هذه المقالة تعقيبا على تنسيب رئيس شركة تطوير العقبة محمد الترك لرئاسة الوزراء بعدم ملائمة جنوب العقبة للميناء البديل وذلك بعد أن قرب موعد تسليم أراضي الميناء الرئيسي المباع لشركة المعبر الدولية. إن هذا الأمر في نظري هو أكبر تحدي يواجهه الاردن منذ الاستقلال فنحن على ابواب الإستئذان من الأجنبي بالسماح لنا بتفريغ بضاعتنا في العقبة مقابل أجرة بعد أن خسرنا الميناء الرئيسي ونسب خبرائنا الافاضل بعدم صلاحية موقع الميناء الجنوبي للملاحة البحرية الموعود فاين نحن الآن؟ وهذا ما سنجيب عليه بإعادة نشر مقالتنا المعروفة بعنوان " عشرة أسباب لمعارضتنا لنقل ميناء العقبة من الناحية التخطيطية" بتصرف وفقا للتطورات الدراماتيكية المتسارعة.
لقد انشئت أولى المناطق الخاصة في العقبة على أمل أن تكون مثالا يحتذى في التنمية وتم تمهيد الطريق أمامها والإستغناء عن إيراداتها المالية من أجل إنجاح التجربة ليتم إعتمادها كنموذج تنموي يعمم لاحقا على باقي مناطق المملكة.
ونظرا لكون الاشخاص الذين جلسوا على كراسي الرؤساء والمفوضين يتبعون إلى درجة كبيرة النهج الليبرالي في الإقتصاد وتلامذه مطيعين ينفذون الأوامر التي وضعت نصب أعينها البحث عن الفرص الإستثمارية للإسترزاق الشخصي فقد سقطو في المحظور فيما يخص بيع أراضي ميناء العقبة لشركة المعبر الدولية وذلك للأسباب التالية:
1. محدودية المساحة: الواجهة البحرية لمدينة العقبة محدودة يقدر طولها بسبعة وعشرين كيلومتر وهي المنفذ البحري الوحيد للاردن وتشكل أرض الميناء المباعة بثمن بخس مركز هذه الواجهة حيث يبين المخطط الشمولي للعقبة وجوب الحفاظ على هذا الموقع كميناء بحري، فكيف يتم تعديل صفة الإستعمال بشكل مفاجيء ليتم تخصيصة للفنادق والأسواق والشقق. اليس في ذلك مخالفة للمخطط الشمولي المصدق بشكل نهائي بما يعرض المخالف للمسائلة القانونية؟
2. صعوبة الطوبوغرافية: يعرف عن البيئة البحرية لخليج العقبة الإنحدار المفاجيء والكبير من الشاطيء بإتجاه البحر مما يتسبب في صعوبة إنشاء الارصفة الثابتة التي تحتاجها السفن للإصطفاف. وقد تم إختيار الموقع الحالي للميناء في الستينات من القرن الماضي ضمن الشريط الساحلي المتاح لهذا السبب بالذات مما مكّن الميناء من التوسع افقيا للحصول على ساحات تخزين إضافية. ولهذا نجد أن الموقع الحالي هو الأنسب ولا سيما أنه قد نمى بشكل طبيعي وشكل محور الخطط الشمولية على مدى خمسين عاما مضت.
3. تراكم الإنجاز: لقد تم بناء الخطط التنموية للعقبة على أساس موقع الميناء الحالي فمسار الطريق الساحلي متناغم مع الاراضي المخصصة للميناء، كما أن الطريق الخلفي قد انشيء منسجما مع هذه الاستراتيجية وقد كلفت هذه الأعمال الشعب الاردني المليارات من الدنانير فلماذا يتم نسف جميع هذه الانجازات التخطيطية بهذه السهولة ولصالح من؟ والأهم من هذا كله: ما مصير ثلاثة آلاف موظف أردني بعد تسليم الأرض؟
4. تكاملية البحر واليابسة: من المعروف أن حركة النقل هي المحور الرئيسي لعمل الموانيء وهي تعني النقل من الأرض إلى السفن وبالعكس، ولكن هذه الحركة متشعبة افقيا لتخدم المناطق داخل العقبة نفسها وكافة المدن الأردنية وحتى الدول المجاورة إلى درجة أصبح فيها ميناء العقبة في يوم من الأيام المنفذ البحري للعراق ولتجارة الترانزيت. وما يعنينا هنا الحلول التخطيطية العديدة التي تم تطويرها عبر السنين لضمان الانسياب الصحيح للبضائع عبر بوابات الميناء مما تطلب إنشاء طرق وجسور إضافية ثبت نجاعتها وقد كلفت الاردنيين المزيد من شد الأحزمة على البطون لنصل بالميناء إلى ما هو عليه الآن، فلما ننسف جميع هذه الإنجازات ونرجع للبدء من الصفر في موقع آخر؟
5. الميناء الوسطي للحاويات: لقد أنشئت مؤسسة المواني في السبعينات من القرن المنصرم ميناء إضافي إلى الجنوب من الميناء الرئيسي يعرف بميناء الحاويات وقد كان قصة نجاح افتخر بها الاردن وما يزال، وقد قامت سلطة العقبة وشركة تطويرها برهن هذا المشروع الناجح لشركة أجنبية تستحوذ على أرباحه وتحولها إلى الخارج. وما يهمنا هنا من الناحية التخطيطية مكان هذا الميناء في المخطط الشمولي الجديد للعقبة وما مصير الشركات اللوجستية التي استثمرت بالقرب من ميناء الحاويات (مع العلم بانها قد بدأت بالضغط لإعتماد ميناء الحاويات كميناء رئيسي مما حول القضية برمتها إلى صراع مصالح خاصة بدلا من مصلحة بلد) وإذا ما سلمنا بأن الموقع الجديد للميناء هو الأنسب والذي يبعد عن ميناء الحاويات عدة كيلومترات وبهذا يصبح لدينا مواقع مشتتة يصعب الربط فيما بينها فهل ستتخلى شركة ميناء الحاويات عن هذا الموقع لصالح الموقع الجديد الذي من المفترض أن يخدم البضائع المكيسة والسائبة والحاويات. ثم ما هو مصير الخطط المعمولة لربط هذا الميناء بشبكة سكة الحديد وهل يمكن تعديل المسار ليصل إلى الموقع الجديد للميناء البديل المقترح.
6. الأرصفة المتخصصة: هل أخذ جهابذه التخطيط في سلطة العقبة الخاصة جدا الموانيء الفرعية الأخرى بعين الإعتبار عند التفكير بنقل الميناء الرئيسي مثل أرصفة الفوسفات والبوتاس والمواشي والنفط، والجواب للعارف هو بالتاكيد "لا" ولماذا تم توريط شركة الفوسفات بإنشاء رصيف خاص بمئات الملايين من الدنانير للتغطية على ما يجري من التخبط او بالاحرى التخطيط لإزالة الميناء من الوجود ورهن العقبة للأجنبي عن طريق دفع إيجار لأرض الميناء بعد العام 2013 وللشركة المشغلة لميناء الحاويات.
7. ميناء الركاب: لقد أقام الشعب الاردني ممثلا بحكوماته المتعاقبة في السبعينات من القرن المنصرم ميناء خاص بالركاب مع رصيف عائم خاص بالقرب من ميناء الحاويات يخدم حركة الركاب والشاحنات من والى نويبع المصرية وقد تم تطوير الموقع عبر السنين وتم مؤخرا حل مشكلة التداخل في حركة المرور بين ميناء الحاويات وميناء الركاب وتم تطوير الساحات والمباني وفقا لذلك فهل علينا ان نقبل بالرأي الداعي لنقل ميناء الركاب إلى الجنوب بعد كل هذا العناء وإعطاء الرصيف العائم المخصص للركاب لميناء الحاويات وربط الارصفة العائمة بعضها ببعض على حساب البيئة البحرية المرجانية التي عز نظيرها في المنطقة وهل علينا أن نقبل بالهراء الداعي لنقل المرجان الذي تشكل عبر ملايين السنين كما يحاول مفوض البيئة في السلطة ان يقنعنا به جزافا (وهذا ما تم بالفعل تحت مسمى توسعة الرصيف وبتعتيم اعلامي مخيف لما جرى للبيئة البحرية وبمخالفة واضحة للقانون).
8. الأرصفة الثابتة والعائمة: إذا ما سلمنا بأن الضرورة الإستثمارية تقتضي نقل الميناء الرئيسي إلى موقع آخر، فهل يلبي الموقع البديل المتطلبات التنموية كمنفذ بحري جديد للاردن، وجوابنا بشكل مقتضب هو النفي لأن الميناء الجديد سيكون رصيف عائم صغير وليس رصيف ثابت، كما أن المختصين بالعلوم البحرية قد أكدو أن أعماق المياه في تلك المنطقة كبيرة جدا مما يتسبب في مشاكل في قطر البواخر واصطفافها ونشوء مثل تلك المشكلة التي يعاني منها رصيف الميناء العائم لمحطة الركاب على الضلع الطويل منه، هذا بالاضافة على محدودية الاراضي المحيطة ووعورتها، كما أنها تفتقر إلى البنية التحتية وكم سنحتاج من الوقت والجهد والمال لنصل به إلى ما هو قريب من الوضع في الميناء الرئيسي الحالي ومن سيدفع التكاليف التي تقدر بالمليارات؟ وسيطل علينا احدهم قريبا ممسكا بالشريك الإستراتيجي بيده اليمنى والذي سينقذنا من الورطة التي نحن بها مقابل أن يمتلك الميناء الجديد في مقابل نسبة من الأرباح التشغية قدرها 3% كتلك التي سنحصلها من شركة المعبر الدولية مقابل أراضي الميناء الرئيسي التي فقدناها والتي تبلغ مساحتها 3200 دونم وبواجهة بحرية قدرها 2 كلم.
9. التخطيط الإستراتيجي: مع الإحترام للجهود التي بذلها بعض الرؤساء والمفوضين الوطنيين في العقبة، فإنه يلاحظ أن الدولة قد فقدت بوصلتها التخطيطية وأصبحت تدار من قبل أشخاص يعينون لفترة وجيزة بغرض تنفيذ جزء من مشروع كبير أوصلنا إلى حقيقة فقدان الميناء البحري الاردني الوحيد فهل ما يجري أحلام يقظة أم كابوس لعلنا نستفيق منه قريبا.
10. سيادة الدولة: إن الأرض التي تم بيعها هي ملك للشعب الاردني فكيف تقوم حكومة عابرة بتوقع إتفاقية بيع الميناء خارج الأردن وتذهب الحكومة كغيرها ويبقى قرارها الذي سيكتوي الشعب بناره إلى أمد بعيد. هذا بالاضافة إلى عدم دستورية هذه الإتفاقية لعدم عرضها على البرلمان الأردني فهل نحن في مملكة أردنية واحدة أم دويلات مقسمة إلى مناطق خاصة وأخرى تنموية والباقي عسكر حراسة.