بقلم: صابرين فرعون
اختلف النقاد والأدباء على تعريف يُجمعون عليه بخصوص النص، ولكنهم كتبوا عنه من خلال آليات الخطاب السردي، والاتجاهات وبنية النص والتعالق النصي "التأثر والتأثير"، فكان لزاماً الوقوف على العمل الأدبي وفنياته وجمالياته -في الوقت الحاضر- من خلال التمازج الدلالي والتركيبي الذي يُظهر فكر الكاتب في دائرة التقاطع والإتحاد بين الذات والمجتمع والتخلص من عاطفة "الحنين والشوق والضبابية" كصراعات إنسانية ودوافع أيدلوجية لإيجاد الأنا في كومة القش التي قسمت ظهرها الحرب..
يُشكل الروائي والأديب محمد برهان متن نصه "مذاق الخفة" من خلال قرائن مُصاحبة للحكي والسرد، بمزج أجناسٍ أدبيةٍ متعددةٍ كالقصة القصيرة جداً والومضة الشعرية وقصيدة النثر، هذا الخليط ينُم على أن كاتبه يبحث عن التخلص من الكتابة التقليدية لابتكار "مذاق جديد خفيف"، ينتشي به القارئ، وذلك الطعم الكثيف للنوع الأدبي الواحد يذوب ويتمازج والأنواع الأخرى في كأسٍ المُكون الاساسي له الإنسانية، تلك التي نُزاحمها ونستهجن فطرة الخير فيها ونشوهها بالقتل والقطع والنهب والسلب ونهمشها في عجلةٍ من الوقت قبل أن يقطعنا ونحن نتسلق حافة الوحشية والخراب، تلك الإنسانية المنشودة تلملم شتات النفس وغربة الذات، وتُعيد تدوير الواقع المسحوق بأيدلوجية السيطرة والرأسمالية وجملة المصالح الإمبريالية فيصير خفيفاً في موازين اللغة الأدبية التي تسمو بالإنسان، ويختفي طعم العلقم ويتوقف ذلك الضجيج الحربي عن السريان في عاطفة الفكرة ليخرج لنا الكاتب بصورة نصية كاملة "جولة أسطورية" طوّع فيها اللغة في تصوير البعد النفسي والمفارقة والتموقع بين الواقع وامتداده اللغوي سواء في العتبة النصية أو المتن..
أما عن العناوين الداخلية أو الفرعية التي قسمها الأديب محمد برهان إلى "كائنات الحبر، شجيرات، قافية حافية، حكايتنا" فهي تقوم على خرق قتامة "الحرب السورية" وتحيلها إلى دلالات مفتاحية بسيطة ذات أبعاد عميقة مثل "اضطهاد لغوي، المتظاهر الأخير، غرباء، تحولات، وئام، لماذا؟، صورة مقلوبة، امتناع لامتناع..."
كما أن أغلبها دُوِّن رقمياً على أنها مقاطع، فمثلاً شجريات لم تكن لها عناوين نصية وإنما مقاطع رقمية امتدادية بما فيها من صورٍ مُكملةٍ لبعضها تسمح للقارئ برؤيةٍ تأويليةٍ تتصادم مع توقعه..
هناك ثقافةٌ عاليةٌ وتأثر بالأدب الرمزي يظهر في كثيرٍ من النصوص، فمثلاً كان هناك تأثرٌ واضحٌ بأبي العتاهية في المقطع التاسع عشر من "شجريات"، حيث يقول : ألا ليت الغراس.. يعود يوماً.. لأخبره بما فعل الخريف!!، ويقول أبو العتاهية "ألا ليت الشباب يعود يوماً..فأخبره بما فعل المشيب"، كما يظهر تأثره بالشاعر محمود درويش في نص غربة "كم تؤلمني المدن..أحن إلى رحم أمي" تأثراً بقول الشاعر محمود درويش "أحن إلى خبز أمي"..
وأيضاً التأثر بمفردات القرآن الكريم وقصص الأنبياء، في "قافيةٍ حافيةٍ" في المقطع الأول "زمليني بهذا الليل الذي تلفينه على.. كتفيك"، تأثراً بنبي الله محمد-عليه السلام- عندما دخل على زوجته خديجة لما نزل عليه الوحي، قائلاً: "زمليني..زمليني"، والمقطع العاشر "ستقول قسمة ضيزى" تأثراً بالآية الكريمة "تلك إذاً قسمة ضيزى"...
"حكايتنا" في سردها القصصي اعتمدت أسلوب ابن المقفع في القص بشكل شخصيات حيوانية ذات دلالات رمزية تحضر في سياسة اليوم، وكذلك اعتماد رمز شهريار وشهرذاد..
حافظ الكاتب على شعرية الحكي حتى في القص والسرد النثري، مما يحاور عاطفة القارئ ويستفز حواسه للتمعن في الموسيقى والرذم والأسلوب والاستعارات اللغوية والصور الفنية والعاطفة..
يقول في نص "نبوءة"مختصراً كل العذاب:
مخموراً
كأني شربتُ من وجعي
مكسوراً
كأن هذا البحر مرَّ من ضلعي
هذا أنا...
الآن في الآتي
أراني هناك
ينقُصني فرحٌ وبلاد...
محمد برهان أديب سوري، يكتب في الصحافة، من إصداراته: "كاهن الخطيئة" رواية، "عطار القلوب" رواية، "مذاق الخفة" نصوص وهي صادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع..