أخبار البلد - خففت روسيا المخاوف من شبح أزمة غذاء تلوح في مصر عندما قدمت تطمينات بشأن استئناف إمدادات القمح إليها، ومنحتها ورقة قوية في مفاوضاتها المتعددة مع بعض الدول الغربية التي قصدتها القاهرة للمساعدة على تخفيف حدة الأزمة الغذائية بعد توقف تصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا مؤخرا. لكن ماذا ستقدم مصر مقابل سلة الغذاء الروسية الممنوحة لها؟
وتؤثر هذه الخطوة على موقف الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ضمن عملية استقطاب مصر في الأزمة المحتدمة بين هذه الدول وروسيا على خلفية الحرب التي شنتها الأخيرة على أوكرانيا، وتتضمن الخطوة رسالة يفيد مضمونها بأن القاهرة لن تغير موقفها السياسي الذي لا يعادي موسكو، ولن تبدي ليونة أو تعاطفا مع ما يتخذه الغرب من عقوبات ومواقف صارمة تجاه روسيا.
ويرفع تخفيف ضغوط الأزمة الغذائية في مصر عن كاهل الحكومة إحدى الأزمات الخطيرة التي واجهتها في الفترة الماضية، ما يمهد الطريق لإمكانية حدوث تفاهمات اقتصادية كبيرة مع روسيا لها مردود إيجابي على مستقبل العلاقات بين البلدين.
وبذلت روسيا جهودا لإيجاد موطئ قدم عسكري في مصر برًّا وبحرًا، غير أنها اصطدمت بموانع عديدة أرخت بظلالها على تطوير العلاقات الروسية – المصرية. لكن الأولى وجدت في البوابة الاقتصادية، ممثلة في الحاجة الملحة إلى إمدادات الغذاء وتنفيذ مشروع محطة الضبعة النووية، مدخلا مناسبا لتثبيت قدميها في مصر.
روسيا استثمرت الضغوط الشعبية على النظام المصري والمتاعب التي يواجهها في اتصالاته الخارجية لتخفيف أزمة الغذاء
ويقول مراقبون إن موسكو استثمرت الضغوط الشعبية التي يعانيها النظام المصري والمتاعب التي يواجهها في مفاوضاته مع بعض الدول الغربية لتخفيف أزمة الغذاء كي تؤكد أنها طرف يمكن الاعتماد عليه وأن نتائج الأزمة الروسية – الأوكرانية قد تجعلها رقما محوريا في العالم عندما يهدأ ضجيج السلاح.
ويشير هؤلاء المراقبون لـ”العرب” إلى أن المعادلة التي حاولت القاهرة الحفاظ عليها منذ بداية الأزمة الروسية – الأوكرانية ربما تختل قواعدها قريبا وتميل أكثر نحو موقف موسكو.
ووجدت القاهرة نفسها في وضعية حرجة؛ كيف تحافظ على علاقاتها القديمة مع روسيا دون أن تخسر علاقاتها الوثيقة بقوى غربية سعت لعزل موسكو وفرضت عليها عقوبات؟
وأقدمت روسيا على تطمين مصر بخصوص مسألة القمح لتؤكد حرصها على دعم حلفائها عمليّا وعدم الدخول في مساومات على مصير سلعة مهمة واستراتيجية للشعب المصري، تحاول القاهرة بشكل حثيث تحاشي حدوث نقص محتمل فيها بالسوق المحلية.
وأكد وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف في مؤتمر صُحُفي مع نظيره المصري سامح شكري في القاهرة الأحد "التزام مصدري الحبوب الروس بالوفاء بجميع التزاماتهم مع مصر”، وقال في هذا الصدد "ناقشنا معايير محددة للتعاون في هذا المجال واتفقنا على المزيد من الاتصالات بين الوزارات المعنية ولدينا فهم مشترك لأسباب أزمة الحبوب”.
ولم يعلن لافروف عن القيام بخطوات محددة بشأن مسألة توريد المواد الغذائية التي تمر بأزمة هيكلية في العالم وتضافرت عليها الكثير من العوامل الإقليمية والدولية حتى أدخلتها نفقا انعكست آثاره السلبية على مصر كأكبر دولة مستوردة للقمح.
Thumbnail
وتواجه مصر، مثل العديد من الدول، صعوبات في توفير القمح منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث توقف تصدير شحناته عبر موانئ البلدين، ما اضطر القاهرة إلى البحث عن أسواق بديلة يباع فيها القمح بأسعار باهظة لسد احتياجاتها من هذه السلعة الحيوية.
وسادت حالة من الغموض حول اتفاق استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، والذي رعته تركيا والأمم المتحدة الجمعة، بعد قيام موسكو بقصف ميناء أوديسا في اليوم التالي لتوقيع الاتفاق، وهو ما أثّر على سير السفن نحو مقاصدها.
وفي البحر الأسود أدت محاصرة الأسطول الروسي للموانئ الأوكرانية إلى احتجاز ملايين الأطنان من الحبوب، ما زاد في حدة اختناق سلاسل التوريد العالمية.
وتنفي روسيا مسؤوليتها عن أزمة الغذاء التي تعزو نشوبها إلى عاملين رئيسيين؛ العقوبات الغربية التي أبطأت صادراتها من الحبوب والأسمدة، من جهة، وتلغيم أوكرانيا للطرق المؤدية إلى الموانئ الروسية، من جهة أخرى.
651.4
ألف طن، قيمة صادرات القمح الأوكراني مستحوذة على 10.7 في المئة من إجمالي واردات القمح المصري
وقال الخبير في الشؤون الروسية محمد فراج أبوالنور إن "موسكو قادرة على الوفاء بتعهداتها بانتظام تصدير القمح إلى مصر، والعقوبات المفروضة عليها لا تؤثر على عملية التوريد؛ فبعض البنوك التي كانت تشملها العقوبات جرى رفعها لارتباطها بعمليات تصدير المواد الغذائية، كما أن السفن الروسية التجارية تستطيع الخروج من البحر الأسود ويقتصر تقييد التحركات من جانب تركيا على السفن العسكرية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن "القاهرة أعلنت في وقت مبكر من اندلاع الحرب رفضها العقوبات الاقتصادية، وطالبت ببحث الأزمة الأوكرانية في سياق الأوضاع والدوافع التي أفضت إليها، وهي إشارة تحوي رفضا غير مباشر للدور الغربي”.
وهناك علاقات تجارية واقتصادية وعسكرية وطيدة تضعها موسكو في اعتبارها من وراء تطميناتها بشأن توريد القمح، وثمة تعاون في استخدامات التكنولوجيا النووية ومشاريع المنطقة الصناعية الروسية في شرق قناة السويس، كما أن هناك إعادة توطين لصناعة عربات القطارات الروسية في مصر.
وأعلنت مصر في يونيو الماضي الشروع في تنفيذ أول وحدة للطاقة في محطة الضبعة النووية شمالي البلاد بالتعاون مع شركة "روساتوم” الروسية، وتمثل الوحدة أضخم مشاريع الطاقة التي تتبناها مصر، وتبلغ تكلفة المشروع نحو 25 مليار دولار.
وتنطوي هذه المشاريع على تعاون اقتصادي وثيق بين البلدين يمكن أن يخدم طموحات موسكو في المنطقة، وهو ما لا ترتاح له الولايات المتحدة.
وتصدرت روسيا قائمة أعلى 10 دول استوردت مصر منها القمح خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2021، وسجلت قيمة واردات منها نحو 1.2 مليار دولار بكمية بلغت 4.2 مليون طن لتستحوذ على 69.4 في المئة من واردات مصر من القمح.
وجاءت أوكرانيا في المرتبة الثانية بقيمة 649.4 مليون دولار وبكمية بلغت 651.4 ألف طن، مستحوذة على 10.7 في المئة من إجمالي واردات القمح المصري.