واليوم الإثنين 20 ديسمبر/كانون الأول طالبت روسيا برد أمريكي عاجل على مطالبها الأمنية، وحذرت مجدداً من رد عسكري ما لم يكن هناك تحرك سياسي لمعالجة مخاوفها الاستراتيجية في شرق أوروبا.
كانت موسكو، التي أثارت قلق الغرب بحشد قواتها بالقرب من أوكرانيا، قد كشفت الأسبوع الماضي عن قائمة من الطلبات الأمنية التي تريد التفاوض بشأنها، منها تعهد حلف شمال الأطلسي بالتخلي عن أي نشاط عسكري في شرق أوروبا وأوكرانيا.
وقالت واشنطن إن بعض المقترحات الروسية غير مقبولة، ولكنها سترد في وقت ما هذا الأسبوع بمقترحات أكثر تحديداً حول شكل أي محادثات. وقال دبلوماسي روسي في فيينا إن طبيعة العلاقات بين موسكو وحلف شمال الأطلسي وصلت إلى "لحظة حاسمة".
ونقلت وكالة الإعلام الروسية عنه قوله: "يجب أن يكون النقاش جاداً وأن يفهم الجميع في حلف شمال الأطلسي أنه على الرغم من قوتهم ونفوذهم فإنه يجب اتخاذ إجراء سياسي ملموس، وإلا فسيكون البديل رداً عسكرياً من جانب روسيا".
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف إن موسكو لم تتسلَّم حتى الآن أي رد من الولايات المتحدة. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عنه قوله: "أعتقد أنهم سيحاولون تحويل ذلك إلى عملية بطيئة، لكننا نحتاج إلى أن تكون عاجلة لأن الوضع صعب جداً وخطير وقد يصبح أكثر تعقيداً".
مواصفات الصاروخ "الشيطان2" الروسي
بالتزامن مع هذا الوضع الصعب والخطير، كشفت صحيفة The Sun البريطانية عن استعداد الجيش الروسي لتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "سارمات" أو "ساتان2″/الشيطان2″، والذي يصفه خبراء عسكريون بأنه قادر على قلب التوازن الاستراتيجي لصالح الروس في مواجهة حلف الناتو بزعامة واشنطن.
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، تبلغ سرعة "صاروخ بوتين" الجديد 16 ألف ميل في الساعة، ويمكن تزويده بـ12 رأساً حربية نووية، مما يعني قدرة الصاروخ على تدمير المملكة المتحدة بأكملها.
خصائص صاروخ "الشيطان" الباليستي الروسي وقدرته على المناورة تجعل من المستحيل على أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية لدى حلف الناتو أن تعترضه، حسبما ذكرت الصحيفة البريطانية.
وبحسب خبراء عسكريين يتمثل التهديد الرئيسي من الصاروخ الروسي الجديد، الذي قال الكرملين إنه سيدخل الخدمة العام القادم 2022، في حقيقة أن الصاروخ قادر على المناورة أثناء الطيران واتباع مسار غير متوقع. وفي 100% من الحالات، ستكون الصواريخ البالستية العابرة للقارات قادرة على تجاوز أنظمة الدفاع الصاروخي؛ مما يجعل قوات الناتو بلا حول ولا قوة أمام الأسلحة الروسية.
وبالإضافة إلى ذلك، في عام 2022، سيجري الجيش الروسي ما لا يقل عن عشر تجارب إطلاق صواريخ، وهو ضعف ما كان عليه العام الماضي. ويعتقد تقرير الصحيفة البريطانية أن وتيرة التجارب الصاروخية في روسيا زادت بسبب مخاوف الكرملين فيما يتعلق بالوضع المتوتر في أوكرانيا.
في السياق ذاته، صرح مصدر مطلع لوكالة سبوتنيك بأن روسيا ستجري في القطب الشمالي حتى نهاية هذا العام، اختبارات لإطلاق النار باستخدام نظام دفاع جوي حديث مع اعتراض عملي لهدف تفوق سرعته سرعة الصوت.
وقال المصدر: "بحلول نهاية العام، في إحدى الحقول العسكرية في الدائرة القطبية الشمالية، سيجري اختبار إطلاق النار باستخدام نظام حديث مضاد للصواريخ. وسيتعين على المجمع اكتشاف هدف أسرع من الصوت ومرافقته وضربه".
روسيا ترفع راية التحدي بأسلحتها فرط الصوتية
ولم يحدد المصدر نوع نظام الدفاع الصاروخي، لكنه أشار إلى أنه "يجب إصابة الهدف في إطار التجارب على مسافة مئات الكيلومترات". وحالياً، يستخدم الجيش الروسي أنظمة الصواريخ إس-400 للدفاع الجوي، بالإضافة إلى ذلك، توشك اختبارات أحدث نظام دفاع جوي/دفاع صاروخي إس-500 على الانتهاء.
كما تطوِّر موسكو نظام دفاع صاروخي خاص متنقلاً إس-550، ومع ذلك، لم يتم الإبلاغ سابقاً عن وجود نماذج أولية قادرة على المشاركة في الاختبارات.
تزامن الكشف عن قرب دخول "الشيطان2" إلى الخدمة مع اليوم السنوي لقوات الصواريخ الاستراتيجية في روسيا، وقال الجنرال كاراكاييف: "بداية من عام 2022، نخطط لأن تحل صواريخ (سارمات) محل أنظمة صواريخ فويفودا الثقيلة والتي تحتاج لمنصات إطلاق خاصة".
ويمكن لصاروخ سارمات أو الشيطان2 حمل من 10 إلى 15 رأساً حربية يصل وزن الرأس الواحد منها إلى 10 أطنان، ويمكن للصاروخ إسقاط تلك الرؤوس الحربية في أي مكان في العالم؛ من خلال الطيران فوق القطبين الشمالي أو الجنوبي ثم الانقضاض على الهدف في ظل سرعة فرط صوتية تقترب من 16 ألف ميل في الساعة، بحسب الكرملين.
وأضاف بيان الكرملين: "ويمتلك الصاروخ القدرة على المراوغة وتغيير مساره بسرعته الفائقة؛ مما يجعل رصده واعتراضه وتدميره مهمة مستحيلة على أي نظام دفاع صاروخي مهما كان متطوراً".
وتعهد كاراكييف بمواصلة تطوير الأسلحة فرط الصوتية، التي تنطلق بسرعات تتفوق على أي نظام دفاع صاروخي، بغرض المحافظة على التقدم الروسي في مواجهة الغرب في هذه النقطة الحاسمة: "لا بد أن نفهم هذا ونفعله ونطور المزيد من الأسلحة فرط الصوتية".
وأضاف قائد وحدة الصواريخ الاستراتيجية الروسية: "عندما يتوصلون (الغرب) للقاح مضاد لصواريخنا فرط الصوتية، لا بد أن نكون سبقناهم بتطوير سلاح أسرع. وهذا ما نفعله اليوم، حيث هناك المزيد من المفاجآت".
هل تندلع الحرب العالمية الثالثة من أوكرانيا؟
بعض المحللين الغربيين يرون في الكشف المتتالي عن صواريخ جديدة مرعبة من جانب بوتين استعراضاً للقوة لا يعني بالضرورة أن روسيا ستقدم بالفعل على غزو أوكرانيا، لكن البعض الآخر يرى أن الرئيس الروسي لن يتنازل هذه المرة عن "الخط الأحمر" الذي وضعه للناتو بزعامة الولايات المتحدة.
فالإعلام الروسي كان يشير، منذ فترة، إلى أن بوتين قد وضع "خطاً أحمر" يتعلق بإلغاء حلف الناتو لأي خطط تشمل ضم أوكرانيا إلى الحلف، وهو ما تأكد رسمياً بعد أن كشفت الخارجية الروسية عن مطالبها التي أرسلتها للأمريكيين، وتستعجل الرد عليها اليوم.
وهكذا أصبح احتمال إقدام روسيا على غزو أوكرانيا حديث الساعة حول العالم، خصوصاً بعد أن فشل اتصال الساعتين بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره الأمريكي جو بايدن في نزع فتيل القنبلة التي تهدِّد شظاياها أوروبا والعالم أيضاً.
واللافت أن بايدن عندما التقى بوتين وجهاً لوجه في جنيف منتصف يونيو/حزيران الماضي، لم يكن القلق من تطور الأمور بين الجانبين إلى درجة الاشتعال هو المسيطر على الرئيس الأمريكي، بل كانت الصين هي همه الأكبر، وقالت تقارير إنه يسعى إلى عرقلة التقارب الروسي-الصيني.
لكن تطورات الأزمة الأوكرانية وصلت إلى نقطة حرجة بالفعل جعلت الحديث عن احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة يطفو على السطح، وذلك لأن الرئيس الروسي لا تبدو عليه أي مؤشرات للتراجع عن "خطوطه الحمراء"، وفي المقابل يبدو مستحيلاً أن توافق إدارة بايدن على تلك المطالب الروسية.
كما أن ما كان يخشاه الأمريكيون يبدو وأنه قد وقع بالفعل، إذ أجرى بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ اتصالاً مرئياً قبل أيام ناقشا خلاله، إضافة إلى الرفض لما سمياه التدخل الغربي في شؤونهما، ضرورة تأسيس نظام مالي مستقل عن النظام العالمي الحالي "سويفت" أو ما سماه المحللون "بطاقة حمراء للدولار الأمريكي".
وتزامناً مع تلك التطورات، تواصل روسيا حشد المزيد من قواتها العسكرية على الحدود الأوكرانية، وتظهر صور الأقمار الصناعية نقل آلاف الدبابات والعتاد العسكري ومستشفى ميداني إلى نقاط التماس بين الجانبين، مما يشير إلى أن الاجتياح الروسي لدونباس الأوكرانية قد يقع في أي لحظة.
وترفع روسيا راية التحدي في وجه الغرب، الذي يوجه انتقادات ويلوِّح بالعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية دون رفع السقف إلى التهديد بالتدخل العسكري، فترد موسكو بأن تحريك قواتها العسكرية بأي صورة تراها هو قرار سيادي لا يحق للغرب التعليق عليه من الأساس.
هذه الصورة المعقَّدة تثير المخاوف مما قد يحدث في حالة وقوع غزو روسي بالفعل، إذ عندها ستجد إدارة بايدن وقيادة حلف الناتو أنفسهم في وضع لا يطاق، خصوصاً أن العقوبات الاقتصادية باتت لا تمثل رادعاً كافياً لبوتين ولا للرئيس الصيني، فما الذي سيمنع شي من غزو تايوان أيضاً؟