مع بزوغ الفجر من كل جمعة يسارع المزارعون و"العربجية" وتجار الحمير إلى هذه السوق الموجودة بمنطقة البراجيل شمالي الجيزة، ولها شهرة واسعة بين راغبي بيع أو شراء الحمير.
السوق مقامة على مساحة فدان ونصف الفدان وتستوعب ما يقرب من 1000 رأس من الحمير على وجه الخصوص وبعض الخيول، ويعود تاريخ إنشاءها لأكثر من 50 عاما حسب بعض المتعاملين بها.
وقت الذروة والتكدس وأوج عمليات البيع والشراء تكون في تمام السادسة صباحا
في هذا التوقيت تتعالى الأصوات، ويقف منادٍ على كل شادر يصفق وينادى، حتى يجذب الزبائن إلى البضاعة التي يصفها بعبارات مثل أجمل أنواع الحمير، أو حمير ذات أصل "متربية على الغالي"، "تعالى خد حمارك وهتشوف الفرق بين أرضك وأرض جارك".
بمجرد الدخول إلى سوق البراجيل، تري الحمير متراصة عن اليمين وعن اليسار، وكل منها له لون وسن وحجم وسعر، ويتبارى أصحابها في تقديم أسعار تنافسية للفوز بعمليات البيع قبل بزوغ الشمس.
تجد في السوق بجانب قطعان الحمير، تزاحما بين راغبي الشراء والسماسرة وخبراء متخصصين في عملية تقييم السعر العادل وحقيقة سن الحمار ويستعين بهؤلاء الخبراء على وجه الخصوص من جاء السوق للشراء لأول مرة ويخشى أن يتم النصب عليه.
الخبرة هنا لم تكن نتيجة دراسة في مدراس أو جامعات، ولكن ممارسة عبر حضور عمليات بيع وشراء للحمير على مدى عشرات السنين، حتى أصبح من يملكها يتكسب من ورائها 50 جنيها لكل عملية بيع يقوم بإتمامها ويتحملها المشتري.
وبينما تضج السوق بأصوات المنادين المختلطة مع صهيل الخيول ونهيق الحمير، يجلس المعلم سعداوي صابر (58 عاماً) أحد أكبر تجار الحمير بسوق البراجيل متذكرا أجمل أيامه هذه السوق، التي قال إنه جاء إليها منذ نعومه أظافره.
"أعمل بهذه المهنة منذ 40 عاماً، وكانت مهنة أبويا وجدي"، بهذه الجملة بدأ صابر ذو الأصول الصعيدية حديثه مع "
وفقا لصابر فإن أسعار الحمير تتراوح تبدأ من 800 جنيه لتصل إلى 4 آلاف جنيه، وتنوع الأسعار يرضى جميع الشرائح حسب حاجة كل شخص.
وأكد أنه رغم أهمية الحمار الذكر في بعض الأعمال الشاقة وخاصة جر العربات الكارو الحمولات الكبيرة، فإن الأغلى ثمنا هي أنثي الحمار لأنها لا تكل عن العمل ولا تأكل كثيراً ويكثر الطلب عليها من الفلاح، علي عكس ذكر الحمار الذي يعمل ببطىء وكثير النشوذ والرفس.
ويتابع أن الفرق في السعر حسب عمر الحمار وقوة البنية، حيث يتم التعرف علي عمر الحمار من "فحص الأسنان" وهذا الأمر الذي يحتاج خبرة كبيرة، بالإضافة لضرورة التأكد من عدم وجود جروح أو كدمات في جسم الحمار أثناء عملية البيع أو الشراء، وأن الكثير لا يفضل الحمير التي تعاني من جروح لأنه دليل على أن قواها قد خارت.
تمر عملية الشراء والبيع في السوق تحت رقابة المجلس المحلي للقرية، وهو المسؤول عن وضع أسعار استرشادية للسوق، ويحصل على 5 جنيهات عن كل عملية بيع أو شراء، وفقا لبعض تجار السوق.
وكما هو الحال في شراء سيارة أو فإن بيع أو شراء الحمير يتم داخل السوق عبر ورقة تشبه التعاقد حفظا للحقوق.
"مفيش حمار بيتباع من غير ورقة المبايعة وهذا ضمان للمشتري خشية أن يكون الحمار مسروقا. وهذه الورقة تحمل اسم البائع ورقم بطاقته الشخصية"، هكذا قال سعداوي صابر.
منبع الحمير القوية والعفية هو صعيد مصر، حيث يهتم أصحابها بأكلها ورعايتها جيدا، مما يجعل الصعيد مقصدا للعديد من التجار يشترون الحمير الجيدة من هناك ويأتون بها لسوق البراجيل لبيعها وتحقيق مكاسب، وفقا لسعداوي الذي أكد أنه يفعل هذا الأمر منذ أكثر من 25 عاما.
كارم السيد، يعمل عربجي، وحضر إلى السوق لشراء حمار يجر عربته، قال إن أسعار الحمير ترتفع في مواسم الحصاد، حيث يعتمد الفلاح علي الحمير بشكل كبير في تحميل المحاصيل وكذلك تسميد وحرث الأرض.
وأضاف كارم أن الحمار يكلفه 200 جنيه شهرياً نظير طعامه، مؤكدا أنه تعود على تقدير تعب الحمار وتحمله الظروف والعمل الصعب ولذلك لا يتأخر عنه في طعام أو شراب.
الدخول إلى السوق يتم بدون رسوم ولكن دخول السوق ليس كالخروج منها، فموظفي بوابة السوق التابعين للمجلس القروي يحصلون عن كل حمار خارج 5 جنيهات كرسوم استخدام لمرفق من مرافق القرية.
ومن أجل تلبية لوازم الحمير أو الخيول فإن السوق يوجد بها منطقة مخصصة لبيع إكسسوارات وزينة الحمار من "بردعة ولجام"، وكذلك يوجد قصاصون "حلاقون" يقومون بعمل قصات مميزة تعطي جمالا لشكل الحمير قبل أن يعود به مشتريه إلى بيته، مقابل 10 جنيهات للقصة.
انتقد سعداوي سوء رعاية الحمار عند مالكه وعدم الرقابة البيطرية، قائلاً: "منذ 10 سنوات تقريباً كان يوجد بالسوق طبيب بيطري يقوم بالكشف على الحمير، ولكن هذا الأمر اختفى الآن مما أثر بالسلب على صحة الحمير وجودتها".
وكما هو الحال في الأسواق العالمية التي تأثرت بفيروس كورونا، فإن سوق الحمير في البراجيل بالجيزة تأثرت هي الأخرى من تداعيات الفيروس التاجي، حيث أصبحت تعاني ركودا كبيرا لدرجة دفعت بعض التجار لخفض الأسعار بشكل كبير وصل إلى 500 جنيه في بعض الأحيان من أجل الحفاظ على استمرار حركة البيع والشراء بالسوق وعدم توفقها تماما.