بقلم:صابرين فرعون
المكتبة المغربية الحديثة غنية بالفن الشعري الذي يأخذ منحى جميل في الاتجاه الرومانسي مع الحفاظ على الأصالة في الموروث الأدبي، فقد تطورت المواضيع الشعرية وامتزجت بالفكر والوعي الحداثي وحافظت على الطبيعة كملهمة في التصوير والتوصيف الجمالي لأن هناك نزعة للتجديد وانفتاح على ثقافات أخرى وترك بصمة فردية للمجموع..
في مجموعتها الشعرية "يا أنت... رهاني على المدى" نجد بصمة مميزة للشاعرة مليكة ضريبين، بما في لغتها من انعكاسات حقيقية للأحلام، تستوقفنا كقراء للتأمل في المتن الشعري الزاخر بالتصوير، والأسلوب التأملي للتجربة الإنسانية ل"بينلوبي" كرمز تشكيلي اعتمدته الشاعرة بالأصالة عن نفسها، واعتمادها على التشخيص والتجسيد في تركيب الصور واحتوائها الجمالي للتشبيه والاستعارة والتخييل، بالإضافة للبنية الإيقاعية المتنوعة والغنية بالقصائد المقطعية والومضات والمطولة الشعرية النثرية..
الشعر عند الأستاذة ضريبين، رحلة استكشاف للأنا المكابدة واحتوائها والتحرر من هالة الحزن الذي يغشى النفس، تُفضي للمُتخيَّل لمقاربة الواقع في حالة من الانسجام، معتمدةً على الرمز السهل في سفرها عبر الزمن رحلة متتابعة ومتسلسلة، حيث النص الأول يفضي للتالي، والتالي يسحبك لتبحث في الدلالات، وكأنها طبق حلوى كلما تناولت قضمة تشتهي تناول أخرى حتى تنهي الطبق ولن تصل لمرحلة التخمة أو حتى السمنة الفكرية، ولكنك ستطير وتحلق في تلك الجماليات الفنية التي نقشها الحرف..
هناك تأثر بأحمد عبدالمعطي حجازي ونزار قباني وإيليا أبو ماضي وقاسم حداد واضحٌ وجليٌ في بعض التراكيب، مع الإشارة أن اللفظ ليس محصوراً أو ملكاً لشخص بعينه وإنما طريقة توظيف التراكيب التصويرية هي بصمة فردية..
جاء الخطاب الشعري في المجموعة الشعرية "يا أنت...رهاني على المدى"، بصوتين كل منهما يكمل الآخر، وكل منهما يمنح قيمة وجودية وعطاء للآخر، الصوت الوجداني الذي يكمله الوعي وإدراك معايير الكتابة الإبداعية التي تسمو بها الذات الواحدة وتشد أواصر المعرفة وتوسع مداركها وتحفظ التناغم بين المحسوس والمادي..
جاءت عناوين النصوص بسيطة لا تكلف فيها أو زخرفة، عتبات تدعو لدخول حديقتها والاستمتاع بالمضمون الشعري "شروخ، إياب، نبوءة عراف، الشاعر، تصالح، انبعاث، فيض، صيرورة، نصيب، عزاء، تفاؤل، يأس، حصار، وفاء، حواء، تعرف، جرح، تمرد، تبرير، عشق، الرحالة، ربيع، عبث، رتابة، وهم، مزاد، رجوع، مد وجزر، شروق، تسويق، الوطن أنت، أُفول، شجون وجنون، انحدار، عاشقة في محراب الملائكة، الفردوس المفقود، ميلاد، قصيدة شاردة، غيرة، انبعاث"..
قطفتُ زهرة ندية من بستانها أستمتع بمعانيها وأتمعن في رسالة نصها "انبعاث"، علماً أن الشاعرة لها نصين بعنوان واحد "انبعاث"، وكأن المدخل والمخرج يثبتان بصمة الأنثى الشامخة التي تفرد جناحي العنقاء وتخرج من الحلم لتكتب بفرح :
عائشة من منفاها
تعود
عروساً للبعل
تُزف
ناشرة الطيب والدفء والرفاه
وتمتلئ العرائس من حولها إغراء
يسارع لمضاجعة الغرباء..
عشتار توزع الغلال
ترص الجرار
وتملؤها ماء
توزع السلال
خبزاً وزيتوناً وعناقيد عنب
على اليمين والشمال..
معلنةً عودة البطل
ثانيةً إلى دنيا البشر...
مليكة ضريبين شاعرة مغربية، حاصلة على الإجازة في اللغة العربية تخصص الشعر العربي ودبلوم المدرسة العليا للأساتذة في علوم التربية.. نُشرت لها بحوث تربوية، أما الأدبية فمجموعتها الشعرية "يا أنت...رهاني على المدى" هي الثالثة والصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع...