أخبار البلد - استغلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخطر أزمة صحية واقتصادية في الولايات المتحدة والعالم منذ أجيال من أجل تنفيذ سياسات مثيرة للجدل، بما في ذلك القيود على الهجرة وكبح أجهزة الرقابة، ولكن الصين كانت بالتأكيد هدفاً مغرياً للبيت الأبيض في وقت يستعد فيه ترامب لحملة انتخابية
إجراءات خطيرة
ويرى العديد من المحللين الأمريكيين أنه سيكون من الصعب اختيار لحظة أسوأ في تصعيد الخطاب العدائي ضد الصين بسبب دورها المزعوم في عولمة وباء كوفيد-19 وقالوا إن النظر في مجموعة من العقوبات الاقتصادية ضد بكين، ليس بالقرار الحكيم، بما في ذلك زيادة التعريفات الجمركية على الواردات الصينية ومنع المشتريات الصينية للشركات الأمريكية وحظر الطلاب الصينيين من دراسة العلوم في الولايات المتحدة وإلغاء الحيازات الصينية على السندات الأمريكية
وللإنصاف، فإن الفكرة الأخيرة الخطيرة-رفض احترام السداد على السندات الأمريكية التي تحتفظ بها الحكومة الأمريكية-قد جاءت من السيناتور ليندسي غراهام، ولكن تم دحضها بهدوء من خلال شخصيات هامة في البيت الأبيض، بمن فيهم لاري كودلومو، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني، مع اعتراف بالصدمة الكارثية الحقيقية لأي انتهاك لعهود الديون الأمريكية
وتقترض الحكومة الأمريكية تريليونات الدولارات لتمويل إجراءات الانفاق الطارئة التي يستلزمها الوباء، وتحظى فكرة الضغط على الصين للدفع عقاباً لها لعدم الكشف عن شدة الوباء في أقرب وقت، بدعم واسع النطاق في واشنطن، ولكن الفكرة لم تكن جيدة بالنسبة إلى الآخرين
ويعتقد الباحث زكاري كارابيل، مؤسس شبكة التقدم التي تعتبر من مستودعات التفكير المهمة في واشنطن، أن الانتقام من الصين الآن سيصنف كواحد من أكبر الأخطاء السياسية في الذاكرة الحديثة، مشيراً إلى أن الحرب التجارية التي شنها البيت الأبيض في نهاية عام 2017 كانت موضع تساؤل في أحسن الأحوال ولم تسفر عن نتائج ملموسة، بخلاف المطالبة بعشرات المليارات من الدولارات من عمليات الانقاذ للمزارعين الأمريكيين بعد أن أغلقت الصين أسواقها
واتخذت الحملة الطويلة ضد شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي أبعاداً عالمية، ولكنها ألحقت بعض الأضرار لمحاولات بكين لتصبح قوة مهيمنة في طرح تقنية الجيل الخامس، في حين لم تقدم حرب التعريفات الجمركية بين واشنطن وبكين سوى نتائج ضئيلة، وبالكاد أثرت على التجارة بين الدولتين
واشنطن ستدفع الثمن
ويتفق خبراء على أن التكاليف الاقتصادية والسياسية والصحية لمحاولة معاقبة الصين ستكون باهظة، وقالوا إنه حتى مع افتراض مسؤولية الصين جزئياً بالفعل عن الدمار الذي سببه هذا الوباء فإن الانتقام لا معنى له
وأضافوا أن الحرب التجارية في العامين الماضيين كانت زائفة بسبب استيعاب جميع الإجراءات في اقتصاد كبير يبلغ 20 تريليون ينمو بنسبة 2.5 في المئة سنوياً، والأهم من ذلك، أن أي جولة جديدة من التعريفات، أو قطع الاستثمار أو منع الطلاب، ستضرب الاقتصاد الأمريكي في أكثر اللحظات ضعفاً على الإطلاق، وحتى قضية الطلاب، هي أكبر من معظم الصادرات الزراعية إلى الصين، حيث ينفق طلبة الصين عشرات المليارات من الدولارات سنوياً على التعليم العالي في الولايات المتحدة، الأمر الذي يساعد فقط في الحفاظ على بقاء هذه الجامعات ويسمح لها بتقديم المساعدات المالية للطلاب الأمريكيين
لا امكانيات للابتعاد عن الصين
وأشار الخبراء إلى مشكلة ستواجه واشنطن إذا اختارت الاستمرار في حربها الباردة ضد الصين، وهي أن هناك استحالة في إعادة انشاء أو إعادة بناء سلاسل التوريد بعيداً عن الصين عندما لا يكون هناك نقود للقيام بذلك، ولاحظ المحللون أن احتفال البيت الأبيض قبل انتشار الوباء بالخروج المفترض لبعض الشركات الأمريكية من الصين لم يكن صادقاً، فالشركات انتقلت إلى دول أخرى مثل تايوان والمكسيك ولكن المصانع لم تغلق في الصين ولم تتوقف سلاسل التوريد الحالية
ولا أحد يعلم الحكمة من تهديد الصين الآن وسط جائحة كوفيد-19 إذ تعتمد الولايات المتحدة على سلسلة إمدادات طبية من الصين، بما في ذلك الأدوية ومعدات الحماية الصحية الشخصية والأدوات الطبية المتطورة، حيث يزداد الطلب على هذه الموارد بينما تحارب أمريكا الوباء، ولا يوجد وقت أو إمكانية للقيام بإجراءات انتقامية، وقد أثبتت التجارب أن الولايات المتحدة لديها قدرة قليلة على توفير سياسة صناعية مخططة بالكامل وجيدة التنفيذ للإنتاج المحلي بسرعة وفعالية
وهناك، أيضاً، حاجة للتعاون حول فك تشفير فيروس كورونا والحصول على لقاح، فماذا لو تجاوزت الصين خط النهاية أولاً؟ هل تريد أمريكا المقامرة حقاً بالاحتكاك مع الصين في هذا الوقت؟
ترامب ولعبة اللوم
وبالنسبة لترامب، الذي يعاني من الانتقادات والمزيد من الفحص بسبب استجابته المتأخرة للفيروس محليا، فإن تصعيد الجهود لإلقاء اللوم على الصين في تفشي الفيروس هو جزء هام من سياسة مقصودة مع تزايد الضغط العالمي على بكين للتعاون مع التحقيق في أسباب تفشي المرض
وقد اتهم ترامب الصين بالتستر على تفشّي المرض، واقترح أن الفيروس لن ينتشر على مستوى العالم لو كانت بكين أكثر شفافية في البداية، وقال إن بكين ارتكبت خطأً فظيعاً ولم تكن ترغب في الاعتراف به، وكان عليهم إخماده
وهددت إدارة ترامب بأنها تدرس خطوات لمعاقبة بكين، بما في ذلك تسوية التعريفات الجمركية على الواردات معها، وزعم ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو أن هناك أدلة مهمة على أن الفيروس بدأ من مختبر في ووهان، على الرغم من أنه لم يقدم أي دليل على ذلك، وقالت منظمة الصحة إنها لم تتلق أي بيانات أو أدلة محددة من الحكومة الأمريكية تتعلق بالإصل المزعوم للفيروس
وقد اعترف ترامب بأن قضية العقوبات مع الصين هي لعبة معقدة للغاية مثل الشطرنج والبوكر ولكن الخبراء والعديد من المشرعين، مثل النائب تشيب روي، يعتقدون أن الصين قد تخنق الإمدادات الأمريكية الرئيسية
وأشار روي، على سبيل المثال، إلى أن الأمريكيين شاهدوا في الوقت الحقيقي مدى اعتماد الولايات المتحدة على الصين في الأدوية واللوازم والمعدات الطبية، وأضاف إذا أرادت بكين حقاً وضع أمريكا في مأزق خطير، يمكنها حجب هذه الأدوية المنقذة للحياة
واشنطن والحكمة والحماقة
في نهاية المطاف، الحكمة هي معرفة نقاط قوتك وتقبل حدودك، والحماقة هي الاعتقاد بأنك لا تقهر، وبالنسبة للولايات المتحدة وفقاً للخبراء، من الضروري الاعتراف بأنه ليس الوقت المناسب لتصعيد المواجهة مع الصين، مع الإشارة إلى أن أن هذه المواجهة لم تسفر عن أي شيء من الأصل، ولكنها من الممكن أن تحدث ضراراً كبيراً للولايات المتحدة في المناخ الحالي
وهناك جاذبية عند أنصار ترامب للهجوم على الصين، خاصة في الموسم الانتخابي، ولكن إذا استمرت الخطابات العدوانية، فقد يصل الضغط لتحويل هذه الكلمات إلى أفعال، وقد حاولت واشنطن بالفعل اتخاذ إجراءات رمزية لمحاسبة الصين، وحسب الخبراء، فإن الاستمرار بهذه السياسة سيؤدي إلى تفاقم الوضع السيئ وتعقيده بدلاً من معالجة الضرر الذي حدث بالفعل، وقالوا إنه كان من الأفضل لو ركزت واشنطن على تهيئة البلاد لمواجهة التحديات المستقبلية من خلال الإنفاق بشكل أكثر ذكاء على الوارد المحلية بدلا من الهوس بشأن الصين