أخبار البلد – سعد الفاعور
ما أن أعلن في منتصف ليل أمس وفجر اليوم عن انفراجة في أزمة الحصار السعودي ضد قطر، حتى تنفس البعض من أنصار الإمارة القطرية الصعداء، فيما وضع البعض الآخر يده على قلبه.
بشكل مفاجئ ودون مقدمات، تظهر على السطح شخصية قطرية غير معروفة، تحتفي بها الرياض، وتعاملها كرجل دولة من الطراز الرفيع!
ورغم أن الزيارة غير معلنة، ورغم أن الشخصية القطرية ليس لها أي صفة رسمية في الكيانات السياسية والدبلوماسية للإمارة القطرية، لكنها بسهولة تامة وبلا مشقة، تجد الفرصة المواتية للقاء ولي العهد السعودي، الذي يدير دفة الحكم بتفرد مطلق في ظل استجمام والده الملك سلمان في رحلة استجمامية في المغرب، ودون ترتيبات مسبقة، كما يقتضي البروتوكول!
الشخصية القطرية، غير المعروفة، والتي ظهرت فجأة تم التركيز عليها بجرعة مفرطة من التغطية الإعلامية التلفزيونية والرقمية عبر وسائط "السوشال ميديا"!
الشخصية، التي ظلت حتى خيوط الفجر الأولى من صباح اليوم، مجهولة وغير معروفة، ولم يسمع بها أحد من قبل، بدت أمام وسائل الإعلام وهي تجلس جلسة الند للند مع ولي العهد السعودي وقد استأثرت بالتقاط الصور الثنائية والتذكارية معه، بينما كان التلفزيون الرسمي السعودي يبث الصورة مع خبر يقول إن "الشيخ عبدالله بن علي يشفع لدى نائب الملك بدخول حجاج قطر عبر المنفذ البري. ونائب الملك يرفع بذلك للملك".
بفارق زمني لا يذكر، يصدر بيان عن التلفزيون الرسمي السعودي، ووكالة الأنباء الرسمية السعودية (واس) يفيد بأن الملك السعودي الذي يقضي فترة استجمام وراحة في المغرب "قبل شفاعة الشيخ القطري عبدالله بن علي، وأمر باستضافة حجاج قطر، وفتح منفذ سلوى الحدودي البري أمام القطريين لأداء مناسك الحج، ودون تصاريح إلكترونية، وعلى نفقة الملك السعودي سلمان!".
الحضور المفاجئ للشخصية القطرية غير المعروفة، والتي احتفت بها السلطات السعودية على أعلى مستوى، حاولت الوسائل الإعلامية السعودية لاحقاً تدارك أن الغالبية العظمى من شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، والعالم العربي، لم تسمع بها من قبل، فعمدت إلى بث جرعات مفرطة من التقارير السريعة التي تعرف بهذه الشخصية!
النبذة التي قدمتها (واس) والقناة الرسمية الإخبارية السعودية، وكذلك الذراع الإعلامية السعودية الأبرز (العربية) بالإضافة إلى سلسلة التغريدات التي أطلقها سعود قحطاني، الذي يحمل درجة وزير، ويعمل مستشاراً في ديوان الملك السعودي، لم تقنع أحداً بأن الشخصية القطرية، فوق عادية، وذات تأثير وامتداد في الداخل القطري، وأن حضورها في البلاط السعودي، كان السبب وراء حدوث هذه الانعطافة المفاجئة بموقف الرياض المتشدد في الحصار على الإمارة القطرية.
الاحتفاء السعودي المبالغ به بهذه الشخصية القطرية المغمورة، والمغيبة عن الأضواء ومراكز صنع القرار، كان شبيهاً جداً بالخطوة الساذجة التي لجأ إليها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بعد اجتياح الكويت، عندما أحضر ضابط من الجيش الكويتي برتبة عقيد وأمره أن يصدر بياناً يطلب فيه باسم مجموعة من قيادات الجيش الكويتي تدخل الجيش العراقي لإسقاط حكم أسرة آل صباح!
هكذا، وبعد 27 سنة، يكرر السعوديون، سذاجة صدام المدمرة، معتمدين على شخصية قطرية غير معروفة، تم استغلال الخلافات البينية بينها وبين أبناء عمومتها الحكام الحاليين في الإمارة القطرية، لتبدو الرواية السعودية أمام الرأي العام، بأن الملك السعودي، قبل شفاعة الشيخ القطري، ولم يرضخ للضغوط الدولية التي تطالبه بوقف الحصار على الإمارة القطرية، في ظل تزايد الاستياء وتعالي التذمر الدولي من توظيف النظام السعودي سيطرته على الديار المقدسة ومشاعر الحج لفرض املاءات سياسية على الخصوم!
هذه الاستدارة السعودية، تثير الكثير من علامات الاستفهام وعلامات التعجب. فهل من المعقول أن الملك السعودي وولي عهده، لم يكترثا بالوساطة الكويتية التي قادها أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، على مدى شهرين، وفجأة قررا أن يقبلا شفاعة شيخ قطري مغمور ومبعد ومعزول عن الحياة السياسية، ويصنف أنه من الصف العاشر في الأسرة الحاكمة في قطر؟!
الشيخ القطري، الذي حاول الإعلام السعودي تضخيمه كثيراً، واستطرد في استعراض تاريخ أبيه وجده، فشل تماماً في ذكر أي صفة شخصية أو وظيفية له هو شخصياً، فلم يكن ولياً للعهد أو رئيساً للوزراء أو وزيراً للخارحية أو حتى وزيراً للدفاع أو الداخلية أو حتى الشؤون البلدية. ببساطة شخصية مغمورة ليس له أي صفة رسمية أو دستورية أو قانونية!
هذا الشيخ الذي جرى تلميعه فجأة من قبل وسائط الإعلام السعودية، هو بالوصف السياسي والقانوني معارض ومنشق على النظام القطري. واستقباله من قبل النظام السعودي والاحتفاء به، يجعل السعودية رهينة دائرة الاتهام التي توجهها إلى الدوحة، أي إيواء معارض لنظام سياسي مؤسس في كيان مجلس التعاون، وهي أبرز تهمة توجها الرياض إلى الدوحة!
فهل يعقل أن الرياض التي تتهم الدوحة بدعم وإيواء معارضين سعوديين، تقوم هي ذاتها بدعم وإيواء واستقبال معارض قطري، ينتمي إلى فرع من العائلة القطرية المالكة، سابقاً، يتهم علانية الفرع الحاكم حالياً بأنه إنقلب على الشرعية وخطف دفة الحكم. فأين الاتزان والحيادية في السلوك السعودي. وكيف تبرر الرياض إيواء ودعم شخصيات معارضة للنظام القطري الحاكم، وتعاملها معاملة رؤساء دول؟!