30 عامًا على اختفاء الطيّار أراد: فشل وإخفاق المُخابرات وفي مُقدّمتها الموساد لحلّ اللغز
- السبت-2016-10-15 | 10:33 am
أخبار البلد -
الناصرة- من زهير أندراوس:
لم يتمكّن صنّاع القرار في تل أبيب، على مدار 30 عامًا من معرفة أيّ شيء عن مصير مُساعد الطيّار الإسرائيليّ، رون أراد، الذي سقطت طائرته من طراز فانتوم في العام 1986 فوق الأراضي اللبنانيّة، ولكن الأخطر من ذلك، بالنسبة لهم، أنّ قضية أراد تحولّت بنظر الإسرائيليين إلى أحد أكبر الإخفاقات التي سجلّتها المُخابرات الإسرائيليّة على جميع أذرعها، وباتت القضيّة تقُضّ مضاجع الإسرائيليين، قيادةً وشعبًا، لأنّها أكّدت وتؤكّد على أنّ الجيش الذي لا يُقهر عاريةً عن الصحّة، وتدحض الرواية الممجوجة بأنّ الموساد هو أسطورة، وقادرٌ على الوصول إلى أيّ مكانٍ في العالم.
وهكذا باتت قضية أراد محطة فاصلة في بلورة الأداء الإسرائيليّ مع قضايا الأسرى والمفقودين من جيش الاحتلال. كما أصبحت هذه القضية، التي تحولّت إلى لغز، حاضرةً في خلفية صانع القرار السياسيّ في تل أبيب، في كل محطة يضطر فيها إلى اتخاذ قرار يتصل بصفقة تبادل، وكذلك لدى عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين كانوا يتلّقون الدعم من عائلة اراد ويناشدون رؤساء الوزراء الإسرائيليين المتعاقبين عدم تكرار سابقة الطيار المفقود.
وحتى إذا لم تُقّر تل أبيب بذلك، فالقضية باتت سابقة تُجسّد الإخفاق الاستخباري والعملاني للجيش الإسرائيليّ الذي كان أوهن من إنقاذه، وبموازاة ذلك، فشل المُستوى السياسيّ في استرجاعه بأثمان كان يُعوّل عليها، في حينه، وزير الأمن يتسحاق رابين.
مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس)، عاموس هارئيل، قال إنّ توقعات الأجهزة الأمنية الإسرائيليّة تؤكّد على أنّه لن يتّم حلّ هذا اللغز خلال السنوات المقبلة، وأنْ لا يُعرف تمامًا ما الذي حصل مع أراد.
ومع أنّ كلّ أجهزة الاستخبارات في إسرائيل تتشارك في التقدير، منذ سنوات، بأنّه مات في الأسر قبل 20 عامًا على الأقل، إلّا أنّ القيادة السياسية تمتنع عن إعلانه "شهيدًا” بشكلٍ رسميٍّ.
وأشار هارئيل إلى أنّ الفجوة الاستخبارية والتخلي عن صفقة مع حركة أمل (بسبب مطالبة نبيه بري بمعتقلين فلسطينيين)، وإبقاء ورقة المساومة لفترةٍ طويلةٍ بأيدي حزب الله، هي إخفاقات لم تُخلّد لغز أراد فقط، بل كان لها تأثير بعيد المدى، في مقاربة القيادة السياسيّة والأمنيّة لقضايا الأسرى طوال العقود الثلاثة الماضية، مضيفًا: قوَّضت قضية أراد الشعار الذي تتباهى به إسرائيل، بأنّها تفعل كل شيء من اجل أسراها.
ومع أنّ المُحلل يؤكّد أنّ منشأ لغز أراد يتصل بوجود فجوة استخبارية واكبت القضية لسنوات، إلّا أنّ مسؤولين في الاستخبارات يعترفون بتفويت الفرص إلى جانب هذه الفجوة. ونقل عن مسؤولين استخباريين سابقين، رفيعي المستوى، شاركوا في الجهود لكشف مصير أراد، قولهم إنّه كانت هناك فرصة لعقد صفقة تبادل مع حركة أمل وإعادة أراد حيًا إلى إسرائيل، مع نهاية عام 1987 أوْ بداية عام 1988، لافتًا إلى أنّ بري طالب بتحرير أسرى لبنانيين من معتقل الخيام. ووفقًا لمساعدي وزير الأمن آنذاك رابين، فإنّ الأخير غيّر رأيه وقرر تأجيل الصفقة التي نسجها منسق الشؤون الإسرائيليّة في لبنان، اوري لوبراني، عبر عدة وسطاء. وبحسبهم، فإنّ مردّ هذا التغيير في موقف رابين يعود إلى أنّ بري أضاف إلى مطالبه تحرير عشرات الأسرى الفلسطينيين من سجون إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، كشف النقاب عن أنّ رفض رابين جاء على خلفية صدمة الجمهور الإسرائيليّ من صفقة أحمد جبريل، عام 1985، التي أطلق خلالها 1150 معتقلاً أمنيًا أغلبهم فلسطينيون.
وتابع هارئيل، نقلاً عن رجال استخبارات آخرين، شاركوا في قضية أراد، أنّ العامل المركزيّ لتغيير الموقف الإسرائيلي يعود إلى مطالبة بري بالمعتقلين الفلسطينيين. مع الإشارة إلى أنّ الاتصالات غير المباشرة مع حركة أمل، كانت تجري في سياق انطلاقة الانتفاضة الأولى.
وبرأي المُحلل فإنّ تل أبيب فوّتت أيضًا فرصة سحب ورقة أراد من حزب الله عبر الإعلان عنه شهيدًا. ففي عام 2005، توصّلت لجنة تابعة للاستخبارات العسكرية إلى استنتاج بموته، وحاول رئيس الاستخبارات الجنرال اهارون زئيفي – فركش، إقناع رئيس الوزراء ارييل شارون بقبول التوصية، كونها تسحب من حزب الله ورقة مساومة، لكنّ شارون رفض.
وكشف هارئيل، نقلاً عن مصادر أمنيّة رفيعة المُستوى في تل أبيب، كشف النقاب عن أنّ قضية اراد تمّ طرحها في مختلف الاتصالات مع حزب الله، لإجراء صفقات تبادل الأسرى.
وخلُص المُحلل إلى القول إنّ أصداء قضية أراد، وصفقات التبادل بما فيها صفقة الجندي الأسير لدى حماس غلعاد شاليط، كان لها حضورها وتأثيرها في أداء الجيش العملاني في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، حيث كان الضباط يؤكّدون على الجنود ضرورة عدم الوقوع في الأسر مهما كان الثمن.
يُشار إلى أنّه في الخامس من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، سمحت الرقابة العسكريّة الإسرائيليّة بنشر خبرٍ مفاده أنّه في الأشهر الأخيرة جرت مباحثات غيرُ مباشرةٍ بين إيران، حزب الله وإسرائيل وجهاز مخابرات غربيّ، ووفق كلّ المؤشرات والدلائل لحلّ لغز أراد. وقال مُحلل الشؤون الأمنيّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، رونين بيرغمان، نقلاً عن مصادر غربيّة رفيعة المُستوى، إنّه بالمُقابل تعهدّت إسرائيل بالعمل على معرفة مصير الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين اختفوا في بيروت عام 1982، واتهمّت طهران تل أبيب بأنّها هي المسؤولة عنهم.