بقلم: صابرين فرعون
يرى الشاعر الجميل د.صلاح بوسريف أن الشعر حكاية الإنسان وطريقه اليانعة التي تفضي لكل الحياة، يراه حكاية التناغم مع موسيقى الكون، فها هي مورفيماته وحروفه ومفرداته تتوالد وترسم مشهداً تكاملياً ذات لغة صوفية مشبعة بالمعاني، فالشعر عوالم بحد ذاتها لها شخوصها ومكنوناتها وصفاتها، يسعى الشعراء من خلالها إلى مد جسور بين الواقع والمكتوب ومنح فضاءات واسعة ورحبة لإعادة بناء جديدة للتجربة الإنسانية والحياتية دون قيود مفروضة من قبل الثقافة المجتمعية أو حتى القرين "الذات والآخر" في عالم الشعر..
إن السياق الفكري هو ما يعيد تفكيك وتقويض اللغة الشعرية، حيث أن المعاني تتجاوز اللفظ الصريح المباشر، يتحدد معناه بالتأويل، ويقوم على التداخل النصي والتناص تأثراً باللفظ القرآني عند شاعرنا بوسريف، كما في قول الشاعر في نص " أنا من أنا" الذي استهل به مجموعته الشعرية: يحيي الأرض وهي رميم، وفي النص القرآني، سورة يس "يحيي العظام وهي رميم"، اعتماداً على التصالح في المعاني واعتبار القارئ عنصراً خارجياً في تلك المرايا التي تمتاز بالتحدب والتقعر بحسب نظرته للماوراء أو المدلول الميتافزيقي..
في مجموعته "لا يقين في الغابة"، ما يذكرني بمفارقة "Olbers' Paradox"، وهي تقوم على النظر لأبعد مما داخل الحلقة المنتهية وتدحض الكونية الثابتة اللامنتهية، وهنا سنجد أنه كلما اتسعت مدارك الإنسان ومعرفته بذاته وتلمس خطواته وتوحده مع تلك الجسيمات وتصوير ذلك باللغة الحسية ستتضاءل النظرة للأسس والبناء التقليدي للقصيدة باعتبارها وحدة تمتاز بالتكامل العضوي والموضوعي، يرسم فيها الشعراء لوحة شعرية تقوم على الإحالة والانتشار والتشتيت والأثر والمقاربة والاستحضار، يحتوي د.بوسريف مقارباتها كمؤنس يترجم تلك العاطفة المنطوقة والمكتوبة بخليط قالبه الشعري يحتوي المضمون النثري في إيقاعات سلسة ومتناسقة، تتجاوز الزمان وتصنع من الكتابة بؤرة مكانية، لا جغرافية، للكلمة، فيعيش في الكلمات ليكتب دورة حياتها وترتوي من روحه لتنتفض أواصر الجسد الشعري لها..
هنا محو كامل للقيود والحصر للدال والمدلول، وبناء جديد يؤصل لجذره في تربة متينة، حيث يطرز الشاعر على بتلات أزهار حديقته حياةً ويسبكها بالتوالد والتوالج ويقوم بهندسة بصرية لصفحات كتابه تتلاءم ورؤيته الفكرية والجمالية لحديقة حرفه..
وقد قلت في إضاءة سابقة على الجزأين "خبز العائلة، حجر الفلاسفة" أن ما يميز أسلوب د. بوسريف أن هناك سيادة في الخطاب الميتافزيقي اللغوي تهيمن على منظومة النص الشعري، بحيث تنسج مفاصل السرد الذي له مدلولاته العميقة في تحليل السلوك الإنساني في الخطابين : اللفظي وغير اللفظي "الاحتواء والتجاوز", والصورة الصوتية للكلمة والمفهوم، كما عكست الألفاظ برمزيتها رغبة الشاعر من الثورة على التقليدي, فكانت بعض هذه الألفاظ قد أكثر الشاعر من تكرارها لأنها تدل سيكولوجياً على مزاجه في الكتابة, وكأنه نظام معين له نفس البداية والنهاية من تلك العاطفة الحزينة العميقة، مما يكسب النص الشعري إيقاعاً...
صلاح بوسريف شاعر مغربي، يحمل شهادة الدكتوراة في اللغة العربية وآدابها، تولى منصب "رئيس اتحاد الكُتاب في المغرب"، صدر له عدة دواوين ومجموعات شعرية، منها:
فاكهة الليل، على إثر سماء، شجر النوم، نتوءات زرقاء، حامل المرآة، شهوات العاشق، شرفة يتيمة بثلاثة أجزاء "خبز العائلة، حجر الفلاسفة، لا يقين في الغابة"، الديوان الأخير بأجزائه الثلاثة صادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن..