أخبار البلد – سعد الفاعور
منذ هبة نيسان الشهيرة، عام 1989، التي كانت أبرز إفرازاتها الإطاحة بدولة الرئيس زيد الرفاعي، تحت وطأة الغضب الشعبي العارم، بات الهاجس الاقتصادي الضاغط على معيشة المواطنين، هو التحدي الأكبر الذي يواجه صانع القرار في الدولة الأردنية.
منذ ذلك الحين وحتى اليوم، توالى على منصب رئاسة الحكومة، عدد لا يستهان به من خبراء المال والاقتصاد الذين شغلوا المنصب، دون أن يتمكنوا من اجتراح معجزة أو ايجاد حل إداري أو معادلة اقتصادية تخفف من وطأة المديونية وتقلص من ضغط التضخم.
الكباريتي، أطلق عبارته الشهيرة، وسرعان ما شكلت عنواناً عريضاً لفاتورة الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي التي فرضها البنك الدولي على الأردن عام 1996، وكان يقصد بها رفع الدعم عن الخبز، بحجة أن الدعم الحكومي لرغيف الخبز يستنفذ جزءاً كبيراً من ميزانية الدولة. وفي مقابل ذلك، اقترح الكباريتي أن يتم صرف كوبونات لكل أسرة، تشمل "الكبير والمقمط بالسرير".
الكباريتي، غادر الرابع، وفشلت وصفته الخاصة بالدفع قبل الرفع للكبير والمقمط بالسرير، وبقيت مقولته خالدة، يتداولها الأردنيون "طرفة" حيناً، ذات رمزية إيحائية، وشاهداً على ثورة الخبز والأحداث المؤسفة التي تزامنت معها، حيناً آخر.
هو ذهب، ومقولته بقيت، لتخلد حقبة اقتصادية صعبة، كما خلدت رجل دولة، فشل رغم خبراته الاقتصادية الكبيرة، ورغم حصوله على إجازة جامعية في إدارة الأعمال والإدارة المالية مع مرتبة الشرف من جامعة "سانت إدواردز" الأميركية العريقة، في إخراج الأردنيين من عنق زجاجة المديونية.
عبارة أخرى، ما تزال عالقة في أذهان الأردنيين، وهي "المديونية، يا دولة الرئيس"، هذه العبارة مع رفع اليد، للتصويت بعدم منح الثقة، كانت من أبرز الصفات التي ميزت السياسي ورجل الدولة، رئيس الحكومة السابق، عبدالله النسور.
النسور، كان قد شق طريقه نحو النجومية السياسية، بتصريح آخر لاذع، وهو: "أوصلوني إلى عمّان، وأنا أحاسب اللص ابن اللص". هذا التصريح، ارتبط بحقبة انهيار الدينار الأردني، وانكشاف الاقتصاد الوطني، وتخييم سحب هبة نيسان على الجو العام للحراك السياسي، الذي مثل استجابة ملكية لرغبة الشارع الأردني، بعودة الحياة البرلمانية، وإحياء نهج الرقابة والمحاسبة البرلمانية على السياسات الحكومية.
عبدالله النسور، الذي كان يتحدث في تجمع انتخابي، في معقله ومسقط رأسه، السلط، استطاع أن يستغل الرأي العام الغاضب، وأن يضع قدمه على أولى درجات صعود الشهرة السياسية. بالفعل وصل الرجل إلى عمّان، وظل نائباً معارضاً ومستقلاً، لا ينتمي إلى حراك أو حزب سياسي محدد، لكنه يستند إلى خبراته الأكاديمية والبيروقراطية في القطاع المالي والمصرفي والمحاسبي لحجب الثقة عن الحكومات التي كان يرى أنها تعمق من أزمة المديونية، وفي كل تصويت بالثقة، كان يطلق متلازمته المشهورة "المديونية، المديونية يا دولة الرئيس" بينما يده لا ترفع إلا عند التصويت بحجب الثقة.
دارت الأيام، وعادت الكرة إلى ملعب دولة الرئيس عبدالله النسور، وما كان يحذر منه، وقع فيه، فبلغت المديونية في حقبته، حدوداً فلكية، تجاوزت كل المعايير المحلية والدولية، وبات النهج المميز لحكومة النسور هو الاستدانة دون رصيد وطني، فيما شبه خبراء ماليون نهج حكومة النسور في تزايد الاعتماد على الاقتراض، كمن يكتب شيكات دون رصيد. وفي عهد النسور، بلغت المديونية العامة 93% من إجمالي الناتج العام للدولة، وفرض الرجل اجراءات اقتصادية قاسية، متعللاً بالحاجة إلى عمل عاجل وسريع، وإلا إنهار سعر صرف الدينار!
وهكذا، غادر دولة عبدالله النسور، الرابع، وفشلت أيضاً خبرته في المعارضة، كما فشلت خبرته في البيروقراط الحكومي في ايجاد حل مشتق من معادلة الواقع، بما يخفف من عبء المعيشة على المواطنين، رغم أيضاً الإجازة الجامعية التي يحملها في الإدارة والتخطيط من ميتشيغان الأميركية، والسوربون الفرنسية. ورغم مضي نحو عام ونصف على رحيله، ما زال الأردنيون يستذكرون مقولته التي لم يطبقها نهائياً، بل عمل عكسها تماماً، وهي "المديونية، المديونية يا دولة الرئيس"!
خلف النسور، الدكتور هاني الملقي، الذي تصدى للمسؤولية في حقبة عسيرة جداً، وما أن دلف الرجل بقدميه إلى الرابع، حتى كشر عن أنيابه، وشهر سيف الضرائب الجائرة، ورفع الرسوم بشكل فادح لم يكن ممكناً تخيله.
دولة الدكتور هاني الملقي، كما يصفه العارفين ببواطن الأمور، هو ابن الدولة العميقة، وليس دخيلاً على دوائر ومؤسسات صنع القرار، بل إنه ينتمي إلى أشد الحلقات ضيقاً، فهو وقبل أن يتم تسميته رئيساً للوزراء، شغل عدة حقائب وزارية، كان من بينها: المياه والري، التموين، الطاقة، الصناعة والتجارة، والخارجية.
تحت حجة، التصدي لعجز كبير وفادح، إن لم يتم سداده فوراً، فإن المديونية سوف تتضاعف، وخدمة الدين العام سوف تتفاقم وتصل إلى طريق مسدود، والسفينة ربما تغرق، أو تصاب بخرق يصعب رتقه، صارح الملقي الأردنيين بوجوب المشاركة بتحمل أعباء توفير العجز، والبالغ قدره 450 مليون!
تحت سياسة الأمر الواقع، تم جمع المبلغ، وفرض الرؤية الإصلاحية للجهات المانحة، والتزمت الحكومة، وألزمت الشعب، بالوصفة التصحيحية. ومنذ حزيران 2016، التزم الرئيس الصمت، وظل نادر الظهور إعلامياً، إلا في النشاطات الرسمية التي تفرضها عليه الاجتماعات الدورية للمجلس الوزاري، وبعض المشاريع والاتفاقيات التي تتطلب رعايته المباشرة.
الرئيس الملقي، الذي لم يعرف عنه، حب الظهور إعلامياً، أو صداقته مع وسائل الإعلام، رغم أن اثنين من وزرائه، مخضرمين، وذوا باع طويلة وخبرة عريقة، في المجال الإعلامي، ظل يجتنب الإعلام، حتى وقع أبغض الحلال الجمعة الماضية 18 آب 2017، فخرج عبر برنامج ستون دقيقة، بشكل أجمع المراقبون، على أنه لم يكن موفقاً. فيما حصر الأردنيون، المقابلة التي امتدت 53 دقيقة، بعبارة للرئيس الملقي، مثلت ما وصفه مراقبون، بأنها "نكتة القرن" السياسية!
الملقي، الذي بحسب خبراء واقتصاديين كثر، عجز عن ذكر أي إنجاز، يسجل لحكومته، من باب تخفيض الضرائب، أو تخفيض الأسعار أو زيادة الأجور أو الإعلان عن سداد 10% أو 15% من المديونية العامة، وعند إجابته على سؤال عن خطط الحكومة في مجال الإصلاح الاقتصادي، قال "نتائج الخطة بعد تسعة أشهر".
وعلى ذات المنوال، يتوقع كثيرون، أن يغادر دولة الرئيس هاني الملقي، المتسلح بدرجة الدكتوراه في هندسة النظم والصناعة من الولايات المتحدة، الدوار الرابع، وقد فشل عن الاتيان بأي انجاز حقيقي على الصعيد الاقتصادي يضاف لرصيده الشخصي أو يحسب لرصيد حكومته، وبما يخفف عن كاهل الأردنيين ولو النزر اليسير من أعباء المديونية الخانقة، بينما ستظل مقولته المثيرة جداً للضحك "النتيجة بعد تسعة أشهر"، والتي أصبحت مدعاة للسخرية والتندر بين الأردنيين، هي الخالد الوحيد في الذاكرة الجمعية، بعد رحيله بوقت طويل!