قال وزير الخارجية الأسبق د. مروان المعشر إن شباب الأردن ليسوا مستعدين للعيش وَفق القواعد التي واجهها آباؤهم وأمهاتهم، ولن تمنعهم قوة أجهزة المخابرات من التعبير عن وجهات نظرهم.
وأضاف أنه لاحظ هذا الأمر خلال زيارته الأخيرة للأردن، حيث كان أكثر ما أدهشني هو أن جيل الشباب لم يعد خائفاً من الحديث في كل القضايا المتعلقة بمستقبله، وجدت الشباب يتحدثون بانفتاح ومن دون أي محرمات (تابوهات).
ودعا المعشر في حوار مع محطة "سي إن إن" إلى التخلي عن التكتيكات القديمة في العمل السياسي، لافتا إلى أن المتظاهرين بحاجة للبدء بتنظيم أنفسهم في أحزاب سياسية، ووضع برامج، وبناء دوائر انتخابية. إنهم بحاجة إلى التحول من البدء بالتغيير إلى إضفاء الطابع المؤسسي عليه، وبخلاف ذلك فلن يكونوا قادرين على الاحتفاظ بالدعم الشعبي.
ونبه النخبَ الحاكمة أيضاً بأن عليها أن لا تستنتج أن الوضع الراهن يمكن الإبقاء عليه؛ على أساس أن الدعم الشعبي للمحتجين يبدو متذبذباً، عليهم أن يفهموا أنهم لا يستطيعون استبعاد الاحزاب المعارضة مثل الإخوان المسلمين، والتصرف كما لو لم يكونوا موجودين، أو التعامل معهم من خلال الإجراءات الأمنية. على المؤسسات الحاكمة والمحتجين، كليهما، أن يعوا أن عليهم الانخراط في السياسة التأسيسية.
وأكد المعشر، الذي يشغل حاليا موقع نائب الرئيس لشؤون الدراسات في معهد كارينغي للسلام الدولي بواشنطن، أن الشعب العربي بعد أن عرف كيف يبدو طعم الحرية، فإنه لن يقبل باستبدال مستبدين علمانيين بمستبدين دينيين
وبحسب المعشر، يخطئ المتشائمون الذين يقولون بأن الربيع العربي يوشك أن يتلاشى، فالربيع العربي لا رجعة فيه.
ولفت إلى أن النخب الحاكمة والمتظاهرين وصلوا إلى طريق مسدود، وهم بحاجة إلى بناء توافق في الآراء. المتظاهرون بحاجة إلى احزاب وبرامج على حد تعبيره، والنخب عليها أن تقوم بالإصلاح.
واستدرك: سيكون ذلك صعباً كما قال ولكن السبيل للسير قدماً في العالم العربي هو تقاسم السلطة.
ويعاين المعشر خروج معمر القذافي من ليبيا بأنه بمثابة تذكير بأن الصحوة العربية لن تتلاشى تواً، وقد كان بعض المعلقين قد أشاروا إلى أن هتاف الجمهور الذي سمع في مصر، عندما دفع الجيش المتظاهرين إلى الخروج من ميدان التحرير، كان مؤشراً على أن الانتفاضة في طريقها إلى الانحسار، وأن الآمال التي ارتبطت بالربيع العربي ستفقد قريباً، إلا أن المتشائمين كانوا على خطأ.
يقول: المنتفضون في الواقع مقبلون على مرحلة صعبة، ولكن لا مفر منها، حيث الجانبان: المتظاهرون والقادة، في حيرة من أمرهما حول كيفية المضي قدماً. ويوضح: المتظاهرون من ناحية مايزالون من دون قيادة، وحتى الآن لم يترجموا احتجاجاتهم في أي برنامج إصلاح اقتصادي سياسي متماسك، ورغم تحقيق الأهداف الأساسية في كل من مصر وتونس، والمتمثلة في الإطاحة بالدكتاتورين اللذين حكماهما سنوات طويلة، إلا أن المتظاهرين عجزوا عن الانتقال إلى المرحلة الثانية، مرحلة بناء نظام الحكم البديل.
المعشر يرى أن رسالة المحتجين تذوي، وأن الناس العاديين الذين شعروا بالارتياح لرحيل حسني مبارك وزين العابدين بن علي، يريدون أن يروا بلادهم تتجاوز الاحتجاجات في الشارع، تلك الاحتجاجات التي بدأت بزعزعة أوضاعهم الاقتصادية فيما هي صعبة في الأصل، وهذا ما تنتظره كذلك ليبيا.
من ناحية أخرى،يقول المعشر، فإن الطرف الوحيد القادر على قيادة عملية إصلاح سياسي تدريجي -على نحو مفارق النخب الحاكمة مثل الجيش في مصر- هي بشكل كبير غير راغبة بالشروع بعملية إصلاح من شأنها أن تجردها تدريجياً من امتيازاتها، وتثبّت التعددية، وتنشيء نظاما مستقرا مزدهرا يقوم على أساس الجدارة بدلاً من المحسوبية.
ويحذر وزير الخارجية الأردني الأسبق من أن أحدا لا يجب أن يتفاجأ بذلك، فالمؤسسات الحاكمة في العالم العربي، كانت دائماً تعمل على ضمان أن تكون الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إما ممنوعة أو محظورة، لذا هناك القليل من البدائل على مستوى القادة والنظم.
في مثل هذا الجو، الأحزاب المنظمة مثل الإخوان المسلمين، والذين يسيطرون على نحو 20% من أصوات الناخبين في مصر تقريباً، ستحرص على استخدام مهاراتها التنظيمية والتحشيدية لتحقيق تمثيل سياسي يفوق شعبيتها الحقيقية.
وفي المقابل، يستدرك المعشر، فإن النخبة الحاكمة، خوفاً من هذا، ستقاوم انفتاح النظام السياسي، وسوف تلجأ إلى إجراءات اقتصادية وأمنية في محاولة بائسة لوقف تيار التغيير.
ولكن الطريقة الوحيدة للتعامل مع أحزاب المعارضة التي ليست ملتزمة بالديمقراطية تماماً، هي الانفتاح التدريجي للنظام السياسي أمام بدائل حقيقية، بدلاً من صب كل أصوات الاحتجاج ضد أنظمة الحكم لصالح الإسلاميين. وبرأيي، بعد أن عرف الشعب العربي كيف يبدو طعم الحرية، فإنه لن يقبل باستبدال مستبدين علمانيين بمستبدين دينيين.
ويضيف سيكون من الخطأ أن نفترض أن هذه الصعوبات، ستؤدي لتلاشى أو إطفاء الانتفاضات، ما حدث في العالم العربي هو بداية لعملية تغيير حقيقية ودائمة، حيث اكتشف المواطن العادي فجأة قوة حقيقية: إن القدرة على إحداث التغيير سلمياً ظاهرة جديدة في العالم العربي، إنها الموجة التي فقط ستظل تنمو.
منظمات كالقاعدة، في نظر المعشر ستكون هي أول الخاسرين، بعد أن بشّرت من دون جدوى بالعنف، وكذلك المؤسسات الحاكمة، إذا لم تستوعب الواقع الجديد بحيث تقود عملية إصلاح جادة تعيد التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
ويؤكد المعشر أن السبيل الوحيد للاحتفاظ بالسلطة، من الآن فصاعداً في العالم العربي، سيكون من خلال اقتسامها، وعملية التغيير ستأخذ عقوداً لتتكشّف، ولن تكون عملية بسيطة، وستمر بعدة فصول، لكن لا رجعة فيها.
صورة الربيع العربي لا تبدو في عين المعشر مزهرة ووردية، حتى مع التغيير السريع في ليبيا، فالمستقبل على المدى القصير سيكون فوضوياً، ووعرا جداً، والصورة لا شك أن فيها الكثيرَ من الأخطاء والعثرات، ولكن الانتظار وعدم القيام بشيء لم يعد، بعد اليوم، خياراً ممكناً.