بحسب المدير العام لآثار منطقة الأقصر ومصر العليا، الدكتور محمد يحيى عويضة، فإن رسائل عثر عليها باللغة السومرية، تُشير إلى أن مدينة الطود التاريخية، جنوب شرقي مدينة الأقصر بصعيد مصر، كانت تُصدّر الأواني الفخارية لتستخدم في معابد بابل القديمة.
سيرا على خطى الفنانة السويسرية إيفلين بوريه مؤسسة مدرسة الخزف والفخار، بقرية تونس في محافظة الفيوم المصرية، انتقل الشقيقان بركات وصالح صالح توفيق من قريتهما في الفيوم، إلى منطقة القُرنَة بالبر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر، حيث أقاما أول مدرسة لتعليم صناعة الخزف والفخار بالمنطقة الغنية بمئات المقابر وعشرات المعابد التي شيدها ملوك وملكات ونبلاء مصر القديمة قبل آلاف السنين.
المدرسة التي تطل على متحف وبيت البريطاني هوارد كارتر، مكتشف كنوز ومقبرة الفرعون الذهبي الملك توت عنخ آمون، بدأت تستقبل الراغبين في دراسة وتعلم فنون الخزف والفخار من المصريين والأجانب المقيمين في المنطقة.
أجيال من الخزافين
يقول الشقيقان بركات وصالح إن الهدف من المدرسة هو إحياء فنون قدماء المصريين، الذين سكنوا المنطقة قبل آلاف السنين -وشيدوا المعابد ونحتوا المقابر في بطون الجبال وأقاموا أول وأقدم قرية للفنانين بالعالم- ونقل تلك الفنون إلى بلدان العالم أجمع عبر تعليم متدربين وطلاب أجانب ينتمون لقارات مختلفة بالعالم، ومن خلال تخريج أجيال جديدة من الخزافين المصريين.
ويشير الشقيقان، إلى أن فكرة المدرسة جاءت امتدادا لتلك المدرسة الشهيرة التي شيدتها الفنانة السويسرية إيفلين بوريه (1940– 2021)، في قريتهم تونس بمحافظة الفيوم، حيث أوفدتهم الفنانة لنقل تجربتها في قرية تونس إلى الأقصر، وذلك بعد النجاح الكبير والشهرة العالمية التي حظيت بها قرية تونس، التي صارت مكانا يزوره عشاق الفنون من سياح العالم.
ولفت الشقيقان -في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية- إلى أنهما نجحا قبل عامين في أن يستقلا بالمدرسة عن مشروع الفنانة السويسرية إيفلين بوريه، وأن تصبح مدرستهما غربي الأقصر، مشروعا مستقلا يعتمد على إنتاجه من القطع الخزفية ومنتجات الفخار، من دون الحاجة إلى جهات داعمة، وأن ذلك كان هو المخطط للمدرسة عند افتتحتها الفنانة السويسرية -التي فارقت الحياة هذا العام- قبل قرابة عشر سنوات، وذلك بعد أن جعلت من قرية تونس في محافظة الفيوم مزارا فنيا عالميا.
ويؤكد الشقيقان بركات وصالح على أن مدرستهما نجحت أيضا في إحياء فنون الخزف والفخار، وحماية تلك الفنون المصرية القديمة من الاندثار، وأن أجيالا جديدة من الأطفال والشبان والفتيات، صاروا قادرين على ممارسة تلك الفنون، وذلك بعد أن صاروا يمتلكون أدواتهم الفنية التي جعلتهم مؤهلين لممارسة تلك الفنون بجدارة. وصارت منتجاتهم تُصدر للكثير من البلدان، وتُباع للسياح الأجانب الذين يفدون بالآلاف لزيارة المعابد والمقابر الأثرية في المنطقة.
ويقول الراوي أحمد وهو تربوي من سكان منطقة القُرنَة -حيث تقع مدرسة الخزف والفخار- إن المدرسة جاءت لتسد فراغا كانت تحتاجه المنطقة التي تتفرد بوجود عدد ضخم من الفنانين الفطريين، الذين يعملون في نحت ونقش ورسم التماثيل واللوحات التي يستلهمونها من المعابد، ومن النقوش والرسوم التي تُزين مقابر قدماء المصريين، والمنحوتة في صخور الجبال بالمنطقة، حيث تباع تلك التماثيل واللوحات للزوار من سياح العالم، الذين يفدون على مدار العام لزيارة معابد ومقابر ملوك وملكات ونبلاء الفراعنة التي تنتشر بطول المنطقة وعرضها.
فنون عريقة
ويُشير الراوي -في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية- إلى أن فنون الخزف والفخار كانت غائبة عن المنطقة، برغم كونها فنونا عرفها قدماء المصريين من الفنانين الذين سكنوا في البر الغربي للأقصر قبل آلاف السنين، لافتا إلى أن المدرسة باتت قِبلة للكثير من الأطفال والشباب من سكان المنطقة، بجانب السياح الأجانب الذين يقيمون بشكل دائم في الأقصر، لتنضم فنون الخزف والفخار إلى فنون نحت التماثيل واللوحات الفرعونية، التي يشتهر بها السكان المحليون.
ومن المعروف أن مصر القديمة، عرفت فنون الخزف والفخار قبل آلاف السنين، كما عرفت تصدير منتجاتها من الفخار إلى البلدان المجاورة، مثل أرض بابل.
وبحسب المدير العام لآثار منطقة الأقصر ومصر العليا، الدكتور محمد يحيى عويضة، فإن رسائل عثر عليها باللغة السومرية، تُشير إلى أن مدينة الطود التاريخية، جنوب شرقي مدينة الأقصر بصعيد مصر، كانت تُصدّر الأواني الفخارية لتستخدم في معابد بابل القديمة.
وكما يقول عويضة، لوكالة الأنباء الألمانية، إن قدماء المصريين عرفوا نوعين من الفخار، أجودهما هو "الفيانس" الذي كان يُعرف لدى قدماء المصريين باسم "اللامع" والذي استعمل في صنعه الكوارتز، وتضمنت المنتجات المصنعة من الفيانس في مصر القديمة، الخرز والجعارين وتماثيل "الأوشابتي المجيبة" التي كانت توضع ضمن متعلقات الموتى عند دفنهم داخل المقابر، ومجموعات الحُلي والأواني الزخرفية.
وأما النوع الثاني من الفخار -وهو الذي كان الأكثر استعمالا- فقد صنع من طمي نهر النيل، وقد عرفت بعض المناطق بجودة الطمي بها وصلاحيته العالية لصناعة الفخار، مثل منطقة "البلاص" في محافظة قنا، والتي تشتهر حتى اليوم بصناعة منتجات الفخار. ولفت إلى أن صناعة الفخار في مصر العليا، تقدمت تقدما عظيما في عصور ما قبل التاريخ، وأن أواني الدولة الحديثة -في مصر القديمة- اشتهرت بالطلاءات الزاهية، والزخارف الزهرية بهيجة المنظر.