بالرغم من معرفة النظام الحاكم في سوريا بلون النوايا الخفية الكامنة وراء المبادرة العربية التي ترأستها قطر لحل الأزمة السورية، إلا أن حزب البعث السوري كان من الذكاء والدهاء بحيث وافق على مبادئ المبادرة وبدأ في اللعب على أوتار شروطها، خاصة أن هذه المبادرة تمثل عصا النجاة الوحيدة والأخيرة أمام النظام السوري المتورط اليوم حتى النخاع في دماء مواطنيه السوريين.
إلا أن المبادرة التي ولدت شبه ميتة تعاني الآن من سكرات الموت الأخيرة وتلفظ أنفاسها للأسباب التالية:
أولا: إن الشعب السوري هو الطرف الوحيد المتضرر جراء كل الأحداث الدامية في سوريا، وبالتالي فهو وحده المعني بوحدة وسلامة وأمن واستقرار سوريا، وهو المستفيد من انتهاء الأزمة السورية سواء بسقوط نظام الأسد الفوري، أو من خلال انتقال تدريجي للسلطة أو عبر جلوس النظام والمعارضة على طاولة المفاوضات، طالما أن مطالب الشعب المشروعة في الحياة والكرامة والحرية والديمقراطية والإصلاح قابلة للتحقق، إلا أن هذا الطرف ألا وهو الشعب خارج معادلة المبادرة العربية والتسوية بين الأطراف المتنازعة، وسلامته وحياة أبنائه ودماؤه المهدورة ليست مدرجة من ضمن أولويات المبادرة العربية أو المطالب الدولية.
ثانيا: فاقد الشيء لا يعطيه، ومن المثير للسخرية أن تتقدم الجامعة العربية على تخبطها وانشقاقها، وضعف إرادتها وهزالة مكوناتها، وانقسام أعضائها الذين يعمل كل منهم وفق مصالحه الدولية الخاصة مرتكزا على علاقاته الخارجية المستقلة، ومتوافقا مع أجندة الدول العظمى التي يتبع لها ويدين لها بالولاء والتبعية، من المثير للدهشة أن تتقدم الجامعة العربية بوضعها الحالي الركيك والمفكك وغير المستقر، بمبادرة للطرف السوري على أمل تحقيق الأمن والاستقرار والمنعة له.
ثالثا: دول الخليج العربي التي تقودها على غفلة من الزمن دولة قطر في المبادرات العربية، لم تستطع حتى اليوم أن تعي وتستوعب مضامين سياسية ديمقراطية حرة كريمة في التعامل مع قضاياها الداخلية المحلية إزاء الشعوب، ومع قضاياها الوطنية القومية العربية الكبرى في التعامل مع الدول العربية المجاورة، فهل هذه الدول في موقع يؤهلها حقا لتفهم معاني الثورات الشعبية، وتصدير مفاهيم الحرية والحق والكرامة والديمقراطية لشعوب الدول الأخرى؟ مرة أخرى فاقد الشيء لا يعطيه!
رابعا: وقوف دول الخليج العربي بما تمثله من نفوذ أمريكي في المنطقة، إلى جانب كل من نظام زين العابدين وحسني مبارك مفهوم وواضح، ومساندتها للمجلس الانتقالي الليبي وحلف الناتو ضد نظام القذافي أيضا مفهوم وواضح، وبناء عليه فإن رغبة هذه الدول في سقوط النظام السوري العلوي بما يمثله الأخير من تحالف إيراني روسي مضاد للمحور الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة العربية يكون في هذا الإطار أيضا مفهوما وواضحا.
خامسا: المجلس الوطني السوري الذي يطالب رئيسه برهان غليون بإشراك الأمم المتحدة بجهود الجامعة العربية، وينادي بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية وإرسال مراقبين دوليين وتدويل الملف السوري، غير راغب بأن يتم إنقاذ الموقف في سوريا عربيا؛ لأن هذه التسوية ستقضي على آمال مكونات المجلس الوطني، وستطيح بآمال كل من المجلس الوطني وواشنطن والإمبريالية العالمية من خلفهما في كسر شوكة التحالف المضاد الممانع .
نحن نحلم بيوم نتمكن فيه من حل أزماتنا وقضايانا بحلول ورؤى من صلب الإرادة العربية، ولكن من قال أن الجامعة العربية بوضعها المزمن والمتفاقم حاليا، وبالقيود المفروضة على منتسبيها الحاليين تمثل بأي شكل من الأشكال الإرادة العربية الحرة؟
وهل حقا وفي ظل الأوضاع العربية آنفة الذكر، وما يحيط بها من ظروف إقليمية ودولية الجو مهيئا ومناسبا لحل الأزمة السورية، دون إسقاط النظام الحاكم في سوريا وما يشكله من تحالف مع إيران ودعم للمقاومة اللبنانية؟