اخبار البلد - كشفت الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن ليبية عن الاتجاه إلى السيناريو العراقي الذي يقوم على الفوضى الأمنية والتخويف منها للإبقاء على حكم الميليشيات وتثبيت نظام المحاصصة المناطقية، وذلك بعد الفشل في التوصل إلى تسوية سياسية شاملة برعاية خارجية.
وقال مراقبون للشأن الليبي إن الأجسام المختلفة في طبرق وبنغازي والعاصمة طرابلس نجحت في الالتفاف على تحركات "السترات الصفراء” الليبية، التي تحركت في البداية لأجل مطالب مباشرة خاصة ما تعلق بالانقطاعات المتتالية للكهرباء وبالظروف المعيشية الصعبة قبل أن تتحول إلى مطالب أشمل بالدعوة إلى إسقاط كل الأجسام السياسية المسيطرة على المناطق في البلاد.
وأشار المراقبون إلى أن القوى الحاكمة في المناطق المختلفة باتت متفقة على الأمر الواقع في توزيع للأدوار غير ظاهر للعيان لكنه قائم، حيث اكتفت كل منطقة بإدارة أزمة التظاهرات وامتصاص غضب المحتجين عبر سلسلة من الوعود الجديدة، لكن النتيجة الأهم أن وجود الاحتجاجات كشف عن اعتراف متبادل من حكومتي طرابلس وسرت وبرلمان طبرق وكذلك قيادة الجيش في بنغازي بأن الأولوية هي لإسكات الغضب الشعبي خوفا من أن يقود إلى نتائج تمس بقاعدة المحاصصة القبلية والمناطقية التي تقود ليبيا في السنوات الأخيرة.
وأضافوا أن الناس لم يتحركوا بهذا الأسلوب العنيف إلا بعد أن يئسوا من أي تغيير يأتي من عند السياسيين الذين استمروا لسنوات في تحقيق أجنداتهم الخاصة دون مراعاة أوضاع الناس وحاجتهم إلى الأمن وتحسين وضعهم المعيشي والصحي وتحسين الخدمات الحياتية الضرورية.
واستغرب هؤلاء لجوء بعض السياسيين مثل رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة إلى التصريح بأنه يتفهم مطالب الناس ويدعمها، فلماذا لم يتواصل مع الناس ويستجب لمطالبهم قبل أن يتحرك الشارع، لافتين إلى أن اقترابه من بعض الفئات كان استعراضيا وأن هدفه هو التسويق لنفسه للانتخابات القادمة، وليس ضمن خطة واضحة لتحسين أوضاع الناس.
وقال الدبيبة "أضم صوتي إلى المتظاهرين في عموم البلاد، على جميع الأجسام الرحيل بما فيها الحكومة، ولا سبيل لذلك إلا عبر الانتخابات”.
وأضاف الدبيبة الذي سعى لركوب موجة الاحتجاج أن "الأطراف المعرقلة للانتخابات يعلمها الشعب الليبي، ونفسها التي عرقلت الميزانيات وأغلقت النفط والذي ساهم في تفاقم الأزمة المعيشية”.
وانطلقت المظاهرات بالتزامن في مدن طرابلس ومصراتة وسرت وبني وليد وسبها وطبرق والبيضاء وبنغازي وأجدابيا وسلوق.
وجاءت بعد يوم من إعلان مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني ويليامز عن تعثر الاتفاق بين رئيسي مجلسي النواب والدولة عقيلة صالح وخالد المشري على قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات، معلنة أيضا عن إعادة إحالة الأمر إلى المجلسين "ما يعني زيادة في تمطيط المشهد واستمرار المجلسين في السلطة لأجل غير محدد، بعد فشلهما الواضح في إدارة البلاد”، حسب وصف بعض المتظاهرين.
وبدأت المظاهرات عصر الجمعة بشكل سلمي تغير لاحقا في بعض المناطق، وأعلن المتظاهرون عن عدة مطالب تتلخص في رفض الأجسام السياسية الحالية ممثلة في مجلسي النواب والدولة والحكومتين، وتفويض المجلس الأعلى للقضاء أو المجلس الرئاسي في حلها جميعا، وإعلان حالة الطوارئ، والتعجيل بالانتخابات، وإخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، ورفض العسكرة وتسلط الميليشيات، مع التفعيل الحقيقي لمؤسستي الجيش والشرطة، بالإضافة إلى حل أزمة الكهرباء الخانقة، وإلغاء مقترح قرار رفع دعم المحروقات، وتعديل حجم رغيف الخبز وسعره.
وفي طرابلس تجمع المتظاهرون في ميدان الشهداء، ثم انتقلوا أمام مقر رئاسة الوزراء في طريق السكة، حيث تم تفريقهم ليلا عبر إطلاق النار في الهواء.
وفي مناطق أخرى من العاصمة، قام بعض الشباب بإغلاق طرق رئيسية بالإطارات المحترقة، خاصة في منطقتي تاجوراء وغوط الشعال، ما تسبب في حالة ازدحام حادة انتهت مع فتح أغلب الطرق صباحا، إلا أن بعض المخابز أغلقت أبوابها للمشاركة في الاحتجاج.
وفي مصراتة قام المتظاهرون بإغلاق الطريق الساحلي وحاولوا اقتحام مبنى البلدية، وطالبوا بإعلان العصيان المدني إلى حين حل الأجسام السياسية.
وفي شرق البلاد قام متظاهرون في مدينة البيضاء برمي صور قائد الجيش خليفة حفتر بالحجارة، في ظاهرة غير مسبوقة شرقا، أما في طبرق بأقصى الشرق فقد قام المتظاهرون باقتحام مقر مجلس النواب عبر جرافة، وأحرقوا جزءا من محتوياته، الأمر الذي اعتبره المجلس في بيان مقتضب السبت "جريمة يعاقب عليها القانون”، إلا أنه في نفس الوقت أكد على حق التظاهر والتعبير السلمي.
ووصفت ستيفاني ويليامز، مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، التي ترعى عملية سياسية متعثّرة، تخريب البرلمان بأنه "غير مقبول”، داعية جميع الأطراف إلى "ضبط النفس”.
واعتبر سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا جوزيه ساباتيل أن التظاهرات "تؤكد أن الناس يريدون التغيير عبر الانتخابات ويجب أن تُسمع أصواتهم”.
وجاءت تصريحات بعض النواب متباينة، فقد اعتبر النائب، جبريل أوحيدة، اقتحام المجلس "جريمة مدفوعة الأجر”، محمّلا عقيلة مسؤولية الإخفاق السياسي، وداعيا إيّاه للتنحي، مع استمرار المجلس.
اقرأ أيضا: الطبخة السياسية لستيفاني تفسدها المظاهرات الشعبية في ليبيا
وطالب النائب زياد دغيم، بـ”استقالة جماعية للنواب، وتسليم الزمام للمجلس الرئاسي”، ووافقه النائب، بلخير الشعاب، الذي رأى ضرورة اعترافهم بالفشل في حلّ الأزمة، ومغادرة المشهد.
وفشلت ليبيا في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية كانت مقررة يوم الرابع والعشرين من ديسمبر من العام الماضي، بسبب خلاف بين الفرقاء على القاعدة الانتخابية.
وقال المحلل المتخصص بالشأن الليبي جلال حرشاوي "منذ أكثر من عام، احتُكرت الغالبية العظمى من جهود الدبلوماسية والوساطة في ما يتعلق بليبيا عبر مفهوم الانتخابات التي لن تجرى قبل عامين على الأقل نظراً إلى فشل المفاوضات في جنيف الخميس برعاية الأمم المتحدة”.
وأضاف أن الاقتصاد "كان ينبغي أن يكون الأولوية الحقيقية للجميع”، مشيرا إلى أن "العام 2022 كان مؤلماً للغاية بالنسبة إلى الليبيين لأسباب عدة”، وأن "ليبيا تستورد كافة موادها الغذائية تقريباً وأثّرت الحرب في أوكرانيا على أسعار الاستهلاك كما في العديد من دول المنطقة”.