أخبار البلد - اخبار البلد-
لماذا كان فايز السراج رئيس حُكومة الوِفاق الليبيّة أوّل الحجّاج إلى "الجزائر الجديدة”؟ وما هي ملامح سياسة رئيسها الجديد عبد المجيد تبون داخليًّا وخارجيًّا؟ وهل ستكسِر عُزلتها وتلعب دورًا مِحوريًّا في الأزمة الليبيّة والجامعة العربيّة؟
بعد نجاح الحِراك الشعبي في الإطاحة بحُكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة واجتِثاث رموز الفساد وتقديمها، أو مُعظمها، للمُحاكمة والمُحاسبة القانونيّة، وانتخاب رئيس جديد، وتشكيل أوّل حُكومة بقِيادة السيّد عبد العزيز جراد، بدأت مظاهر التّعافي تبدو واضحةً على الدولة الجزائريّة وإن كان ذلك التّعافي يتم ببُطء، ولكن بخطوات مدروسة مثلما يعتقد الكثير من المُراقبين.
بعد عُزلة جمّدت دور الجزائر ومكانتها الإقليميّة والدوليّة لحوالي عشرين عامًا، ها هي الجزائر تبدأ في استعادة مكانتها بشكلٍ ملحوظ، فقد اضطرّت السيّدة أنجيلا ميركل، المُستشارة الألمانيّة للتّراجع عن قرارها المُعيب باستثناء الجزائر من الدعوة لحُضور مُؤتمر برلين لبحث الأزمة الليبيّة الذي سيُعقَد بحُضور عشر دول من بينها أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا، وهي التي تزيد حُدودها مع ليبيا عن أكثر من ألف كيلومتر وتُبادر إلى مُهاتفة الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون وتوجيه الدعوة رسميًّا لبلاده لحُضور المُؤتمر المذكور.
لم يكُن من قبيل الصّدفة أن يكون السيّد فايز السراج، رئيس حُكومة الوفاق الليبيّة المُعترف بها دوليًّا، أوّل زائر للعاصمة الجزائريّة في عهد رئيسها الجديد على رأس وفد كبير يضُم وزيريّ الداخليّة والخارجيّة، ومن المُتوقّع أن يصِلها أيضًا السيّد مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجيّة التركي، في زيارةٍ رسميّةٍ تستغرق ثلاثة أيّام.
من تابع خطاب الرئيس تبون الذي أدلى به أثناء رئاسته أوّل اجتماع لمجلس الوزراء الجديد في عهده، يجد أنّه ركّز على عدّة نقاط أساسيّة، داخليّة وخارجيّة، أبرزها الفصل بين المال والسياسة، ومُحاربة الرّداءة في التّسيير، وأن يكون العُنوان الأهم للجزائر الجديدة هو قيام دولة القانون التي تضمن استقلال القضاء وترقية الديمقراطيّة التشاركيّة التي تمنح فُرص الرقيّ الاجتماعي والسياسي، والتصدّي لأيّ مُحاولة للتدخّل الخارجي في الشؤون الجزائريّة.
كان لافتًا في الخطاب نفسه أنّ رئيس الجمهوريّة الجزائريّة الجديدة رسَم أهم أولويّات السياسة الخارجيّة بالتّركيز على السّلم والأمن في مِنطقتها، وفي المغرب العربي وأفريقيا مع استمرار الالتزام بقضيتيّ فِلسطين والصّحراء الغربيّة، وهذا يعني أنّنا نقف أمام مرحلة جديدة من التحرّك الإقليمي والدولي تُعيد للجزائر مكانتها التي تليق بها في مُحيطها الجُغرافي الإقليمي، وعلى المُستوى الدولي.
نُدرك جيّدًا أنّ الحِراك الجزائري الشعبي ما زال مُستمرًّا، وأنّ جناحًا عريضًا فيه يعتقد أنّ القِيادة الحاليّة هي امتداد لسابقتها، وهذه مُمارسة ديمقراطيّة مشروعة تعتمد الحِوار السّلمي والحِفاظ على أمن البِلاد واستقرارها ووحدتها الجُغرافيّة والديمغرافيّة منهجًا لها تعكِس حسّها الوطني المسؤول، فلا ديمقراطيّة بدون مُعارضة شعبيّة وحزبيّة ورأي آخَر مسؤول.
الجزائر، العُظمى بشعبها، وإرثها الثوري العميق في مُحاربة كُل اشكال الاستعمار والهيمنة الأجنبيّة، تسير بثقة نحو استعادة هذا الدور وهذه المكانة وفق رؤية جديدة، وهذا سينعكس حتمًا، وبشكلٍ إيجابيٍّ على دول الجوار، فلولا خُروج الجزائر من السّاحة الإقليميّة بسبب حالة الانكِفاء الداخلي التي مرّت بها طِوال السّنوات السّابقة، لما تفاقمت الأزَمات في الاتّحاد المغاربي، وباتت دوله مسرحًا لتدخّلاتٍ خارجيّة، ونحن نتحدّث هُنا عن ليبيا تحديدًا.
أهلًا بهذه العودة الميمونة التي ربّما تقود إلى إصلاح، ليس للأوضاع الجزائريّة السياسيّة والاقتصاديّة، وإنّما الأوضاع الإقليميّة والعربيّة أيضًا، وفي الوقت المُناسب.
ربّما يتّهمنا البعض في هذه الصّحيفة "رأي اليوم” بالإغراق في التُفاؤل، ويذهب البعض الآخر إلى ما هو أبعد من ذلك ويُذكّرنا بأنّ أهل مكّة أدرى بشِعابها، وردّنا هو أنّنا نحن من صُلب أهل مكّة ومن المُحبّين لشِعابها، ونعتبر الجزائر التي احتضنت الجميع دون تفرقة في العِرق والدّين، هي وطننا أيضًا، ونسير على نهج رسولنا صلى الله عليه وسلم ومقولته "تفاءلوا بالخير تجدوه”.