نعم هو السؤال الذي يحير الجميع وفيه الكثير من المبالغة حتى اصبح وسيلة للاصطياد في الماء العكر من قبل المتربصين والحاقدين ومثيري الفتن والقلاقل ونازعي الثقة ما بين الشعب والحكومة، الامر الذي يتطلب منا الاجابة عليه بشفافية وبوضوح وبالارقام، بالرغم من ان الاجابة عليه ستكون صادمة وبالغة القسوة.
وضع الضرائب من قبل حكومتنا تحديدا وعلى مدار السنوات الماضية من عمر الدولة لم يكن هدفه الرفاهية أو زيادة المصاريف الحكومية، وهذا ما تشهد عليه بنود الموازنة العامة بكافة تفاصيلها والخاضعة لرقابة جماعية من قبل العديد من الجهات من مجلس امة وديوان المحاسبة ومكافحة الفساد وغيرها من الجهات، فما يتم تحصله للدولة من ضرائب «دخل ومبيعات» لا يكاد يغطي فاتورة الرواتب السنوية للموظفين، وهذا الشيء لا ينطبق على موازنة الحكومة فقط بل ايضا في موازنة «امانه عمان» التي هي صورة مصغرة تكفيك للاجابة على سؤال اين تذهب الضرائب ولماذا تحصل اصلا.
مجموع ما يحصل من ضريبتي «المبيعات والدخل» وهذا كله بعد العديد من أجراءات التشدد بتحصيلات ضريبة الدخل لم يتجاوز مبلغ 5 مليارات دينار وتشكل ما يقارب 50% من حجم موازنة الدولة، غير ان المفارقة الكبيرة تكمن بانها لا تغطي فاتورة الرواتب في الجهاز الحكومي والتي تبلغ 60% من حجم الموازنة، أي ان كافة النفقات الحكومية والمصاريف والانفاق على المشاريع الرأس مالية وبرامج التشغيل وغيرها من المصاريف الكثيرة تأتي فقط من ايرادات اخرى قليلة تضاف اليها المساعدات والمنح والقروض التي تستدينها الحكومة لتغطية عجز موازنتها.
ولعل ما صدمني مؤخرا، وخاصة انني كنت احد الذين كانوا يعتقدون أن «أمانة عمان» تأخذ الضرائب والرسوم على الهواء الذي نتفسه في العاصمة وعلى كل شي تقدمه لنا من خدمات، وكنت اتساءل لماذا لديها عجز وديون واين تذهب باموالها، الى حين ان اكتشفت ان مجموع ما تجنيه الأمانة من ضرائب ورسوم لا يصل الى مستوى فاتورة الرواتب المرتفعة فيها والتي تبلغ 180 مليون دينار بينما تحصيلاتها لا تتجاوز 130 مليونا، فمن اين اذن تأتي بباقي المصاريف من وقود وحركة ومشاريع خدمية لتغطي الامتداد الكبير للعاصمة عمان وزيادة عدد سكانها.
باختصار هذه الاجابة عن سؤال: اين تذهب الضرائب التي تدفعونها ولماذا؟، غير ان السؤال الاهم والذي لربما لم يأت على بال احد ممن يتساءلون هو: ماذا لو لم تضع الحكومة الضرائب او انها استغنت عن نصفها ماذا كان سيحصل لحالنا اليوم، وبالتأكيد الاجابة ستكون صادمة أكثر وخاصة اذا ما قررنا ان الاردن دولة تفتقر الى الامكانيات والموارد، فالبطالة ستكون اضعاف ما هي عليه الان والمديونية ستكون وصلت الى مراحل الافلاس والخدمات ستكون اسوأ من حال دول فقيرة طرقها ليست معبدة ولا يوجد بها تعليم وصحة ولا وسائل نقل متطورة، بالاضافة الى ان عملتنا ستكون من اضعف العملات وجهازنا المصرفي هزيل والصناعة لا تكاد تكون موجودة والتجارة معدومة، وغيرها وغيرها من انجازاتنا التي تترجمها العيون المبصرة والعقول المفكرة وتجحدها قلة حاقدة.
موازنة الدولة.. لا تنكر الدور الكبير للضرائب التي تدفعونها في عملية التنمية والاستدامة ومواصلة دورها في تلبية النفقات الجارية والرأس مالية رغم انها لا تغطيها كلها، غير انها تنكر تماما اي فساد او رفاهية تأتي اليها من هذه الضرائب فما تقدمونه يعود لكم اما رواتب او خدمات للمواطنين والقطاع الخاص ومع ذلك تستدين وتقترض وتطلب المنح للايفاء ببقية التزاماتها تجاهكم وتجاه الدولة.