اخبار البلد - بسام بدارين - لم يحصل المثقف السياسي التقدمي الأردني عريب الرنتاوي على إجابة محددة عندما وجه لنخبة من قادة مطبخ الاخوان المسلمين في البلاد السؤال التالي: قولوا لنا حتى تتضح الصورة ونحدد موقفنا منكم.. هل أنتم مع نموذج طالبان أم اردوغان؟
يومها كانت الجلسة التي حضرتها 'القدس العربي' إستفهامية وسياسية، فقد شارك في الحوار المراقب العام للاخوان المسلمين وأمين عام الحزب السياسي الاخواني الشيخ حمزة منصور والقيادي المؤثر الشيخ زكي بني إرشيد.
والإجابة كانت غير مفصلة أو محددة عموما من قبل الشيخ سعيد، أما بني إرشيد فقط طرح فكرة عنوانها لسنا مضطرين لان نوضح شيئا او نكشف أوراقنا، فيما مال الشيخ منصور لتذكير الحاضرين بأن السلفيين والأصوليين لا يكتفون بتكفير النظام بل يكفرون الاخوان المسلمين معه أيضا.
ولم يكتف الشيخ منصور بذلك بل سارع لانتقاد آليات الحكومة التي تستعين بالمتشددين أحيانا نكاية بالمعتدلين من الاخوان المسلمين فألمح لبعض الخطباء المتشددين جدا الذين تمنح لهم منابر المساجد بعد حظرها على الحركة الإسلامية.
ورغم أن الشيخ سعيد امتنع في تلك الأمسية الاخوانية عن تحديد موقف واضح ما بين اردوغان وطالبان إلا انه استعرض البعد التاريخي الذي يثبت بأن النسخة الأردنية من الاخوان المسلمين مساهم قوي وفعال على مدار نصف قرن في استقرار النظام.
وبعد نحو خمسة أسابيع من تلك السهرة الإعلامية مع الاخوان المسلمين لوحظ بأن المجاملات المعتادة بين قادة التيار الإسلامي والقصر الملكي تجمدت وتحديدا بعد أحداث دوار الداخلية، حيث خططت خلية عصبية تقود مؤسسات الحراك الشبابي لتكرار سيناريو ميدان التحرير المصري في قلب العاصمة عمان قبل قمع الإعتصام الشهير بقوة وقسوة.
وطوال ساعات السجال العنيف في تحليل مبررات ومسوغات معادلة القرار التي قررت التعاطي مع أحداث دوار الداخلية بدرجة عالية من المجازفة لم يستطع حتى خبراء النظام والدولة تحديد تصور استراتيجي يفسر مستوى العنف والمجازفات التي ارتكبت آنذاك حتى أن سياسيا مخضرما أبلغ 'القدس العربي' بأن السلطات كانت مستعدة للمجازفة بعشرة قتلى حتى تمنع سيناريو ميدان التحرير.
لكن اليوم ومع التحذيرات المباشرة التي وجهت للإسلاميين يمكن تلمس سيناريو البديل الاخواني لأول مرة في أحاديث السياسيين الأردنيين ويمكن اشتمام رائحة الخوف من أجندة خفية للتيار الاخواني في كل نقاشات الغرف المغلقة مع مسؤولي صناعة القرار.
ويمكن وهذا المستجد الأبرز بالمشهد ترصد حالة فقدان ثقة تامة بين أصحاب القرار الرسمي وبالتالي بين النظام وبين قادة الحركة الإسلامية، فالزواج لم يعد كاثوليكيا بين الإسلاميين والاخوان وقواعد اللعبة تغيرت على حد تعبير النائب اليساري المخضرم بسام حدادين.
وهذه الحالة فيما يبدو نتجت عن تراجع دور ونفوذ رموز علاقة التفاهم وإلى حد ما التبعية للنظام مثل الدكتور إسحق الفرحان أو الدكتور عبد اللطيف عربيات مقابل تصاعد نفوذ وحضور النخب التي تقول علنا انها تريد إعادة صياغة العلاقة مع مؤسسات الدولة والنظام على أساس الشراكة وليس التبعية كما فهمت 'القدس العربي' مباشرة من الشيخ بني إرشيد.
ونفس الحالة تمثل الخلفية المرجحة التي دفعت الملك عبد الله الثاني شخصيا قبل أيام للقول بأن سياسة الإصلاح لن تعتمد على تيار واحد وانها لن تكون إسترضائية بعد الآن، مشيرا الى ان التعددية السياسية تعني وجود عدة تيارات، وعلى الأغلب هي نفسها التي دفعته لاحقا وفي البحر الميت لتحريض الشباب على الإنخراط في الأحزاب والتوثق من انهم يريدون أحزايا سياسية فقط أو الأحزاب الموجودة حاليا.
وكل ذلك يتبع تنامي الشعور داخل مؤسسة القرار الأردنية بتوفر معطيات تفيد بأن جهة ما أقنعت الإدارة الأمريكية بأن التيار الاخواني هو صاحب الشرعية في مطلب الإصلاح وبأن تجربة تداعيات الربيع العربي مع الإسلام السياسي المعتدل قد يكون الإستراتيجية الأفضل.
وحسب الأوساط الخبيرة فالأب المرشح للعب هذا الدور هو رئيس الوزراء التركي المنتصر للتو رجب طيب اردوغان الذي بدأ يبرز كلاعب أساسي في معادلة الجوار والنظام العربي، الأمر الذي يدعم سؤال الرنتاوي الموجه للنسخة الأردنية من الاخوان المسلمين حول جدلية طالبان أم اردوغان؟
المثير والجديد في عمان هذه الأيام هو تنامي الشعور بخطورة الإتجاهين، فاخوان مسلمون على نمط طالبان مرفوض رسميا تماما وبدون نقاش، ونسخة محلية منهم على نمط اردوغان تشكل خطرا استراتيجيا ينطوي على كل المجازفات وثمة اعتقاد بأن ملف مشايخ الاخوان في عمان حاليا معلق بهذا المستجد في نمط التفكير الأردني.