أخبار البلد - لا شيء يدعو إلى الدهشة أو المفاجأة في تفاصيل اللقاء الذي جمع بين القيادة الفلسطينية والرئيس الأمريكي جو بايدن، ذلك في حدود ما أعلن عنه، فكل ما جرى تم توقعه بحذافيره، اللهم إلا الكثير من الإمعان في استعراض صهيونية الرئيس الأمريكي وتمتين علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بدولة الاحتلال الإسرائيلي ضمن تحالف إقليمي وعربي. فأكثر ما أغضب الفلسطينيين هو ذلك التبجح من الرئيس الأمريكي بأنه صهيوني، وهو الأمر الذي يعرفه الفلسطينيون، فالصهيونية مشروع استعماري استيطاني أوروبي.
وبحسب القيادي عزام الأحمد، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فإن لا شيء يدعو إلى المفاجأة فيما جرى خلال زيارة الرئيس الأمريكي.
وعكست تفاصيل الزيارة القصيرة جدا، وهو أمر كان مدعاة للسخرية والتهكم فلسطينيا، حجم المفارقة بين ما يطالب به الفلسطينيون ويتوقعونه وبين ما يمكن لإدارة الرئيس الأمريكي تقديمه في ضوء معادلات كثيرة ليس أقلها تراجع حضور القضية الفلسطينية.
وبدأ الأمر رهين جانبين، معجل يريده بايدن ويقدر عليه وتمثل في التأكيد على مقولات سياسية من دون أي فعل، والتركيز على الملف الاقتصادي ودعم السلطة الفلسطينية ماليا، ومؤجل فهو ما تريده السلطة الفلسطينية وبقي طي الكتمان والتجاهل الأمريكي حتى في تلك اللحظة التي تحدث عنها الرئيس الفلسطيني في كلمته إلى جانب الرئيس بايدن.
مبالغة في التحذير
ورغم أن القيادة الفلسطينية بالغت من التحذير بما من شأنه أن يفشل زيارة بايدن، وهو ما ظهر على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ الذي قال «إذا فشلت زيارة الرئيس الأمريكي سنذهب جميعا إلى مربع غير مريح».
وأضاف في تصريحات صحافية: «فقدان الأمل لدى الفلسطينيين واستمرار هذه السياسة الإسرائيلية الميدانية اليومية بالتصعيد والتنكيل والقتل والاستيطان والاجتياح لم تعد تُحتمل».
وتابع الشيخ: «نأمل أن تكون مخرجات الزيارة إيجابية وتعطينا الأمل وتمكّننا من الذهاب لمرحلة أكثر تقدما وإيجابية وفي مقدمتها إطلاق أفق سياسي وإجبار إسرائيل على الالتزام بالشرعية الدولية، وإيمان إسرائيل والولايات المتحدة بأن الحل الأفضل هو حل الدولتين وفقا لقرارات الشرعية الدولية وأن تلتزم الإدارة الأمريكية بالمبادئ التي قطعتها على نفسها لنا وهي حل الدولتين ووقف الاستيطان ووقف تهجير السكان ووقف الإجراءات الأحادية وفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. وللأسف لم يتحقق شيء من القضايا».
كل تلك القائمة من المطالب تكررت أثناء خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فيما ما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي بايدن عزز عدم إيجابية الزيارة.
ترقيع سياسي
الكاتب ووزير الثقافة الفلسطيني السابق إيهاب بسيسو قال إنه يمكن للرئيس الأمريكي أن يختصر زيارته لبيت لحم لدقائق، يستطيع أن يقترح تسهيلات حياتية ودعما متواضعا رمزيا للقطاع الصحي الفلسطيني خصوصاً في مستشفيات القدس. ولكنه للأسف لن يستطيع الحديث بوضوح عن انحياز الإدارة الأمريكية للعدالة وضرورة محاكمة قتلة الإعلامية القديرة شيرين أبو عاقلة، ولن يتحدث في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية والحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة والغلاء العالمي عن ضرورة إزالة المستوطنات والحواجز وإنهاء الاحتلال انسجاماً مع القوانين والمعاهدات الدولية.
وأضاف: «كان بإمكان الرئيس بايدن على الأقل تخصيص بعض الوقت للاجتماع مع أمريكيين من أصل فلسطيني يقيمون في فلسطين المحتلة والاستماع منهم عن قيود الاحتلال المتواصلة على الحركة البشرية ومنها على الأقل حصار التعليم العالي في فلسطين عبر تحديد عدد الخبراء الأجانب القادمين من دول العالم للتعاقد والعمل في الجامعات الفلسطينية، وتحديد فترات إقامتهم في فلسطين المحتلة بما يعد انتهاكا آخر لحق الفلسطيني في التعلم والتواصل مع الآخرين».
وتابع: «كان بإمكان الرئيس الأمريكي الظهور بقوة عبر الحديث عن ضرورة تضافر الجهود الرسمية والشعبية من أجل تعزيز مفهوم العدالة والحرية التي ينص عليها الدستور الأمريكي، والتي لا تنفصل عن القيم الإنسانية العالمية ولا تقتصر على شعب دون الآخر ولا تميز بين البشر، لكنه بالمقابل تورط في مشهد ترقيع سياسي مُستهلك لدرجة لم يعد فيها مجدياً أو مقنعاً على صعيد أي خطاب سياسي يفتقد أي مضامين سياسية جدية، تخص الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال».
وبحسب بسيسو فإن الزيارة بشقها الإعلامي والبروتوكولي والإنساني المدروس بعناية ناجحة من حيث إبراز صورة محددة لنشاط السياسة الخارجية الأمريكية إعلامياً في المنطقة غير أنه كما يبدو نجاحا لزيارة الصورة، لا أكثر. وتبدو أهمية الزيارة متممة لأدوار سابقة في تعزيز طبيعة الرؤية الأمريكية في فلسطين والمتمثلة في «الحفاظ على استقرار الوضع القائم» والعمل على «منع أي انهيار في المشهد الحالي» مع تقديم «دعم إنساني محدود» وتشجيع المزيد من الدعم الإنساني عربياً ودولياً ليضفي بعض الحيوية على الأخبار ويغذي شهية الإعلام للحديث عن الدور الأمريكي النشط في المنطقة، ولكن على حساب الأبعاد السياسية الجادة، خصوصاً في ظل انفتاح أجندة الرئيس الأمريكي للاجتماع مع رئيس حكومة الاحتلال والمعارضة، في حين اقتصار الأجندة فلسطينياً على لقاء رسمي مقتضب في بيت لحم. بهذا تكون نتائج الزيارة متوقعة سلفاً فهي تنتمي لذلك النمط من الخطوات السياسية التي تسبق فيها النتائج الحدث نفسه، وربما في هذه الحالة تكون النتائج هي الحدث لا أكثر.
بدوره قال الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية، ان إدارة بايدن تقوم على أساس يمنح إسرائيل الوقت اللازم لتصفية إمكانية قيام دولة فلسطينية.
وقال البرغوثي في بيان صحافي، ان تصريحات بايدن بأن حل الدولتين ليس في المستقبل القريب، بالتوازي مع رفض إدارته ممارسة أي ضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان المنفلت، يعني منح إسرائيل الوقت اللازم لتصفية إمكانية قيام دولة فلسطينية وتكريس الاحتلال الأبارتهايد.
وشدد البرغوثي أنه في حال استمر الفلسطينيون أسرى لقفص حل الدولتين فإن ذلك يعني أننا في قفص لن يفتح أبدا، في حين أن المخرج الوحيد هو أن يصبح الهدف والمطلب الفلسطيني ليس إنهاء الاحتلال بل إسقاط نظام الأبارتهايد الحالي.
ورأى البرغوثي أنه لم يكن من الممكن إصدار بيان سياسي مشترك، لأن هناك فرقا كبيرا وبونا شاسعا بين المواقف الفلسطينية وبين رؤية أمريكية تتبنى الموقف الإسرائيلي بشكل شبه كامل.
وكانت صحيفة «هآرتس» قد كشفت الخميس أن بايدن طلب من رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد، إبلاغ الإدارة الأمريكية بأي خطوة تنوي حكومته القيام بها تجاه السلطة الفلسطينية والضفة الغربية، حتى لا تتفاجأ إدارة بايدن بها. وأضافت الصحيفة أن بايدن طلب أيضًا من لابيد تكثيف الاستثمارات المشتركة والمبادرات الاقتصادية مع الفلسطينيين لتحسين أوضاعهم. بدوره قال مكتب لابيد، إنه وبايدن «تبادلا الآراء» حول الشأن الفلسطيني، واستعرض لابيد الإجراءات التي قامت بها حكومة الاحتلال من أجل تحسين نسيج الحياة الفلسطيني في المجالات المختلفة.
إنجازات اقتصادية وأسئلة القيادة
وانتقد فلسطينيون بعض الإنجازات الاقتصادية التي حملتها زيارة بايدن والتي من أبرزها 300 مليون دولار للأونروا ولمستشفيات القدس، وفتح معبر «الكرامة» الجسر 24 ساعة اعتبارا من أيلول/سبتمبر المقبل مع «تحسين» التنقل وتسهيل حركته. وتقديم خدمات الجيل الرابع في الضفة، ومن الجيل الثاني إلى الرابع في غزة. وضمان عدم انعدام الأمن الغذائي وتقديم قسائم غذائية ومساعدات نقدية. وزيادة تصاريح العمل لعمال وتجار قطاع غزة إلى 15500 تصريح، وموافقة إسرائيل على تسجيل 5500 من المواطنين غير المسجلين في سجل السكان.
وحسب المحلل السياسي هاني المصري فإن الرئيس الأمريكي هدف إلى تعزيز الدعم الأمريكي لإسرائيل ومواصلة دمجها بالمنطقة، ودعم تطبيق خطة السلام الاقتصادي وتقليص الصراع.
وتابع: على الجانب الفلسطيني فإنه هدف إلى استمرار بقاء السلطة لمواصلة دورها الوظيفي، مقابل فتات من المساعدات ضمن سقف سياسي أمني اقتصادي بعيدا عن إنهاء الاحتلال والحقوق الفلسطينية كافة.
ويبقى السؤال الحالي ماذا بعد؟ في ظل تأكيد القيادي عزام الأحمد على ان ما جرى غير كاف على الإطلاق، حيث لا بد من إحياء عملية السلام، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وهو أمر لا يتطرق له الرئيس الأمريكي.
يذكر أن تصريحات القيادي حسين الشيخ كانت قد تناولت الاستحقاق الذي قطعه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بخصوص الأمم المتحدة وسحب الاعتراف بإسرائيل، مشددا أن هناك مجموعة من الإجراءات التي أقرتها القيادة وتم تأجيل النظر بها، حيث نوه «أنه إذا خرجت الزيارة بخفي حنين، أعتقد بأنه لم يعد هناك مناص وخيار أمام القيادة الفلسطينية».
ويكون السؤال المنتظر هو كيف تنظر القيادة الفلسطينية إلى نتائج هذه الزيارة؟ وكيف يمكن أن تتحرك سياسيا؟ أم عليها أن تنتظر نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة لمعرفة خريطة المواقف الجديدة وعليها يتم ترحيل القرار الفلسطيني مرة أخرى.