بقلم :صابرين فرعون
تشدني الإيحاءات الشاعرية التي تفيض من السرد النثري للكاتبة التونسية أمينة زريق، حيث أنها تزاوج اللفظ والتوصيف الشعري الوجداني مع السرد والإسقاطات على قضايا مجتمعية لتسليط الضوء على الموروث الثقافي المتنوع للوطن العربي ، فقد تضمنت المجموعة في بعض نصوصها حوارات وعبارات باللهجات المحكية في الخليج والمغرب العربي وسوريا، كما في قصص "يا أخت هلي"،"لالة حليمة"، كما تضمنت بعض الحوارات لغات كالفرنسية والإنجليزية مثل قصة "كبّة سورية..لا غير"..
خمسٌ وعشرون نصاً ما بين القصة والنص القصصي "الخاطرة المفتوحة" تصبغها برمزية وتقنيات الكتابة المتقدمة، تحمل في طياتها الانسيابية حيناً والقلق حيناً، فالحبكة جلية وواضحة في عقل الكاتبة، والرمز الصوفي المتمثل في صوت الطبيعة يلتف على اللغة ولا يتوحد معها بل يصيرها لمسارٍ آخر في بعض المقاطع، حتى تكاد أن تكون مزيجاً من السريالية والصوفية بهذه التوصيفات تضفي بعداً ميتافيزيقياً لبؤرة السرد، فتحيلنا كقراء لمحاكاة التوحد وعوالم الكتابة لاستنطاق الألوان والأشياء التي تقوم مشهديتها على أسلوب التشخيص.
العناوين البسيطة حيناً والمركبة حيناً آخر تحدثت في مواضيع تناقش عقل القارئ وتنيره برؤية الكاتبة للحياة والموت والطفولة وإبداع الطفل من خلال مخيلته الخصبة، وللعناوين دلالات مفتاحية مرتبطة بالخواتيم المُفاجِئة والمشوقة للنصوص، مثل :
"أناملها تنزف"،"غيمتها"،"الراديرو"،"مياه تشتعل"،"أنثاه،"نمل القصائد"،أبوابٌ معطلة"..
الأبواب، إلى ماذا ترمز وعلام تدل في نصوص "من ذاكرة الأبواب" والتي حملت عنوان القصة الثانية في المجموعة؟
في كل نصٍ تضعنا زريق أمام أحد هذه الأبواب، وكل بابٍ يوصل للباب التالي ، لتكتشف أنك أمام صفٍ من الأبواب في طابقٍ واحدٍ تلتقي في شرفاتها العالية المطلة على ثقافات بألسنة كثيرة، منها الحياة والطفولة والطموح والموت ..
يلتقي الزمان بالمكان، مشكلاً فضاءً رحباً للقص، وينتج عنه حبكةً متماسكةً بما فيها من صراع الشخصيات مع بعضها ومع نفسها ..
قد يتهيأ للبعض أن صوت الكاتبة يختفي مع كل تلك الشخصيات، والتي تأتي كل منها من بيئة مكانية مختلفة، ولكن الصوت واضح يعلق بكل كلمةٍ مكتوبةٍ ومشهدٍ موصوف ، فالكاريزما المسيطرة تتشكل من بنية روحية تستمد دمغتها من انفتاح الكاتبة على عوالم شخوصها ووعيها بالتفاصيل التي تعمل على استمرارية الحدث والتنقل من مشهدٍ لمشهد بخفةٍ، دون الوقوع بشبكة صيد الرمز ..
أمينة زريق شاعرة وكاتبة تونسية من القيروان، حاصلة على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، صدر لها: مجموعتين شعريتين "تخذلنا الغربة إذ نخذلها" و"لم أنتبه"، مجموعة قصصية للأطفال"زهرة الأوركيد"، مجموعة قصصية "من ذاكرة الأبواب" ، والأخيرة صادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع.