بعد ثلاث سنوات ونيف من تجميد نشاطه السياسي الذي جاء على خلفية الهزيمة الساحقة التي ألحقها به ارئيل شارون، أعلن ايهود باراك رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق أنه عائد الى الحياة السياسية في خطو أقرب إلى عملية جس النبض لامكانية اعادة الاعتبار الى مكانته التي تضعضعت في نظر زملائه في حزب العمل الاسرائيلي الذي حمّله مسؤولية الهزيمة التي لحقت بالحزب جراء ضعفه وتردده وافتقاده إلى الكاريزما وانعدام الثقة به بعد فشل قمة كامب ديفيد تموز 2000 واندلاع الانتفاضة في 28 ايلول من العام ذاته وامساك الليكود بزمام المبادرة التي توجت بقدوم شارون إلى الحكم.
وبصرف النظر عن بالون الإختبار الذي سعى باراك إلى اطلاقه لمعرفة ردود الفعل على عودته من عزلته السياسية الاختيارية، فان اللافت هو أن باراك اراد ان يستفيد من اقتراب موعد المنافسة على زعامة حزب العمل في الربيع المقبل، وبخاصة ان الحزب يشهد حالاً من التفكك والانقسام الى معسكرات واجنحة وضحت حدتها عندما اعلن شمعون بيرس في خضم الصراع داخل حكومة شارون وإعلان الاخير نيته تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة حزب العمل، أنه سيكون وزير خارجية في هذه الحكومة ثم ما لبث بعد ان بدت الامور وكأنها تتجه نحو الذهاب الى انتخابات مبكرة انه سينافس على زعامة الحزب اثر تراجع حظوظ قيام حكومة وحدة وطنية.
باراك يعلم ان حزب العمل الذي تركه غداة هزيمته وتراجعه الى المرتبة الثانية بعد الليكود في الكنيست، انه ليس الحزب الذي وقف خلفه في انتخابات 2001 بعد ان خرج من صفوفه قادة ونشطاء وكوادر مثل شلومو بن عامي وابراهام بورغ ويوسي بيلين سواء بالاعتزال كما في حال بن عامي وبورغ أم بتشكيل احزاب جديدة كما حصل مع يوسي بيلين الذي اندمج مع حزب ميرتس ليشكلا حزبا جديدا باسم «يا حد» يتولى قيادته الآن بعد ان هزم يوسي ساريد في التنافس على زعامته.
حزب العمل منهك وفاقد القدرة على قيادة اي تجمع يساري او حتى المغامرة بالدعوة الى مظاهرات ضد توجهات حكومة شارون التي دفنت اوسلو وترتكب المجازر والتدمير ما يتجاوز كل المفاهيم والحدود الدنيا التي يتشدق قادة حزب العمل بأنهم يلتزمون بها في علاقتهم مع ائتلاف شارون اليميني المتطرف بل هم يظهرون في مقابل ذلك لهفة بالالتحاق بشارون ويبررون ذلك برغبتهم في ابعاد الاحزاب المتطرفة عن الليكود (....) والتأثير في رئيس الحكومة للعودة الى طاولة المفاوضات رغم انهم يشاركونه المواقف السياسية ذاتها من السلطة الفلسطينية ورئيسها والى حد كبير من خارطة الطريق التي لم تر النور بعد ويبدو انها لن تراه في المستقبل القريب حتى لو بقي جورج بوش في البيت الابيض لفتر رئاسية ثانية.
عودة باراك لن تؤثر كثيراً في موقف حزب العمل بل ربما ستزيد من حدة الصراع والتصدعات داخله وبخاصة ان شمعون بيرس الذي يحظى بدعم داليا ايتسك رئيسة كتلة حزب العمل في الكنيست ما يزال يصر على البقاء في الحلبة السياسية رغم ان رئاسته المؤقتة للحزب توشك على الانتهاء وانه كان تعهد بان لا ينافس على الزعامة فيما يبقى بنيامين بن اليعازر (فؤاد) الذي كان رئيساً للحزب قبل ان يطيحه عميرام مستناع (الذي اطيح به لاحقاً بعد هزيمته امام شارون) المنافس ا لاكبر وصاحب «المعسكر» الاقوى الذي بمقدوره ان يحول دون اعادة الاعتبار لباراك كزعيم محتمل للحزب الا اذا قبل باراك الجلوس في الصف الثاني أو الثالث وهو امر مستبعد لكن حزب العمل في كل الاحوال في وضع لا يسمح له بإعلان الطوارىء والتعامل مع باراك كأنه المنقذ من الحال البائسة والثانوية التي يعيشها بعد ان فقد جماهيره ودوره وقبل الخضوع ان يتبع شارون وسياسته الفاشية وغطرسته في التعامل مع الفلسطينيين وملف الحكومة ايضا.