناسب للتعليم بعد اكتمال البناء المعرفي للطالب الجامعي، وليس في التعليم المدرسي حيث العُود الغَضُّ، وعدم اكتمال المناعة الإيمانية.
ولك أن تتخيل أن أول شروط قَبُولك في كلية الطب في أمريكا هو نَيْل شهادة بكالوريس في العلوم أو الرياضيات أو الهندسة، ثم يأتي الشرط الثاني الصعب جدًّا (امتحان MCAT)، ثم الثالث الأشد صعوبةً (المقابلة الشخصية)، فإن اجتاز الطالب هذه الثلاثة أُجِيزَ لكلية الطب أخيرًا!
و"الفلسفة" لا ينبغي أن تكون أقلَّ صَرَامةً من الطب في تلك المعايير، بل لعلها أشد خطرًا على صاحبها والمجتمع بأسره إنْ سُكِبت في وعاءٍ لا يَحْتوي سعتها، ولا يَقِي من تَطاير مادتها (عقل غير مؤهل)؛ فخطورة الطب في الجسد، وخطورة الفكر (الفلسفة) تكون في الدين وعقيدة المجتمع، والثانية أشد خطرًا؛ لأن بوسعك أن تَعِيش مؤمنًا مع خطأ طبي، ولا يَسَعك أن تَعِيش سليم البدن مع فساد دينك!
وبعض الناس قد يُلحِد أو يَبْتدع أو يُبدِّل دينَه إذا تعمق في دراسة الشريعة بنفسه وفهمه؛ لأنه ليس مؤهلًا لترجمة ما يَقرأ بنفسه، وإلا لكان كل الناس فقهاء وأطباء وميكانيكيين وطيارين!
الخلاصة: نحن لا ندرس "الفلسفة" ابتداءً لنستدل بها على وجود الله، بل ندرسها كسياق معرفي لنتعلَّم طرقًا جديدة في التفكير العقلي يُوصِل إلى الله؛ لأنها تعني -عند فيلسوف الأخلاق العلَّامة د.طه عبدالرحمن- "فن السؤال"، والسؤال عن سر الوجود الإنساني والـمَوْجود المادي جاء في القرآن الكريم في مَعْرض الإشادة به، لا التحذير منه؛ لأنه أول الطريق إلى فهم حقيقة هذا الوجود العظيم!